تابعنا
أكد برنامج الأغذية العالمي في بيانه الصادر الشهر الجاري أن أكثر من 18 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد يحتاجون إلى مساعدة، من بينهم 4.9 مليون يواجهون مستويات شديدة من الجوع، ويقفون على بُعد خطوة واحدة من المجاعة.

بعد مرور عام على بداية الصراع في السودان، حذَّرت وكالات إغاثة عالمية من اتجاه البلاد نحو "مجاعة كبيرة"، إذ أشار رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان جاستن برادي، إلى احتمالية حدوث "موت جماعي" لعشرات أو حتى مئات الآلاف في الأشهر المقبلة بسبب سوء التغذية.

وحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في بيان له في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان الجاري من أن "استمرار هذه الحرب قد تنتج عنه أكبر أزمة جوع في العالم"، وقال مدير البرنامج في السودان إيدي رو: "نخشى أن نشهد مستويات غير مسبوقة من الجوع وسوء التغذية في موسم الجفاف"، في إشارة إلى أشهُر الزراعة في الموسم المقبل.

كما تخشي منظمة الصحة العالمية من تعرض مناطق النزاع في السودان لمجاعة "كارثية" في العام الحالي بين شهري أبريل/نيسان ويوليو/تموز، وهي الفترة بين موسمَي الحصاد التي تنفد فيها الحبوب من المحصول السابق وترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير.

"سلة الغذاء" تواجه انعدام الغذاء

وأكد برنامج الأغذية العالمي في بيانه الصادر الشهر الجاري أن أكثر من 18 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد يحتاجون إلى مساعدة، من بينهم 4.9 مليون يواجهون مستويات شديدة من الجوع، ويقفون على بُعد خطوة واحدة من المجاعة.

كان القطاع الزراعي للسودان، الذي يُعرف بـ"سلة الغذاء"، يوظّف 53% من القوى العاملة، وفي 2019 كان يمّثل 21.8% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن بعد عام من الصراع المستمر، تدهور القطاع الزراعي بشكل كبير، إذ انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 46% في مارس/آذار الماضي، مقارنةً بالشهر ذاته من العام السابق، حسب بيانات الأمم المتحدة.

وأشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن حركة المواد الغذائية في جميع أنحاء البلاد، خصوصاً المناطق النائية قُيدت بشدة بسبب الحرب، ما تسبب في دفع أكثر من 37% من السكان إلى مستويات أعلى من الجوع، وذكر برنامج الأغذية العالمي أن "أقل من 5% من السودانيين يستطيعون في الوقت الراهن توفير وجبة كاملة لأنفسهم".

وبدورها تتوقع شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حدوث "جوع كارثي" في ولايتي الخرطوم وغرب دارفور، اللتين شهدتا صراعاً عنيفاً إلى جانب مناطق كثيرة أخرى في دارفور نزح إليها الملايين من الأشخاص.

فجوة غذائية واضحة

ومع دخول الحرب عامها الثاني يرى الإعلامي السوداني المهتم بمجال العمل الإنساني، فتح الرحمن الفكي، أن الوضع أصبح أكثر تعقيداً لا سيما مع اتساع رقعة الصراع لتشمل مناطق واسعة خصوصاً في ولاية الجزيرة التي يأتي منها أغلب الإنتاج الزراعي بالبلاد.

ويقول الفكي لـTRT عربي، إن ما زاد الوضع تعقيداً أيضاً نزوح أعداد كبيرة من المزارعين وتركهم مزارعهم وقراهم بسبب الحرب، مشيراً إلى أنه "حتى من تمسك منهم بالأرض، سُرق محصوله من القمح بقوة السلاح في وقت حصاده".

ويعتقد أن سبب تلك الفجوة الغذائية الواضحة يعود إلى قلة إنتاج القمح في السودان هذا العام، "لأن أي إنتاج يتطلب توفر الأمن الذي فُقِد بعدد من الولايات السودانية بسبب الحرب".

ويشير الإعلامي السوداني إلى إقرار السلطات الحكومية في السودان بأن هناك فجوة بين إنتاج واستهلاك الذرة والدَّخَن الذي يعتمد عليه ملايين السودانيين في غذائهم تُقدّر بمليون ونصف المليون طن، رغم تقليلها من التحذيرات الأممية من احتمال حدوث مجاعة غير مسبوقة في السودان.

ولسد هذا النقص المحتمل في الغذاء يرى الفكي أن الأمر يتطلب تفعيل الجهات ذات الصلة في السودان لآليات استيراد هذه المحاصيل، أو اللجوء لمخزونها الاستراتيجي كما كانت تفعل عند حدوث فجوات غذائية قبل الحرب، إلى جانب إيلاء أهمية كبرى للعمل الجاد لاستقبال المساعدات الغذائية والإنسانية المباشرة لـ"حفظ الأمن الغذائي للنازحين الذين فقدوا كل شيء بسبب الحرب بما فيها القدرة على توفير الغذاء لأطفالهم".

