وتستند أهمية هذا التطور إلى تاريخ طويل من الاعتماد العسكري على قدرات الرصد المبكر، فبريطانيا، التي حافظت لقرون على تفوقها البحري، واجهت مع بدايات عصر الطيران تهديداً متصاعداً مع صعود القوة العسكرية الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي، ما دفعها إلى تطوير شبكة رادارية واسعة عُرفت باسم تشين هوم لرصد المقاتلات والقاذفات مبكراً وتوجيه الدفاعات الجوية بكفاءة.

 ولاحقاً شكّل اكتشاف المغنطرون الكهفي نقطة تحوّل عبر تصغير حجم الرادارات وإتاحة تركيبها على الطائرات، ما فتح الباب أمام عمليات ليلية وتكتيكية أكثر تطوراً.

وتتنوع منظومات الرادار اليوم بين وحدات ميليمترية للمركبات البرية وأنظمة إنذار مبكر لمتابعة الصواريخ الباليستية ورادارات فضائية مخصّصة للاستطلاع، مع اختلافات كبيرة في المدى والتكلفة والدور العملياتي.

ورغم محاولات عدة دول عربية وإسلامية دخول هذا المجال، ظل إنتاج الرادارات المتقدمة هدفاً عسيراً، إلى أن تمكنت شركة أسيلسان التركية عام 2011 من تحقيق اختراق مهم عبر تركيب أول رادار محلي الصنع، ألبير، على كورفيت هيبيلي آدا. 

ومنذ ذلك الحين وسّعت الشركة قدراتها بتطوير منظومات رادارية أرضية وبحرية بأحجام ومواصفات متعددة، ما شكل نقلة نوعية على مستوى الصناعة الدفاعية الإقليمية.

حجر الزاوية

كان رادار مراد A-100 المنتظر بمثابة حجر الزاوية لعدّة مشاريع تركية استراتيجية في المجال الجوي، إذ صُمِّم ليكون مكوِّناً أساسياً في مقاتلة الجيل الخامس قآن التي تطورها شركة توساش، كما يُعَدّ العمود الفقري لبرنامج تحديث طائرات F16 القديمة (بلوك 30 و40) المعروف باسم أوزغور، بهدف رفع قدراتها إلى مستوى مقاتلات الجيل 4.5.

دور هذا الرادار لا يقتصر على المنصات المأهولة فقط، فقد شكّل شرطاً أساسياً لفاعلية قزل إلما بوصفها أول طائرة دون طيار مُخصَّصة لمهمات القتال الجوي، ويمثّل إضافة نوعية لمنصات مثل بيرقدار أكينجي وأنكا-3 من حيث تعزيز قدرتهما على الاستطلاع والهجوم والقصف الأرضي بدقّة أعلى.

انطلقت أعمال تطوير الرادار في عام 2020، وظهرت لأول مرة أمام الجمهور في معرض إسطنبول الجوي عام 2022، لكن الاختبارات الجوية على منصة فعلية تأخّرت لسنواتٍ قليلة.

أول تجربة

سُجِّل أول تحليق تجريبي ناجح في مارس/آذار 2025 على متن طائرة بيرقدار أكينجي، حيث أثبت الرادار قدرته على تتبّع أهداف أرضية متعددة في آن واحد.

ثم جرت تجربة مهمة أخرى في أكتوبر/تشرين الأول 2025 على المقاتلة التركية المسيرة بيرقدار قزل إلما، فخلال التجربة نجحت الطائرة في تعقّب أهداف جوية متعددة بمدى وصل إلى 160 ميلاً بحرياً (أكثر من 250 كيلومتراً) وبزاوية تغطية تُقارب 140 درجة، ما يمكّن المنصة من استخدام النسخة المتقدمة من الصواريخ جو-جو الموجّهة رادارياً، جوكدوجان.

وكشفت شركة أسيلسان التركية عن المواصفات التقنية الأساسية للرادار بأنّه نظام يعمل بتقنية المصفوفة الممسوحة إلكترونياً النشطة (AESA)، ويعتمد في وحدات الإرسال والاستقبال على أشباه الموصلات من غاليوم-نترات (GaN).

 تُعَدّ هذه التقنية من أحدث ما توصلت إليه صناعة الرادارات، وتستخدم اليوم في رادارات مقاتلات الجيلين الرابع المطوّر والجيل الخامس لدى القوى الكبرى، لما توفره من كفاءة طيفية أعلى، وقدرة بثّ أكبر، وكثافة طاقة تسمح بمديات أداء أفضل وحماية إلكترونية متقدّمة.

مزايا متطورة

يعمل نظام MURAD 100-A المطور من قبل شركة أسيلسان التركية كرادار تحكم بالنيران متعدد الوظائف، مزوّد بتقنية مصفوفة المسح الإلكتروني النشطة (AESA).

