اتهم لوكاشينكو كييف بالتخطيط لـ "عمليات إرهابية" ضد بلاده (Reuters)
تابعنا

في حديثه يوم الثلاثاء لقمة الدول السبع، طالب الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، بدعم مبادرته لإرسال بعثة مراقبة أممية لحدود بلاده الشمالية مع بيلاروسيا. ذلك بعد إعلان الرئيس ألكسندر لوكاشينكو نشر قوات مشتركة، بين بلاده مع روسيا، على الحدود مع أوكرانيا.

فيما يرى مراقبون أن قرار الرئيس البيلاروسي ليس إلا تأكيداً للشراكة الدفاعية التي تربط مينسك بموسكو. يطرح بالمقابل أسئلة حول مدى جدية احتمال إقحام بيلاروسيا في الحرب، وانتقالها من وضع الحياد العسكري الداعم لبوتين، إلى وضع المشارك المباشر في النزاع الدائر منذ 27 فبراير/ شباط الماضي.

هذا وتشهد الحدود الشمالية لأوكرانيا، منذ تصريحات لوكاشينكو، يوم الإثنين، زخماً عسكراياً كبيراً. خاصة بعد التصعيد الروسي الأخير، الذي طرح تحديات أمنية جديدة، همت دول شرق أوروبا بأكملها.

جيش موحد ضد أوكرانيا

وفي اجتماع حول الأمن، ترأسه في مينسك يوم الإثنين، اتهم لوكاشينكو كييف بالتخطيط لـ "عمليات إرهابية" ضد بلاده، مشابهة لتفجير جسر القرم، الذي تتهم موسكو أوكرانيا بالضلوع فيه. وقال لوكاشينكو: "إن أوكرانيا اليوم لا تقف عند مناقشة الضربات على أراضي بيلاروسيا فحسب، بل انتقلت إلى مرحلة التخطيط لها أيضًا".

وكشف الرئيس البيلاروسي بأنه تلقى تحذيرات، عبر قنوات "غير رسمية"، بشأن وجود مخطط لتنفيذ ضربات على بلاده "تنطلق من الأراضي الأوكرانية على بيلاروسيا"، وصفها بـ"جسر القرم 2".

هذا قبل أن ينقل سهامه ناحية واشنطن وبروكسيل، إذ اتهامهما "بفتح جبهة ثانية للحرب في بيلاروسيا"، عبر التخطيط "لتعزيز دعمهما بشكل جدي للعناصر المخربة ولتفاقم الوضع على الحدود الغربية"، كما "تدريب مقاتلين في بولندا وليتوانيا وأوكرانيا، ضمنهم متطرفون من بيلاروسيا، على القيام بأعمال تخريبية وأعمال إرهابية وتمرد عسكري في البلاد".

وأعلن الرئيس البيلاروسي عن عزمه نشر قوات إقليمية مشتركة، روسية بيلاروسية، على الحدود. وفقاً لما اتفق عليه سابقاً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبدأ في تنفيذه مباشرة بعد تفجيرات جسر القرم.

هل تدخل بيلاروسيا الحرب؟

حول طبيعة هذه القوات الإقليمية المشتركة التي تعتزم مينسك وموسكو نشرها على الحدود الشمالية الأوكرانية، أوضح أمين مجلس الأمن البيلاروسي ألكسندر فولفوفيتش، بأنها "دفاعية بحتة". وقال فولفوفيتش: لأن "الغرب يحاول الترويج لفكرة أن الجيش البيلاروسي قد ينضم إلى عملية عسكرية خاصة على أراضي أوكرانيا... إن هذه المخاوف لا مبرر لها، وأن القوة الإقليمية التي بدأنا في نشرها دفاعية بحتة".

وتظهر هذه التصريحات سعي بيلاروسيا للحفاظ على تموقعها في منطقة رمادية بشأن الحرب في أوكرانيا؛ أي البقاء على الحياد عسكرياً، مقابل دعم موسكو سياسياً واستراتيجياً. ومنذ انطلاق العملية العسكرية، سمحت مينسك لروسيا بحشد قواتها على الحدود الأوكرانية الشمالية، كما بانطلاق الهجوم من أراضيها. إضافة إلى ذلك نشرت بيلاروسيا في السابق ست كتائب تاكتيكية على حدودها الجنوبية، ببضع آلاف من الجنود، لتقديم الإسناد لحرس حدودها تزامناً مع انطلاق العمليات في أوكرانيا.

ولاحقاً، عقب إعلان بوتين التعبئة العسكرية الجزئية، التقى أمين مجلس الأمن البيلاروسي بنظيره الروسي نيكولاي باتروفيتش، حيث تدارسا تطورات الحرب واستجابة موسكو لها. عقب هذ الاجتماع خرج فولفوفيتش لطمأنة البيلاروسيين بأن قرار التعبئة لا يشملهم.