ومن أجل تقديم المساعدات للسودان، أطلقت الأمم المتحدة حملة إنسانية طلبت فيها 2.7 مليار دولار للغذاء والرعاية الصحية وغيرها من الإمدادات، لكن لم يقدم الممولون إلا رقماً ضئيلاً قدَّره المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو الأسبوع الماضي بـ5% من المبلغ المطلوب، واصفاً الاستجابة الدولية حتى الآن بأنها "مؤسفة"، وفق وكالة رويترز.

الأطفال هم الأكثر تضرراً

تتوقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن يعاني هذا العام نحو 4 ملايين طفل دون سن الخامسة سوء التغذية بما في ذلك 730 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد الشديد الذي يهدد حياتهم.

وقال رئيس مكتب الأمم المتحدة في السودان جوستين برادي، إن "الحرب قاسية بشكل خاص على الأطفال، ومن دون مساعدة عاجلة قد يموت أكثر من 200 ألف طفل بسبب الجوع في الأسابيع والأشهر المقبلة".

بدورها حذَّرت مؤسسة إنقاذ الطفل (Save The Children) من أن نحو 230 ألف طفل وامرأة حامل وأمهات حديثات الولادة يمكن أن يموتوا بسبب سوء التغذية خلال الفترة المقبلة.

ويحدث في السودان حالياً أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، إذ أُجبر أكثر من 4 ملايين طفل على ترك منازلهم منذ أبريل/نيسان العام الماضي بمن فيهم نحو مليون طفل عبروا إلى البلدان المجاورة، ووفقاً للأمم المتحدة فإن ما يقرب من نصف إجمالي النازحين هم من الأطفال دون سن 18 عاماً.

وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود في فبراير/شباط الماضي وفاة طفل كل ساعتين في معسكر زمزم للنازحين شمال دارفور، غربي السودان، نتيجة سوء التغذية، داعيةً إلى ضرورة الاستجابة الإنسانية على نطاق واسع.

ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن 25 مليون شخص، من بينهم نحو 14 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

من جانبها حذّرت «يونيسف» من أن أكثر من 7000 أُم جديدة "قد تواجه الموت إذا ظلت احتياجاتها الغذائية والصحية من دون تلبية".

نتاج عام من الصراع

منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شبه العسكرية، قبل عام، قُتل أكثر من 14 ألفاً و700 شخص، وأُصيب أكثر من 30 ألفاً آخرين، حسب لجنة الإنقاذ الدولية.

كما تسببت الحرب في واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، حيث نزح أكثر من 8.5 مليون شخص من منازلهم، إذ يضطر ما يقرب من 20 ألف شخص إلى الفرار من منازلهم يومياً، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.

وحسب تقرير للمنظمة فإن عدد النازحين يمثل 16% من إجمالي سكان السودان المقدَّر بـ49 مليون نسمة، منهم أكثر من 6.6 مليون نزحوا داخل السودان، وما يقدَّر بنحو مليوني لاجئ فرّوا إلى البلدان المجاورة، خصوصاً إلى تشاد (36%)، وجنوب السودان (31%)، ومصر (25%).

أبرز المجاعات في تاريخ السودان

وقالت منظمة العمل ضد الجوع إن "الصراعات هي المحرك الرئيسي للجوع في جميع أنحاء العالم". وآخر مرة أُعلنت فيها المجاعة رسمياً في جنوب السودان كانت عام 2017، إذ واجه ما يقرب من 80 ألف شخص المجاعة، وكان مليون آخر على مقربة منها بعد ثلاث سنوات من الحرب.

وقبلها تسببت الحرب التي كانت مشتعلة في الجنوب عام 1998 في نقص حاد في الغذاء نتج عنه مقتل عشرات الآلاف من السكان، وكانت منطقة بحر الغزال التي أصبحت لاحقاً جزءاً من دولة الجنوب هي أكثر المناطق تضرراً، حيث مات فيها أكثر من 70 ألف شخص.

كما تسببت الكوارث الطبيعية في مجاعة سابقة في السودان، إذ ضربت موجة سيول وفيضانات أجزاءً واسعة من السودان في 1988، وغمرت المياه مساحات زراعية واسعة وعطلت الإنتاج في معظم أنحاء البلاد، مما نتج عنه أزمة غذائية حادة.

وكذلك في عام 1985 شهد السودان واحدة من كبرى الكوارث الغذائية في العالم نتجت عنها خسائر بشرية ضخمة، تزامناً مع أسوأ موجة جفاف ضربت بلدان شرق إفريقيا.

هناك أيضاً مجاعة "سنة 6" التي سُميت بذلك لوقوعها في عام 1306 هجرية، الموافق لعام 1888، وتعود أسبابها إلى انشغال معظم المزارعين بالأعمال القتالية، إضافةً إلى حدوث موجة جفاف كبيرة شملت تأثيراتها نواحي البلاد كافة، مما أدى إلى حصد أرواح مئات الآلاف من السكان والماشية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً