تابعنا
تسعى موسكو التي تخوض حرب استنزاف منذ 19 شهراً في أوكرانيا، إلى الحصول على الذخائر والأسلحة والصواريخ، مقابل مساعدة بيونغ يانغ في برنامج الأقمار الصناعية، لا سيّما بعد فشل محاولات إطلاق قمر للتجسس.

حملت زيارة زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، إلى روسيا عديداً من الرسائل إلى الغرب وتعهداً بدعم "كامل وغير مشروط" للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أبرز هذه الرسائل الدعم في "المعركة المقدسة" حسب وصف جونغ أون للحرب الدائرة بين موسكو وكييف، في ظل سعي كليهما إلى إضعاف آثار العقوبات المفروضة ضدهما.

وبقطاره الأخضر الفاخر والمدرّع، وفي أول رحلة له منذ 2019، وصل كيم إلى الأراضي الروسية في 12 سبتمبر/أيلول الحالي، لعقد قمة مع نظيره الروسي وصفتها وكالة الأنباء المركزية الكورية بـ"الاجتماع التاريخي"، الذي جرى في قاعدة "فوستوشني" الفضائية شرقي روسيا.

وفيما رفع الزعيمان "نخب الصداقة" خلال مأدبة غداء، راقب الغرب بحذر الاجتماع الذي يُنذر بـ"حقبة جديدة" محتملة في العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ، وحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد وجهت القمة رسالة واضحة إلى واشنطن، أظهرت أنّ دعم الغرب لأوكرانيا سيكون له عواقب، وفي هذه الحالة من خلال دفع موسكو وجعلها أقرب إلى نظام كيم "الاستبدادي".

وسبق أن صرّح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، أنّه "على غرار المخاوف التي عبرنا عنها بالفعل بشأن العلاقة الدفاعية المزدهرة بين روسيا وإيران، لدينا بوضوح مخاوف بشأن أي علاقة دفاعية مزدهرة بين كوريا الشمالية وروسيا".

وأضاف أنّ "تقديم روسيا الدعم لبرامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية غير القانونية سيكون سبباً كبيراً للقلق". ويعد برنامج بيونغ يانغ النووي انتهاكاً طويل الأمد لعقوبات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية.

دعم عسكري يقابله الاقتصاد التكنولوجيا

وأبدى بوتين ملامح إيجابية لرغبته في التعاون وتعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية منتصف أغسطس/آب الماضي، إذ أرسل حينها رسالة إلى كوريا الشمالية في "ذكرى التحرير"، قال فيها إنّه "مقتنع بمواصلة تعزيز التعاون الثنائي في كل المجالات". وهو ما ظهر جليّاً في الاجتماع الذي استمر أكثر من خمس ساعات بين كيم وبوتين.

وتسعى موسكو التي تخوض حرب استنزاف منذ 19 شهراً في أوكرانيا، إلى الحصول على الذخائر والأسلحة والصواريخ، مقابل مساعدة بيونغ يانغ في برنامج الأقمار الصناعية، لا سيّما بعد فشل محاولات إطلاق قمر للتجسس.

وتضمن جدول المباحثات قضايا التعاون الاقتصادي والإنساني والأوضاع في المنطقة بالإضافة إلى عديدٍ من المواضيع الأخرى، كما أبدى كيم جونغ استعداده للعمل مع بوتين بشأن "خطة من 100 عام" لبناء علاقات مستقرة بين البلدين، حسب ما نقلته وكالة "تاس" الروسية.

وفي مقابلة محلية، أكد بوتين أنّه ناقش قضايا التنمية الزراعية وقطاع النقل والخدمات اللوجستية والإنسانية مع كيم جونغ أون، مشيراً إلى أنّ موسكو "لديها ما تقدمه" في هذا الصدد، وقال: "لدينا كثير من المشاريع المثيرة للاهتمام منها مشاريع في مجال النقل والخدمات اللوجستية، أي السكك الحديدية، والطرق السريعة، ما يعني استئناف عمل الميناء، إذ يمكن إنشاء مثلث لوجستي مع خط سكة حديد وميناء وطريق سريع إلى الصين، ويمكن زيادة حجم النقل عدة أضعاف هنا".

