وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قمة مبادرة الشرق الأوسط الخضراء بالعاصمة السعودية الرياض (Bandar Al-Jaloud/AFP)
تابعنا

أطلق وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مجموعة من مبادرات المناخ تقدَّر قيمتها بنحو 10.4 مليار دولار، وتساهم السعودية بـ15% منها.

ويبدو أنّ الدافع الرسمي المعلن من المبادرات وسياسات المملكة المستجدة هو مواكبة الاتجاه العالمي لمكافحة تغير المناخ العالمي، والحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتطوير مصادر بديلة للطاقة.

ويشير مراقبون إلى أنّه في ضوء وجود ملفات عدّة تحول دون قبول الرئيس الأمريكي جو بايدن لقاء بن سلمان، فإنّ التحرّك والتوجّه السعودي المغاير يمكن فهمه في إطار محاولة الأمير السعودي الشاب كسب ودّ رجل البيت الأبيض الديمقراطي.

"السعودية الخضراء"

أعلن بن سلمان في كلمته خلال إطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر في الرياض الاثنين، تأسيس مركز إقليمي للإنذار المبكّر بالعواصف في المنطقة، إضافة إلى تأسيس مركز إقليمي للتنمية المستدامة للثورة السمكيّة، ومركز إقليمي لاستمطار السحب، ومنصة تعاون لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، ومؤسّسة المبادرة الخضراء غير الربحية لدعم أعمال القمة مستقبلاً.

وتجمع قمّة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر قادة ومسؤولين بارزين من المنطقة والعالم بهدف تعزيز التعاون وتوحيد الجهود نحو تنفيذ الالتزامات البيئية المشتركة.

وفي مارس/آذار من العام الجاري، أعلنت المملكة عن مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" لتحسين جودة الحياة من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتحييد الآثار الناتجة عن النفط وحماية البيئة.

يُشار إلى أنّ مبادرتَي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" تستهدفان زراعة 50 مليار شجرة في المنطقة، زُرع منها بالفعل 10 ملايين، وتخفيض الانبعاثات الكربونية بأكثر من 10 بالمئة من الإسهامات العالمية، والقضاء تماماً على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2060، ووقف انتشار الصحراء من خلال توسيع المساحات الخضراء بمقدار 541 كيلومتراً مربعاً، وإنشاء محطات طاقة نظيفة بديلة للطاقة الأحفورية، حسب ما ورد بموقع المبادرة.

دوافع خفية وراء المبادرة السعودية؟

أثار توجّه الرياض المتهافت ووتيرة المبادرات السعودية غير المسبوقة نحو انتهاج وتطبيق سياسات الاقتصاد الأخضر والتحوّل نحو الطاقة النظيفة، لا سيما بعد وصول الأمر إلى دعوة وليّ العهد السعودي رؤساء دول وشركات متعددة الجنسيات ومؤسسات مالية وخبراء من جميع أنحاء العالم إلى قمّة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر في المملكة، تساؤل مراقبين حول ما وراء هذا "السعي المستجد المتسارع".

ويبدو أنّ الدافع الرسمي المعلن هو مواكبة الاتجاه العالمي لمكافحة تغير المناخ العالمي، والحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتطوير مصادر بديلة للطاقة.

غير أنّ توقيت المبادرة السابق للمؤتمر السادس والعشرين للأطراف "COP26" في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ "UNFCCC" الذي سيُعقَد بين 31 أكتوبر/تشرين الأول و12 نوفمبر/تشرين الثاني في غلاسكو بالمملكة المتحدة، يشير إلى دوافع أخرى كامنة لم تخرج للعلن.

ويرى مراقبون أنّه في ضوء وجود ملفات عدّة تحول دون قبول الرئيس الأمريكي جو بايدن لقاء بن سلمان، فإنّ التحرّك والتوجّه السعودي المغاير يمكن فهمه في إطار محاولة الأمير السعودي كسب ود رجل البيت الأبيض واحتواء حالة السخط الأمريكية قُبَيل قمّة المناخ العالمية.

وعلى حد وصف الكاتب الإسرائيلي تسفي بار إيل في مقاله المنشور بصحيفة "هآرتس" العبرية، فإنه "إذا كانت البيئة والحدّ من تلوُّث الهواء والقضاء على انبعاثات الغازات السامة من هوايات الرئيس الأمريكي، فعلى بن سلمان اللعب والتفوُّق في نفس الملعب".

ويشكّك بار إيل في نية الرجل القوي بالمملكة حول إطلاق مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر"، وقال إن "وليّ العهد قد يحلم بشبه الجزيرة العربية الخضراء، لكن يبدو أن إصلاح علاقته مع بايدن يأتي على رأس أولوياته".

توترات متجددة بين واشنطن والرياض

لا يمكن النظر إلى العلاقات السعودية-الأمريكية خلال الأعوام الأخيرة بلا ملاحظة لنمط من التوترات المتلاحقة بين البلدين، وظهرت التوترات في بعض الأحيان جليةً لا يمكن تجاهلها، منذرة بخلاف حادّ بين واشنطن وأحد أهمّ حلفائها الاستراتيجيين بالمنطقة.

وبعد رحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عن البيت الأبيض، باتت تصريحات بايدن تعكس قدراً أكبر من الشكّ وعدم الارتياح تجاه الأمير السعودي الشاب.

ويأتي على رأس الملفات التي تثير حفيظة بايدن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصيلة بلاده بمدينة إسطنبول التركية، الذي اتهم عديد من الجهات والمؤسسات الدولية السلطات السعودية بالتورّط فيه.

ويضاف إلى ذلك تصريحات الرئيس الأمريكي الحادة الأسبوع الماضي، التي قال خلالها إنّ "أسعار النفط تتوقف على الإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية"، محمّلاً إياها مسؤولية الارتفاع الحادّ في أسعار النفط مؤخراً، متابعاً: "في الشرق الأوسط كثير من الأشخاص يرغبون في التحدث معي، لكنّي لست متأكداً أنني سأتحدث معهم"، في إشارة على ما يبدو إلى وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان.

يأتي ذلك وسط عديد من الأزمات المتلاحقة بين الحليفين التقليديين، بدءاً من إقرار الكونغرس الأمريكي قانون "جاستا" عام 2016، الذي فتح الباب لمساءلة مسؤولين سعوديين حول مزاعم بحقّ مشاركتهم في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، مروراً بتوقيع المملكة اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا في أغسطس/آب الماضي، وانتهاءً بإلغاء وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن زيارته للرياض ضمن جولته الخليجية الشهر الماضي، ثم انتشار صور أقمار صناعية تؤكّد إزالة الولايات المتحدة دفاعها الصاروخي وبطاريات باتريوت خلال الأشهر القليلة الماضية.

TRT عربي