إلى أين يتجه اقتتال السودان؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

لم يشفع دخول العشر الأواخر من رمضان، ولا اقتراب عيد الفطر، للسودان من الدخول في دوامة عنف جديدة. هذه المرة بين الجيش النظامي للبلاد وقوات الدعم السريع، التي كانت حتى أمد قريب منضوية تحته، إذ تطور النزاع على السلطة بين الفئتين بشكل متسارع خلال الأسبوع الأخير، واندلعت المواجهات المسلحة بينهما يوم السبت.

بعد ثلاثة أيام من الاقتتال المتمركز في مناطق معظمها سكني، على رأسها العاصمة الخرطوم، زادت حصيلة الضحايا المدنيين لتبلغ 97 قتيلاً و942 جريحاً، حسب بيان نقابة الأطباء المحلية. فيما يرجح جمال علي، الصحفي المختص في الشؤون السودانية، في حديث لـTRT عربي، أن هذا الرقم يمكن أن يكون أقل بكثير مما هو على الواقع، راجعاً احتماله إلى الكثافة السكانية العالية في المناطق التي تدور فيها المعارك، وللأسلحة الثقيلة المستخدمة فيها.

على الأرض، من الصعب تَبيُّن أيّ المتحاربين لديه التفوق الميداني، وهو ما يُجمِع عليه صحفيون ومحللون سودانيون، في وقت تستمر فيه الاشتباكات في عدة مناطق من العاصمة الخرطوم، خصوصاً في محيط المقرات العسكرية وعلى مقربة من القصر الرئاسي، وبالقرب من سجن كوبر ومطار الخرطوم الدولي.

إلى أين يتجه القتال في السودان؟

يزيد تعقيدَ مشهد الاقتتال الأهلي السوداني تضاربُ البيانات الصادرة عن طرفيه، إذ كانت قوات الدعم السريع أعلنت في وقت سابق، سيطرتها على عدة مناطق حيوية من العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، كمقرّ القيادة العامة للجيش السوداني، ومباني القوات الرئيسية البرية والجوية، ومقرّ إقامة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ومقر الناطق السابق باسم المجلس العسكري شمس الدين الكباشي، إضافة إلى القاعدة الجوية بمروي.

وهو ما نفاه الجيش السوداني، متهماً الدعم السريع بـ"بث كثير من الأكاذيب لتضليل الرأي العامّ". كما أفادت القيادة العامة للجيش يوم الاثنين بأن ما وصفته بـ"معركة الكرامة الوطنية" شارف على نهايته، داعية أفراد الدعم السريع وضباطه، الجرحى منهم على الخصوص، إلى تسليم أنفسهم لأقرب وحدة عسكرية "حفاظاً على أرواحهم وأنفسهم ومستقبلهم".

في المقابل، لا بوادر لأي تهدئة قريبة أو وقف إطلاق النار، مع تَشبُّث الطرفين بالقتال إلى آخر مدى. وهو ما أكده المبعوث الدولي إلى السودان فولكر بيرتس، في آخر تصريحاته التي نقلتها وكالة رويترز، من أنه "لا يمكننا تقدير من له الغلبة في القتال، والوضع غير واضح على الأرض"، غير أن "الطرفين المتقاتلين لا يعطيان انطباعاً بأنهما يريدان وساطة من أجل سلام بينهما على الفور".

وهي نفس النتيجة التي خلص إليها الصحفي والمحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ في حديث لـTRT عربي، قائلاً: "المعطيات علي الأرض تقول إن صوت الرصاص هو الأعلى، وترجيح مرحلة الحسم العسكري للصراع هو السائد فعلياً".