واقتصرت إفادات الوكالات الرسمية من كلا الجانبين حول بعض التلميحات عن التعاون العسكري، وتضمنت الأجندة تغطية الزيارة وتأكيد "التصدي للتهديدات العسكرية والاستفزازات" والعشاءات وتبادل الهدايا من دون التطرق إلى أوجه اتفاقيات محددة، كما أظهرت الزيارة جوانب من ما قد يكون في المستقبل، خاصة مع دعوة رسمية لزيارة كوريا الشمالية وجهها كيم إلى بوتين، مع تأكيد الأخير قبول الدعوة.

الخبير في القضايا الجيوسياسية، العميد خليل الحلو، يرى أنّ موسكو تطرقت لتأمين الذخائر من كوريا الشمالية منذ زيارة وزير الدفاع، سيرجي شويغو، إلى البلاد منذ شهرين باعتبار أنّ مصروف الذخائر الروسي في أوكرانيا كبير جداً، وبعد أن طال أمد الحرب تسعى موسكو الآن إلى شراء ذخائر مدفعية.

وفي حديثه مع TRT عربي، يقدّر الحلو مخزون كوريا الشمالية بأكثر من 10 آلاف مدفع و4 آلاف دبابة، "إنّما جميعها قديمة العهد ومعظمها منسوخة عن الذخائر والأسلحة السوفيتية السابقة، وهذا المخزون تتمنى كوريا الشمالية أن تتخلص منه وتبيعه، فلديها ذخائر مدفعية من جميع القياسات من 100 مم وأعلى، إضافةً إلى صواريخ قصيرة المدى من نوع BM-21 وBM-23 المعروفة باسم (كاتيوشا) و(غراد) وهي صواريخ تحتاج إليها روسيا".

وتُعتبر كوريا الشمالية واحدة من أكثر الدول تسلُّحاً في العالم، ويعتقد أنّ لديها فائضاً من الذخيرة، لأنّها لم تخُض حرباً منذ عام 1953، ويضيف الحلو أنّ "المصانع الحربية في روسيا استعدت لزيادة الإنتاج من هذه الأسلحة، لكن البرنامج يحتاج إلى وقت حتى يلبي الحاجة الميدانية بأوكرانيا، وبالتالي روسيا الآن بحاجة إلى الذخائر الكلاسيكية".

ورغم أنّ تقارير استيراد الأسلحة من كوريا ليست جديدة، إذ سبق أن حذر المسؤولون الأمريكيون مراراً من شحن كوريا الشمالية قذائف مدفعية وصواريخ إلى روسيا، فإنه لا يوجد أي دليل علني على أنّ روسيا استخدمت الأسلحة والذخائر الكورية الشمالية في ساحة المعركة في أوكرانيا، وفق تقارير إعلامية.

وكانت الرئاسة الروسية نشرت في وقت لاحق تأكيداً لـ"عدم توقيع أي اتفاق" بما في ذلك التعاون العسكري الفني، وهو ما يمكن تفسيره، حسب محللين، بأنّ صفقات الأسلحة بين كيم وبوتين يمكن أن تدفع كوريا الجنوبية إلى إرسال أسلحة مباشرة إلى أوكرانيا، ولهذا امتنعت موسكو وبيونغ يانغ عن إعلان مثل هذه الصفقات.

بدوره، ينفي أندريه مورتازين، الخبير السياسي الروسي والباحث في العلاقات الدولية، ما يدور في الغرب حول حاجة روسيا إلى الأسلحة، معتبراً أنّها "أكاذيب".

ويقول لـTRT عربي، إنّ "الذخائر التي تمتلكها كوريا الشمالية قديمة صُنّعت قبل أكثر من 50 عاماً، وربما تشتري روسيا بعض الذخائر التي يمكن استخدامها لصواريخ (غراد) أو (كاتيوشا)، لكن لا أعتقد أنّ كوريا تستطيع أن تزود الجيش الروسي بالعدد الكافي من الذخائر، وعلى العكس يدور الحديث على تزويد روسيا لكيم جونغ إن بالأسلحة المعاصرة والتكنولوجيا والطاقة والمواد الغذائية، هذا أهم شيء بالنسبة لكوريا الشمالية".

