ويزداد التوتر على الجبهة الجنوبية يوماً بعد يوم، مع الغارات الإسرائيلية شبه اليومية وارتفاع وتيرة التحذيرات الغربية من انهيار الهدنة، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان لبنان مقبلاً على حرب جديدة شبيهة بتلك التي شهدها صيف 2006.
وبعد مرور أحد عشر شهراً على الاتفاق الهش لوقف إطلاق النار بين تل أبيب و"حزب الله"، الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لم تتوقف الاستهدافات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، بل تصاعدت في الأسابيع الأخيرة لتشمل مواقع في العمق الجنوبي، وسط صمت دولي نسبي.
ويتوازى التصعيد الميداني مع تصعيد سياسي إسرائيلي حادّ، إذ أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً أن تل أبيب "لا تحتاج إذناً من أحد لضرب أهداف في غزة أو لبنان"، مضيفاً أن بلاده "لن تتسامح مع أي هجوم يستهدفها".
ويحذّر محللون لبنانيون من أن هذا الخطاب يعكس تحولاً في العقيدة الإسرائيلية تجاه الجبهة الشمالية، حيث بات الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع الساحة اللبنانية باعتبارها امتداداً مباشراً لجبهته في غزة، بينما يرى آخرون أن استمرار الانتهاكات من دون ردّ محسوب قد يدفع "حزب الله" إلى ردّ عسكري محدود يعيد خلط الأوراق على جانبي الحدود.
ضغوط أمريكية
قال الكاتب والمحلل السياسي منير الربيع في تصريح لوكالة الأناضول إنّ احتمال اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و"حزب الله" وارد ولا يمكن إنكاره، لكنه "غير قابل للقياس بنسبة مئوية محددة"، مشيراً إلى أنّ لبنان يواجه في المرحلة الراهنة ضغوطاً أمريكية متزايدة، تُترجم على شكل حرب نفسية هدفها التهديد والردع.
وأضاف أن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب "تحمل رسائل سياسية أكثر منها عسكرية، بعدما استنفدت تل أبيب بنك أهدافها الفعلية"، داعياً الحكومة اللبنانية إلى توسيع تحرّكها الدبلوماسي لتجنّب أي مواجهة محتملة، ومحمّلاً واشنطن مسؤولية كبح التصعيد الإسرائيلي.
وفي السياق نفسه، صعّد المبعوث الأمريكي توماس باراك من لهجته تجاه بيروت، محذراً من أن تردّد الحكومة اللبنانية في حصر السلاح بيد الدولة قد يدفع إسرائيل إلى التحرك منفردة لتنفيذ هذه المهمة.
من جهته، قال نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، في مقابلة بثّها تليفزيون المنار الأحد، إنّ الحزب لا يملك قراراً ببدء الحرب ضد إسرائيل، لكنه "سيقاتل حتى الرمق الأخير إذا فُرضت عليه المعركة"، مؤكداً أنّ الحزب "جاهز للدفاع وليس للمبادرة إلى الهجوم".
وتزامن هذا التوتر مع تحركات دبلوماسية أمريكية مكثفة، إذ وصلت الموفدة الأمريكية مروغان أورتاغوس إلى تل أبيب الأحد في زيارة استمرت يومين، أجرت خلالها جولة ميدانية على الحدود اللبنانية، قبل أن تتوجّه إلى بيروت الثلاثاء للمشاركة الأربعاء في اجتماع اللجنة المكلّفة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
احتمال واقعي
من جانبه، قال المحلل العسكري العميد المتقاعد هشام جابر في تصريح لوكالة الأناضول، إنّ احتمال اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و"حزب الله" يبقى قائماً وواقعياً، وإن لم تظهر بعد مؤشرات حاسمة على قرب وقوعها.
وأوضح جابر أن التهويل الإعلامي والسياسي الجاري يدخل ضمن إطار الحرب النفسية التي تسبق عادة أي مواجهة عسكرية، معتبراً أن التصعيد الحالي لن يصل إلى مستوى استهداف المرافق الحيوية، كالمطار أو محطات الكهرباء، لكنه قد يتطور إلى عمليات محدودة ودقيقة تستهدف مواقع مختارة بعد توجيه تحذيرات مسبقة.
وأضاف أن إسرائيل استنفدت معظم بنك أهدافها العسكرية في لبنان، وأصبحت تلجأ إلى قصف أي موقع تشتبه بوجود عناصر لحزب الله فيه، في محاولة لإيصال رسائل سياسية أكثر من كونها عمليات ذات قيمة عسكرية فعلية.
ولمواجهة هذا الوضع، دعا جابر إلى تحرك دبلوماسي لبناني نشط ومواكب للتطورات الميدانية، مشدداً على أن الاكتفاء بالوساطات الدولية أو الرسائل غير المباشرة لا يكفي في ظلّ اتساع دائرة المخاطر الإقليمية.
وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي طوني بولس أن المؤشرات الميدانية والدبلوماسية مجتمعة توحي بأن الحرب وشيكة، موضحاً أن جهات رسمية لبنانية أُبلغت عبر قنوات غربية –لم يسمّها– بأن إسرائيل أنهت استعداداتها العسكرية لتنفيذ عمليات تستهدف حزب الله.
وأشار بولس إلى أن تكثيف الطلعات الجوية الإسرائيلية للطائرات المسيّرة فوق الأجواء اللبنانية يهدف إلى تحديث بنك المعلومات ورصد مواقع جديدة للحزب، في حين أن تحليق الطائرات فوق القصر الجمهوري ومقرّ الحكومة يحمل –بحسبه– رسائل سياسية مباشرة إلى الدولة اللبنانية.
وحول سيناريو الحرب المحتملة، قال بولس إن إسرائيل تلوّح هذه المرة بتوسيع نطاق الحرب لتشمل البنى التحتية الرسمية، وليس فقط مواقع تابعة لحزب الله، كما حدث في المواجهات السابقة، محذراً من أن لبنان قد يواجه خطراً وجودياً إذا امتدّت العمليات العسكرية لتطول مؤسسات الدولة.
وبحسب بولس، فإن "رئاسة الجمهورية طرحت فكرة مفاوضات قد تساهم في تجنّب الحرب، لكن الانقسام الداخلي حول طبيعة هذه المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة يعقّد الموقف".
وعن موقف الولايات المتحدة والدول الغربية، قال بولس، إنها "غير مقتنعة بقدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ أي اتفاق وقف إطلاق نار جديد، سواء فيما يتعلق بسحب سلاح حزب الله، أو بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، ما يجعل الموقف اللبناني أكثر هشاشة في مواجهة التهديدات المقبلة".
ويقود باراك مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل، فقد زار البلد العربي عدة مرات قدم خلالها مبادرة لحكومة بيروت في 19 يونيو/حزيران الماضي، تنص على أن تكون جميع الأسلحة تحت إشراف الدولة اللبنانية فقط كهدف أولي.
وقتلت إسرائيل أكثر من 4 آلاف شخص، وأصابت نحو 17 ألفاً آخرين، خلال عدوانها على لبنان الذي بدأته في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أن تحوله في سبتمبر/أيلول 2024 إلى حرب شاملة.
كما عمدت إلى خرق اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من 4500 مرة، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، فضلاً عن احتلالها 5 تلال لبنانية، سيطرت عليها في الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق أخرى تحتلها منذ عقود.