من جانبه، يرجع الصحفي السوداني عثمان عبد الحليم التشبث بالقتال إلى عزم الجيش على كسر شوكة الدعم السريع تماماً، ويقول في تصريحاته لـTRT عربي: "يبدو أن الجيش مصرّ على مواصلة العملية العسكرية حتي تدمير الدعم السريع تماماً، لأنه كان يتحيّن الفرصة لذلك لخطورة المجموعة على الدولة باعتبارها قنبلة موقوتة كانت ستنفجر عاجلاً أم آجلاً".

يُذكر أنه في بيان آخر يوم الاثنين، أعلن القائد العامّ للجيش رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قراره حلّ قوات الدعم السريع وإعلانها قوة متمردة على الدولة، وأن "التعامل معها سيجري على هذا الأساس".

جهود دولية لوقف الاقتتال؟

مع هذا، أكّد مبعوث الأمم المتحدة للسودان فولكر بيرتس، أن المنظمة الأممية ستواصل بذل جهودها لوقف القتال للأغراض الإنسانية، و"إذا نجح ذلك فسنسعى لوقف أكثر تنظيماً لإطلاق النار"، وفق ما نقلته وكالة رويترز من تصريحات المبعوث.

هذه الجهود الأممية تُضاف إلى جهود الاتحاد الإفريقي في نفس الهدف. وفي يوم الأحد عقد مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد، اجتماعاً طارئاً بشأن "التطورات السياسية والأمنية الباعثة للقلق" في السودان. دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد إلى الحوار ووقف إطلاق النار فوراً وحماية المدنيين والسلام في السودان.

وأعلن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد، أنه سيتوجه "فوراً" إلى السودان "للتحدث مع الطرفين بشأن وقف إطلاق النار". لكن أُجّلَت هذه الزيارة لإغلاق حركة الطيران بالأجواء السودانية.

من جانبهما، طرحت مصر ودولة جنوب السودان مبادرة مشتركة للوساطة للتهدئة بين الأطراف المتحاربة السودانية. وخلال اتصال هاتفي جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره جنوب السوداني سلفاكير الأحد، أعربا عن استعداد البلدين لـ"الوساطة بين الأطراف السودانية"، منوّهَين بأن "تصاعد العنف لن يؤدي إلا إلى مزيد من تدهور الوضع، بما قد يخرج به عن السيطرة"، وفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أحمد فهمي.

غير أن هذه الجهود تبدو في هذا الوقت أبعد ما تكون عن تحقيق أهدافها، إذ حسمت السلطات السودانية موقفها من أيّ تدخل أجنبي للبحث عن حلّ للأزمة، وهو ما أعربت عنه خارجية البلاد في بيان لها الاثنين، بالقول إن السودان يقدّر "جهود الدول العربية والإفريقية والمجتمع الدولي الرامية إلى المساعدة في تهدئة الأوضاع، لكن هذا الأمر شأن داخلي ينبغي أن يُترك للسودانيين لإنجاز التسوية المطلوبة بينهم بعيداً عن التدخلات الدولية".

ويقرأ المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ في قرار خارجية بلاده، أنه يتمحور حول شقين: "الأول أن الرأي الرسمي لحكومة السودان يميل إلى الأمر الواقع حالياً بقيادة البرهان، القائل إن المواجهات علي المستوي العسكري انتهت وحُسمت، وبالتالي لا معني لأي حديث عن وقف إطلاق النار".

أما في الشق الثاني فيضيف المحلل السياسي أنه "مرتبط بالجانب السياسي المستقبلي، بمعنى أن الحكومة السودانية لا ترغب في أي دور إقليمي أو دولي في ترتيبات العملية السياسية المستقبلية، ولعل مردّ هذا الأمر مرتبط بانتقادات واتهامات وُجّهَت إلى رئيس البعثة الأممية بالسودان، السيد فولكر، بمساندة الأطراف المدنية".

من ناحيته، يرى المحلل السياسي التشادي والمختصّ بالشؤون الإفريقية الدكتور إسماعيل محمد طاهر، أن هذه المبادرات الدولية لن يكون لها في الوقت الحالي تأثير كبير في الأوضاع، ورجع ذلك في حديثه لـTRT عربي، إلى أن "الأطراف السودانية كثيرة، وبعضها يرى أن بعض هذه الدول غير محايد".