ويرى مورتازين أنّ "هذه الزيارة لن تغير موازين القوى في الجبهة الأوكرانية، السلاح الموجود لدى لكوريا الشمالية تقليدي ومحدود، والذخائر تصرف بأعداد كبيرة في الجبهة وروسيا تعتمد على نفسها في إنتاج الصواريخ والذخائر".

رسائل إلى الخصوم.. "معاً ضد الإمبريالية"

على المائدة المشتركة شرب القائدان "نخب الصداقة الروسية والكورية" و"نضال الكرملين المقدس" ضدّ "الإمبريالية والقوى المهيمنة"، إشارةً إلى الغرب.

ويرى محللون أنّ موسكو وجهت رسالة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عبر هذه القمة بأنّها مستعدة للتحالف والاستفادة من "الدول الصديقة" مثل كوريا الشمالية رغم الأزمة التي تثيرها الأخيرة حول برنامجها النووي، والتي كانت روسيا أيضاً حذرة منه. لكن الآن ترى موسكو فرصة في الحصول على الأسلحة والذخائر التي تمتلكها بيونغ يانغ منذ عقود، والتي يمكن الاستفادة منها.

ويوضح أندريه أنتيكوف، الباحث الروسي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أنّ "استمرار التقارب بين روسيا ودول مثل الصين وكوريا الشمالية لا يرتبط فقط بالأزمة الأوكرانية، بل بتأكيد بناء تحالفات متينة في وجه التهديدات الأمريكية".

ويقول لـTRT عربي، إنّ "الأزمة في أوكرانيا ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وبعد ذلك كل الاهتمام الأمريكي سينتقل من أوكرانيا إلى مواجهة ضدّ الصين، وفي هذا السياق فإن التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية وبين روسيا والصين يعني تعزيز المواقف للدول الثلاث، إذ لا تبقى الصين وحدها أمام تحديات صادرة من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ سيكون لها شركاء مثل روسيا وكوريا الشمالية وغيرها من الدول".

وأكدت الخارجية الأمريكية، عقب الزيارة، أنّ واشنطن "لن تتردد" في فرض مزيدٍ من العقوبات على روسيا وكوريا الشمالية إذا أبرمتا أي صفقات أسلحة جديدة.

وأصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر هذا التحذير في مؤتمر صحفي، وقال: "لقد اتخذنا بالفعل عدداً من الإجراءات لفرض عقوبات على الكيانات التي توسطت في مبيعات الأسلحة بين كوريا الشمالية وروسيا ولن نتردد في فرض إجراءات إضافية إذا كان ذلك مناسباً".

وفي هذا السياق يُعلّق الخبير السياسي، أندريه مورتازين، بأنّ "روسيا لا تهتم بالتحذيرات الأمريكية والعقوبات الاقتصادية المفروض من قبل الدول الغربية، وتسعى لتطوير العلاقات مع الدول الصديقة، وبالأهم مع الدول التي تريد أن تتعاون مع روسيا. وكوريا الشمالية كانت صديقة للاتحاد السوفييتي منذ تأسيسها، وكان أول دولة في العالم تعترف بجمهورية كوريا الشمالية".

ويضيف أنّ "الدول الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة- فرضت أكثر من 10 آلاف عقوبة على روسيا، هذا أكثر مما كان لجميع العقوبات المفروضة على أي دولة أخرى. الهدف كان خنق الاقتصاد الروسي والعمل من أجل انهياره، ولا أظن أنّ ضغوطات إضافية ستؤثر على الصفقات مع كوريا الشمالية".

بينما يلفت الخبير في القضايا الجيوسياسية، العميد خليل الحلو، إلى أنّ التقرب من كوريا الشمالية هو تحذير للغرب، وفي حال نشوب أزمة أو صراع بين كوريا الشمالية والغرب، موسكو ستكون بشكل واضح إلى جانب كوريا الشمالية ولن تأخذ طرفاً محايداً.

ويشير إلى أنّ كوريا الشمالية موجودة في منطقة متأزمة وهي منطقة الشرق الأقصى التي تشهد بالأصل وتيرة متزايدة من التوتر بين الصين والولايات المتحدة، وإذا شُجعت كوريا الشمالية على زيادة توتر الأجواء ستفعل ذلك من دون تردد، مثل إطلاق الصواريخ. مؤكداً أنّ أي ردود فعل غربية لن تردع تطور العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، حسب الحلو.

TRT عربي