آفة العنف والتعصب لدى المشجعين الألمان. / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

حملات تشويه غير مسبوقة على صعيد بطولات كأس العالم تعرضت لها قطر قبل وخلال تنظيمها لبطولة كأس العالم 2022، ولعل أبرزها التصريحات الألمانية الرسمية من جهة، وبعض تصرفات لاعبي الفريق الألماني من جهة أخرى.

وتعيد تلك الهجمات والتصرفات إلى الأذهان الكثير من الصور والمواقف التي اشتهرت بها ألمانيا ومشجعوها وفريقها ووسائل إعلامها، والتي وُصفت بالعنصرية، بخاصة في ما يتعلق بكرة القدم.

فإلى جانب تكميم لاعبي المنتخب الألماني أفواههم بأيديهم في أثناء التقاط الصورة التذكارية للمباراة التي خسروها أمام اليابان الأربعاء الماضي، في إشارة لعدم احترامهم قرار الاتحاد الدولي "فيفا" لمنع قادة المنتخبات من وضع "الشارة الملونة" الداعمة للمثلية، سخر لاعب المنتخب الألماني السابق لكرة القدم ساندرو فاغنر، الأحد، من الزي القطري التقليدي الذي ارتداه المشجعون في المدرجات، وهو ما اعتبر إهانة بحق القطريين والخليجيين عموماً.

وأظهرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر دعمها لمنتخب بلادها، عندما حضرت مباراة المنتخب الألماني أمام اليابان مرتدية شارة المثلية الملونة.

وجلست الوزيرة الألمانية في المقصورة الرئيسية، حيث كبار الحضور بينهم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القديم "فيفا" جياني إنفانتينو الذي أكد حظر هذه الراية في المباريات، وفرض عقوبات على اللاعبين في حالة ارتدائها.

وعلى الصعيد السياسي، اتهم وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ألمانيا "بازدواجية المعايير" بسبب انتقاداتها المزعومة لما قالت إنه "سجل حقوق الإنسان للبلد المضيف لنهائيات كأس العالم لكرة القدم"، ودافع في مقابلة نُشرت الاثنين، عن استدعاء الدوحة السفير الألماني للاحتجاج. وتابع قائلاً: "من المفارقات أن يتم اللعب على هذا الوتر في دول أوروبية تسمي نفسها ديمقراطيات ليبرالية. وبصراحة، ينم هذا التصرف عن غطرسة وعنصرية".

ازدواجية معايير فاضحة

وحسب وكالة رويترز، قال الوزير القطري في مقابلة مع صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية: "من ناحية، يجري تضليل الشعب الألماني من قبل السياسيين الحكوميين. ومن الناحية الأخرى، ليست لدى الحكومة (الألمانية) مشكلة معنا عندما يتعلق الأمر بشراكات أو استثمارات في مجال الطاقة".

وأضاف آل ثاني: "نحن مستاؤون من ازدواجية المعايير"، مشيراً إلى أن قطر واجهت حملة ممنهجة ضدها على مدى 12 عاماً منذ اختيارها لاستضافة كأس العالم، ووصف النداءات الألمانية المطالبة بضمانات أمنية للأقليات بأنها غير ضرورية، وقال إن على السياسيين الألمان التركيز أكثر على جرائم الكراهية التي تحدث داخل حدود بلادهم.

وعلى الرغم من قيادتها لأعتى حملات التشوية التي تستهدف قطر، فإن ذلك لم يمنع برلين من "استجداء" قطر طوال الأشهر الماضية وعبر الزيارات المكوكية إلى الدوحة للمساعدة في تحريرها واقتصادها من قبضة الغاز الروسي. يذكر أن وزير الطاقة القطري قد أعلن الثلاثاء عن إبرام بلاده أولى صفقاتها الكبرى لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا.

في هذا السياق ذكرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في تقرير بأن الشركات الألمانية وقعت مؤخراً اتفاقاً مدته 15 عاماً لشراء مليوني طن من الغاز المسال من قطر، "مرسلة إشارات متضاربة تجاه قطر، فمن جهة تنتقدها بسبب ما تزعم أنه "حقوق الإنسان"، ومن ناحية أخرى تسعى إلى الحصول على إمدادات الطاقة منها".

