ارتفع منسوب المخاوف لدى كثير من السودانيين بعد التحذيرات الأممية المتتالية من احتمال الجوع الحاد لأكثر من ثلث السكان في السودان، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة التي يقع فيها أكبر مشروع مرويّ ذي إدارة واحدة في العالم.
وازدادت تحذيرات وكالات الأمم المتحدة وعدد من الخبراء داخل السودان من حدوث مجاعة وشيكة؛ وقال برنامج الغذاء العالمي في أحدث تقرير نشره الخميس 21 مارس/آذار الجاري إن انخفاض إنتاج المحاصيل وارتفاع أسعار السلع والخدمات هذا العام يُشكل خطراً كبيراً لانعدام الأمن لملايين الأشخاص في جميع أنحاء السودان.
"فجوة غذائية بسبب الحرب"
وحذّر مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، ممّا وصفها بالأزمة المروعة في السودان بسبب استمرار الحرب، وقال على منصة إكس في 16 مارس/آذار الجاري إن نصف سكان البلاد في حاجة إلى مساعدات إنسانية، في وقت يعاني فيه نحو 3.4 مليون طفل سوء التغذية.
وأوضح برنامج الأغذية العالمي في تقرير سابق بتاريخ 5 فبراير/شباط الماضي، أن ما يقرب من 18 مليون سوداني يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، فيما يعاني 5 ملايين منهم الجوع، مشيراً إلى حاجة 25 مليون شخص إلى المساعدات، وهو عدد يفوق نصف السكان تقريباً.
وأشار مارتن غريفيث، منسق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، إلى أن من أسباب الجوع هو شدة تأثير الصراع في الإنتاج الزراعي في السودان.
وفي المقابل، شكّك وزير الزراعة والغابات السوداني أبو بكر البشرى، في صدقية تلك التقارير التي رجّحت حدوث مجاعة في السودان.
ويقول البشرى لـTRT عربي إن الأمر ليس خطيراً، وأُقرَّ بحدوث فجوة لكنها ليست كبيرة، حسب تقرير أعدته الحكومة السودانية بتمويل من منظمة الزراعة والأغذية العالمية (فاو) يوضح أن الإنتاج من الذرة والدَّخَن لهذا العام بلغ نحو 4 ملايين طن، فيما يحتاج السودان لنحو 5.5 مليون طن، أي إن الفجوة في حدود 1.5 مليون طن.
ويضيف وزير الزراعة السوداني أنهم يستطيعون سدّ الفجوة في إنتاج القمح بالاستيراد، مشيراً إلى أن "نقص الغذاء ليس نتيجة لنقص الإنتاجية فقط، ولكن لصعوبة إيصاله إلى السكان الموجودين في مناطق تحت سيطرة قوات الدعم السريع".
اجتياح المشروع يفاقم الفجوة الغذائية
يعد مشروع الجزيرة الذي يقع وسط السودان في السهل الطيني الممتد بين النيلين الأزرق والأبيض من منطقة سنار إلى جنوب الخرطوم عاصمة السودان، من الركائز الأساسية للاقتصاد والأمن الغذائي في السودان منذ إنشائه عام 1925، لما ينتجه من محاصيل مهمة تسهم بشكل كبير في توفير قوت السودانيين.
ولكنّ هذا المشروع تأثر كثيراً بالحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، ويربط كثير من المراقبين والخبراء الزراعيين بين أزمة الغذاء في السودان ووصول الحرب إلى مشروع الجزيرة.
ويقول عمر مرزوق، مدير مشروع الجزيرة إبان فترة الحرب حتى فبراير/شباط الماضي، إن هناك إمكانية لاتساع الفجوة الزراعية لأن مساحة مشروع الجزيرة هي 2.2 مليون فدان، وكانت تعتمد عليه كل البلاد.
ويوضح مرزوق في حديثه مع TRT عربي أنه "لا أحد يستطيع الذهاب إلى الزراعة الآن ولا توجد إدارة لتنظيم العمل، في ظل اجتياح قوات الدعم السريع للمشروع".
واتهم مرزوق قوات الدعم السريع بـ"إفشال الموسم الزراعي ونهب المحاصيل من المزارعين وتدمير البنية التحتية للمشروع"، قائلاً إنه رغم التحضير فإن الموسم الشتوي مهدَّد بكارثة ستنتج عنها مجاعة كبيرة.
ويضيف: "حذّرنا من حدوث مجاعة لأنه في ظل الوضع الحالي يصعب على المزارعين مزاولة أعمالهم الزراعية أو حتى الذهاب بحصادهم خشية أن يُنهب مثل المحاصيل".