ويضيف المحلل السياسي التشادي أنه "أيضا لدى بعض المبادرين نوع من المنافسة على تَسلُّم الملفّ، وبالأمس صرّح بعض المراقبين المصريين بأن المبادرة القادمة من الاتحاد الإفريقي هي بدفع من إثيوبيا لتحجيم الدور المصري، وعليه فإن جميع هذه المبادرات، مع أهمّيتها، لن تكون ذات جدوى"، ناهيك بأن "الوضع القتالي والاحتقان الذي وصل إليه الجيش والدعم السريع حالياً يشير إلى أن الطرفين ينويان استخدام القوة المفرطة لحسم الأمر".

داخلياً...

وفق ما أفاد به مراسل TRT عربي في الخرطوم طارق التيجيني، ظهرت مبادرات من قوى سياسية سودانية عديدة لكنها لم تنجح في نزع فتيل الأزمة. كما كشف أن من أبرز هذه المبادرات تلك التي أطلقها حزب الأمة القومي السوداني، إذ أجرى رئيسه فضل الله برمة ناصر، اتصالات مع الأطراف المتصارعة، ودعا مجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى التدخل السريع لوقف الحرب في السودان.

من جانبها قالت قوى الحرية والتغيير في بيان، إنها دعت قيادتي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى "تحكيم صوت الحكمة ووقف المواجهات العسكرية فوراً والعودة إلى طاولات التفاوض"، لافتةً إلى أن "القضايا العالقة لا يمكن حلّها حرباً، والخيار الأفضل للبلاد هو معالجتها سلماً عبر الحلول السياسية".

غير أن هذه التحركات كلها، حسب الصحفية السودانية إيمان كمال، "لا ترقى إلى أن تمثل وساطة". وأضافت الصحفية في حديثها لـTRT عربي: "في تقديري لن تكون لجهود الوساطة أي نجاعة في فكّ الأزمة، بخاصة بعد التصعيد العسكري وإعلان قائد القوات المسلحة حلّ قوات الدعم السريع واعتبارها حركة متمردة".

وهو ما خلص إليه أيضاً المحلّل السياسي ماهر أبو الجوخ، قائلاً: "حتي اللحظة يقتصر دور الجهات المدنية على المناداة بوقف الحرب ومساعي الوصول إلى هدنة، لكنها فعلياً لا تمتلك أي أدوات ضغط فعلية على الأرض لإجبار أي من الطرفين على التزام وقف إطلاق النار أو الوصول إلى هدنة (...)، فكارْت الضغط الأقوى لدي الهيئات المدنية هو الحركة الجماهيرية، وفي ظل الموجهات العسكرية فإن المطالبة بتنظيم أي فاعليات جماهيرية في حال حدوثها يعني تعريض حياة المشاركين للخطر".

مع هذا، يرى أيو الجوخ أنه "رغم انحسار دور القوى المدنية في كبح جماح الصراع المسلح عند اندلاعه، سيكون لديها تأثيرات أساسية في مسألة تضميد الآثار الناتجة عنه. وأعتقد أن بيان الجيش الصادر فجر 17 أبريل/نيسان، ولغته المتسامحة والبعيدة من العدائية تجاه المنسوبين إلى الدعم السريع، هو فعليا نتاج ارتفاع الأصوات الداعية إلى وقف الحرب والتي كبحت جماح الأصوات المتطرفة المحرضة على الحرب".

نفس الخلاصة يؤكّدها الصحفي عثمان عبد الحليم، إذ قال لـTRT عربي: "أعتقد أن المبادرات سوف يستجيب لها الجيش عقب ضمان تحييد قوات الدعم السريع وأسر أو قتل قياداته العليا".

TRT عربي