وأوضحت الصحيفة هذا التضارب مشيرة إلى أنه في حين كانت ألمانيا واحدة من أكثر الدول "انتقاداً لقطر في بطولة كأس العالم بسبب منع مظاهر المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسياً، فإن وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، أشاد في الوقت نفسه بالتوصل إلى اتفاق مدته 15 عاماً مع قطر لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى بلاده".

وأضاف هابيك، الذي يشغل أيضاً منصب عضو حزب الخضر، للصحفيين خلال فعالية في ألمانيا اليوم: "15 عاماً أمر رائع.. لم أكن لأعارض عقوداً مدتها 20 عاماً أو أطول".

كرة القدم.. تاريخ من العنصرية الألمانية

وعند الحديث عن ازدواجية المعايير الألمانية فلا يصح أن لا نعرج على العنصرية وازدواجية المعايير الكروية التي يتعرض لها لاعبو المنتخب أو الفرق من أصول أجنبية. كان آخرها عندما ألغيت مباراة في دوري الدرجة الثالثة الألماني لكرة القدم بين فريقي دويسبورغ وأوسنابروك في أواخر عام 2019، وذلك بعدما وجه أحد المشجعين إساءة عنصرية إلى لاعب فريق أوسنابروك، آرون أوبوكو.

من جهتها، ذكرت صحيفة "بيلد" أن هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها إلغاء مباراة في كرة القدم الاحترافية بألمانيا بسبب العنصرية.

وعلى صعيد المنتخب الوطني، وبالرغم من مساهمته الكبيرة في تتويج المنتخب الألماني ببطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل، فإن اللاعب مسعود أوزيل ذا الأصول التركية لم يسلم من أن يكون عرضة للعنصرية في ألمانيا، ما دفعه إلى اعتزال اللعب دوليّاً بعد خروج المنتخب الألماني مبكراً من مونديال روسيا 2018. وكتب أوزيل واصفاً ازدواجية المعايير التي دفعته إلى تعليق قميصه الوطني: "أنا ألماني عندما نفوز، لكنني مهاجر عندما نخسر"، وذلك عقب موجة العنصرية التي أثارتها وسائل الإعلام الألمانية والمشجعون والسياسيون والاتحاد الوطني لكرة القدم.

وفي سياق متصل، كشف نجم توتنهام الإنجليزي والمنتخب الكوري الجنوبي سون هيونج- مين لأول مرة في يوليو/تموز الماضي أنه عانى من عنصرية الجمهور خلال اللعب في الدوري الألماني لكرة القدم بين عامي 2008 و2015، لكنه حقق ثأره بعد تسببه في إخراج المنتخب الألماني من الدور الأول لمونديال روسيا 2018.

تعصب رياضي وجمهور غاضب

كما هو الحال في بعض الدول الأوربية، تحولت ملاعب كرة القدم الألمانية لتصبح مسرحاً يتفجر بالعنصرية العلنية والفجة تجاه كل من اللاعبين أو المشجعين الأجانب.

وحسب تقرير لوكالة الأناضول، فإنه بسبب القلق من انتشار ظاهرة التعصب الرياضي بين جمهور الأندية الألمانية، اضطر اتحاد كرة القدم الألماني في سبتمبر/أيلول 2018 إلى تغيير مكان مباراة المنتخب الألماني والبيرو قبل أسبوعين من إقامتها، إذ جرى نقلها من مدينة فرانكفورت إلى مدينة سينسهايم ، خوفاً من تعصب جمهور المدينة الأولى.

وفي واقعة شبه متكررة، نقلت وكالة أسوشيتد برس في أكتوبر/تشرين الأول 2021 خبر استهداف مشجعين في ألمانيا لاعبي كرة قدم أجانب سود البشرة بإساءات عنصرية وألقوا عليهم أغراضاً وَجِعةً خلال مباراة بين فريقي هامبورغ إس في وفورتونا دوسلدورف انتهت بالتعادل.

TRT عربي