فيما كل هذه المؤشرات لا تطرد بشكل نهائي احتمال دخول بيلاروسيا الحرب، إذ تقول المحللة الأوكرانية ليفي بيريج، التي تقرأ في تصريحات لوكاشينكو الأخيرة أنه لم يعد قادراً على الحفاظ على موقفه الحيادي عسكريا، وأنه "لم يعد من الممكن بعد الآن أن تظل مشاركًا سلبيًا في العدوان الروسي: الآن من الضروري إما الابتعاد بحدة عن روسيا أو الانضمام إلى حرب شاملة".

وتربط بيريج بين قرار نشر القوات الإقليمية المشتركة الذي تلى اتهام موسكو أوكرانيا بالضلوع في تفجير جسر القرم، وبين العقيدة العسكرية لدولة الاتحاد بين بيلاروسيا وروسيا، والتي تنص على اعتبار "أي اعتداء باستخدام القوة العسكرية ضد أي من الدول بمثابة اعتداء على دولة الاتحاد"، وبموجبه يتخذ الدولتان تدابير الرد المناسب عبر أي قوات ووسائل. ويذكر أن السلطات في مينسك تعترف بالقرم كأراضي روسيا، وبالتالي ترجح احتمال دخولها في الحرب استناداً على تلك العقيدة العسكرية.

بالمقابل، يستبعد أرتيوم شريبمان، المحلل السياسي البيلاروسي والباحث في معهد كارنيغي للسلام، دخول بيلاروسيا في الحرب في أوكرانيا، ويرجع ذلك لأنه برغم من تمتع بوتين بالنفوذ الكبير على الرئيس البيلاروسي، فهو "لا يستطيع إجباره على دخول الحرب"، التي تعد بمثابة "انتحار سياسي للوكاشينكو".

أكثر من دولة اتحاد

هذا وبعد سنوات قليلة من خروجهما من الاتحاد السوفيات، وقعت موسكو ومينسك معاهدة الاتحاد بينهما، والتي تعد إطاراً فوق وطني يهدف لتعزيز التكامل الاقتصادي والدفاعي بين الدولتين. وفي 4 نوفمبر/تشرين الماضي، ترأس بوتين ولوكاشينكو اجتماعاً افتراضياً للمجلس الأعلى لدولة الاتحاد، حيث جرى خلاله توقيع مرسوم اندماج الدولتين في دولة اتحادية.

وقتها، صرَّح بوتين بأن "توقيع المرسوم يعد خطوة إلى الأمام تهدف إلى إفادة شعبي البلدين و (من خلالها) نعتزم التصدي معاً لأي محاولات للتدخل في شؤون بلدينا السياديين". وشمل ذلك المرسوم تفاق البلدين على دمج سوق الغاز بينهما في سوق موحد وكذا أسواقهما المالية. ما قرأت فيه المعارضة البيلاروسية محاولة النظام الحاكم "بيع البلاد" لسيد الكرملين.

وقبل ذلك، جمع اجتماع آخر وزراء دفاع البلدين، حيث وقعوا مراسيم تمديد شروط الاتفاقيات الخاصة بنشر منشأتين عسكريتين روسيتين على أراضي بيلاروسيا. قال فيه وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، بأنه "أكد مرة أخرى وحدة توجهات وزارتي الدفاع في روسيا وبيلاروسيا للتعاون في مجال الدفاع، وتركيزها على حلّ المهامّ العملية لضمان الأمن العسكري لدولة الاتحاد الروسية البيلاروسية".

وظهرت فحوى تلك الاتفاقات الدفاعية خلال الأزمة الأخيرة بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، خريف 2021، حين أرسلت موسكو قاذفتين استراتيجيتين بقدرات نووية لتنفيذ دورية في المجال الجوي البيلاروسي، في رسالة تحذير إلى دول الاتحاد الأوروبي المجتمعين لتدارس عقوبات جديدة على مينسك. واستمرت عبر عدد من المناورات العسكرية المشتركة، ضمنها تلك التي موهت بها موسكو حشدها للهجوم على أوكرانيا، في فبراير/ شباط المنصرم.

وفي ذات الخريف، أبدى الرئيس البيلاروسي استعداده لاستقبال أسلحة نووية روسية على أراضي بلاده. قائلاً بأنه في حال نشر الناتو ترسانته النووية في بولندا "سأعرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إعادة الأسلحة النووية إلى بيلاروس". فيما تعود هذه التصريحات السابقة لتطفو على السطح، ذلك بعد طلب وارسو من واشنطن نشر أسلحة نووية على أراضيها، في إطار برنامج "المشاركة النووية" لحلف الناتو.



TRT عربي