وهَجَر آلاف المزارعين في مشروع الجزيرة مزارعهم ونزحوا بسبب الحرب التي امتدت إلى مناطقهم بالولاية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، ما أثّر كثيراً في الموسم الزراعي وأدى إلى تقلص المساحات المزروعة وتوقف التمويل البنكي.
كما أدى عدم توفر الأمن وتأخر وصول المدخلات الزراعية من تقاوٍ وأسمدة وغيرها من المواد اللازمة، إلى تراجع الإنتاجية في مشروع الجزيرة.
وفي هذا الصدد، يوضح وزير الزراعة السوداني أبو بكر البشرى، أن أثر الحرب في مشروع الجزيرة كان كبيراً من ناحية البنية التحتية، ومن ناحية الموسم الزراعي كذلك.
ويشير البشرى إلى أن قوات الدعم السريع "احتلت مكاتب المشروع وإدارته في منطقة بركات، واستحال الدخول إليها ونُهبت الأجهزة الإلكترونية وعدد كبير من السيارات والجرارات والمخازن".
كما تأثر بشكل كبير بنك الموارد الجينية وشُرد المفتشون الزراعيون ومفتشو الري ونُهبت عرباتهم، وهم الذين يقومون بالدور الإرشادي والتوعوي ومتابعة المحصول، حسب وزير الزراعة السوداني.
ويردف: "الحرب باغتتنا في الموسم الصيفي، وكذلك نستعد للموسم الشتوي في مشروع الجزيرة، وكنا نعوّل كثيراً على زراعة القمح في الموسم الشتوي بخطة زراعة 350 ألف فدان من القمح، ولكن نتيجة للحرب لم تكتمل الزراعة، وما زُرع حتى الآن نحو 220 ألف فدان فقط".
انتقال مزارعين إلى مراكز إيواء النازحين
في المقابل يوضح خبير الاقتصاد الزراعي عمار بشير، أنه ليس هناك خوف على الأمن الغذائي من فشل الموسم الزراعي في مشروع كبير مثل مشروع الجزيرة الذي يعد عماد الإنتاج الزراعي ويسهم في توافر الغذاء في الدولة.
ويلفت بشير في حديثه مع TRT عربي إلى الخوف على المدى القريب من نزوح واسع للمزارعين، وهذا ما حدث، لأن أي منطقة ليس فيها أمان وتوفير لمدخلات الإنتاج لن يكون فيها عمل.
وعن إمكانية حدوث المجاعة يقول إن "الأمم المتحدة سبق لها أن حذرت من مجاعة في سبتمبر/أيلول 2022، ولم يحدث شيء من ذلك"، مضيفاً: "لن تكون هناك مجاعة في السودان".
من ناحية أخرى، ازدادت المخاوف في السودان من انهيار كلّي لمشروع الجزيرة الذي يشير بعض التقارير إلى أنه يؤوي أكثر من 3.5 مليون نسمة يقيمون فيه بشكل مستقر ويُشكل مصدر الدخل الرئيسي لأكثر من 140 ألف مزارع، بسبب معاناة المزارعين صعوبات كبيرة قبل الحرب في الري والتمويل، الأمر الذي سبّب خسائر ضخمة أسفرت عن مشكلات اقتصادية واجتماعية شكّلت تهديداً للأمن الغذائي في السودان.
ويقول المزارع محمد أحمد طه إن الحرب تسبّبت في فشل الزراعة بمشروع الجزيرة بتأثيرها المباشر في العمليات الزراعية ونزوح أغلب المزارعين والموظفين إلى المناطق الآمنة بعد الاعتداءات التي وصفها بـ"الممنهجة" من قوات الدعم السريع لـ"تشريد المزارعين واستبدال آخرين بهم من الحواضن الاجتماعية الموالية لهم".
ويضيف طه لـTRT عربي أن مَن بقي من المزارعين يتعرضون لـ"انتهاكات متتالية وسرقة آلياتهم ومحاصيلهم الزراعية ومدخراتهم الشحيحة مع إجبار أبنائهم على الالتحاق والتجنيد في قوات الدعم السريع"، وإزاء هذا الأمر نزح المزارعون وهجَر كثير منهم مزارعهم الخضراء إلى مراكز الإيواء في المدن والولايات الآمنة.
ووفقاً للأمم المتحدة، خلَّفت الحرب الدائرة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو عام منتصف أبريل/نيسان 2023، نحو 13 ألفاً و900 قتيل، وما يزيد على 8 ملايين نازح ولاجئ، وشكَّلت الحرب تهديداً جدياً للأمن الغذائي في السودان خصوصاً بعد أن امتدت إلى مشروع الجزيرة.