ويتيح الرادار إدارة اشتباكات جو–جو وجو–أرض في آنٍ واحد، كما يُوفّر بفضل قدرته على توجيه الصواريخ خارج مدى الرؤية البصرية (BVR) تأثيراً مغيراً لقواعد اللعبة في الحروب الجوية الحديثة.

ويقدّم الرادار أداء متميزاً في الكشف والتتبع بفضل نطاقه الترددي الواسع وقدرته على توجيه الحزم إلكترونياً في محورَي السمت والارتفاع.

وبفضل التقنيات المتقدمة، يعزّز MURAD 100-A قدرات إدماج المستشعرات لدى مسيرة قزل إلما، رافعاً الوعي الميداني إلى أقصى المستويات في المهام الجوية ضد الأهداف في الجو أو على الأرض.

ويفتح الرادار آفاق مرحلة جديدة في منظومة المقاتلات الوطنية التركية، من خلال حلول محلية في مجالَي الحرب الإلكترونية وتقنيات الرادار.

أهمية التقنية 

يعتمد الرادار على إرسال موجات كهرومغناطيسية واستقبالها عبر وحدة إرسال/استقبال وهوائي، لتحديد موقع الهدف وقياس مسافته وسرعته باستخدام ظاهرة دوبلر- وهي نفس الفكرة الفيزيائية التي تعمل بها أجهزة الموجات فوق الصوتية، لكن بترددات وكفاءات مختلفة تناسب التطبيقات الرادارية.

في الأنظمة التي تُحرّك فيها الهوائيات ميكانيكياً لليمين واليسار أو بشكل دائري يتبدّى نقص جوهري: كلما ابتعد الهوائي عن اتجاه هدف معيّن اختفت رؤيته لحظياً، وهذه الفجوات الزمنية قد تكون فاصلة بين نجاة الهدف أو فقدانه في بيئة قتالية معاصرة سريعة الحركة.

لمعالجة هذا القصور طوِّرت مصفوفات طورية (Phased Array) تسمح بتوجيه الحزمة الرادارية إلكترونياً من دون حركة ميكانيكية. ثم تطوَّر المفهوم بإضافة موديولات إرسال/استقبال مستقلة لكل عنصر في المصفوفة، ما يتيح إرسال عشرات إلى مئات نبضات بترددات واتجاهات مختلفة في الوقت نفسه. 

هذا التعدد يحسّن بشكل ملحوظ قدرات الكشف والتتبع، ويزيد مقاومة النظام للتشويش، ويخفض احتمالات عطل شامل لأن الفشل يتجزأ على موديولات كثيرة بدل الاعتماد على عنصر مفرد.

يُعَدّ عدد موديولات الإرسال/الاستقبال مؤشراً أساسياً على قوة وكفاءة الرادار، فرادار مراد A-100 الجديد يعتمد على نحو 1152 موديولاً، وهو رقم يُقارَن بأعداد الموديولات في رادارات متقدمة مثل APG-79 المستخدم على طائرة إف 18 سوبر هورنت الأمريكية مع فارق تقني جوهري لصالح مراد A-100 بسبب اعتماده على أشباه موصلات غاليوم-نيتريد (GaN) مقابل غاليوم-أرسنيد (GaAs) في الأجيال الأقدم، ما يمنحه كثافة قدرة أعلى وكفاءة طيفية أفضل.

يحمل مراد A-100 عدد موديولات مقارباً لما في الرادارات APG-80 وAPG-81 وKLJ-10A المستخدمة على طائرات إف 16 بلوك-60 وإف-35.

ويتفوق من حيث مساحة الهوائي وعدد الموديولات على رادارات مثل RBE-AA2 المستخدم في رافال F3، وZhuk-AE (ميغ-35) وSELEX ES-05 (جريبن E).

لكنه يبقى أقل من أنظمة ضخمة مثل Captor-E (تايفون تراش 3) وAPG-82/APG-83 (الإصدارات المطوّرة من إف-15)، فضلاً عن كون قدراته لا تزال دون مستوى رادارات مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية والصينية الأحدث.

ستُصنَّع نسخٌ من هذا الرادار بأحجام ومواصفات متعدّدة لتناسب أحجام أنوف الطائرات المختلفة، ما يسهّل إدماجه على منصات جوية متنوعة. 

إذا نُفِّذ برنامج تحديث إف-16 بلوك 30/40 (أوزغور) كما هو مخطّط، وأدمج رادار مراد A-100 على قآن (مقاتلة الجيل الخامس المحلية) ودخولهما حيز الخدمة جنباً إلى جنب مع صاروخ الجو-جو جوخان، فسوف يشكّل ذلك نقلة نوعية في قدرة القوات الجوية التركية، إلى حد جعْلها من بين الأقوى في أوروبا من حيث الشبكات الرادارية والتكامل التسليحي.