احتفال وعرض عسكري حضره يمينيون متطرفون من صربيا والاتحاد الأوروبي بشكل يخالف قرار المحكمة الدستورية في دولة البوسنة والهرسك (AA)
تابعنا

في ظل التصعيدات الأخيرة لصرب البوسنة القوميين ضد المسلمين في دولة البوسنة والهرسك التي تقطنها قوميات وطوائف دينية عديدة، وبينما يلوّح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على مسؤولين في جمهورية صرب البوسنة بسبب خطاباتهم الانفصالية والاستفزازية، ما زل الصرب القوميون ينادون بإقامة دولة "صربيا الكبرى" أو يوغسلافيا (البلد الذي يجمع العرق السلافي في كيان واحد).

ومن شأن تنامي هذا الفكر القومي المتطرف المدعوم من روسيا واليمين المتطرف داخل الاتحاد الأوروبي أن يفجر الوضع في منطقة البلقان ويكون سبباً في اشتعال نزاع مسلح عنيف مشابه للذي حصل بين عامَي 1992 و1995، والذي بلغ ذروته في يوليو/تموز 1995 خلال الإبادة الجماعية في سربرنيتسا.

والأصوات التي تطالب بتوحيد العالم الصربي الآن، هي نفسها التي تستند إلى خلفيات سياسية كانت وما زالت تنادي بإقامة دولة "صربيا الكبرى" وتوحيد البلاد التي انفصلت بعد تفكك يوغوسلافيا، والتي كانت المحرك الأساسي خلف الحروب والمجازر التي ارتكبها الصرب في التسعينيات وأودت بحياة أكثر من 120 ألف شخص.

في هذا التقرير نستعرض الاستفزازات الأخيرة وربطها بمشروع "صربيا الكبرى" الذي سنتطرق إلى أبرز محطاته التاريخية ونقف على الأسباب التي أدت إلى ظهوره وتفككه خلال القرن المنصرم.

آخر الاستفزازات "من أجل الصليب"

في يوم 9 يناير/كانون الثاني الجاري، وبشكل مخالف لقرار المحكمة الدستورية في دولة البوسنة والهرسك، احتفل صرب البوسنة في عرض عسكري حضره يمينيون متطرفون من صربيا والاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان برفقة السفير الروسي، بيوم جمهورية صرب البوسنة "صربسكا"، الذي يصادف تاريخ تأسيس "صربسكا" في السنة الأولى لحرب البوسنة عام 1992.

وشارك في العرض العسكري عناصر من شرطة جمهورية صرب البوسنة والوحدات الخاصة مرتدين زيهم الموحد الذي يشبه إلى حد كبير زي الوحدات شبه العسكرية الصربية التي ارتكبت كثيراً من الجرائم خلال حرب البوسنة بين عامي 1992 و1995. ليس ذلك وحسب، بل كانوا يهتفون في أثناء سيرهم أمام المنصة: "من أجل الصليب، من أجل الصليب".

فيما يرى المراقبون أن العرض العسكري كان أكثر من مجرد استعراض، فقد كان بمثابة إعلان حرب ضد مسلمي البوسنة وربما مسلمي غرب البلقان جميعاً، خصوصاً أن ميلوراد دوديك، الرجل الأقوى في جمهورية صرب البوسنة، يهدّد منذ شهور بالانشقاق عن جمهورية البوسنة والهرسك، وهو ما يصبّ في مصلحة القوميين الصرب الذين ينادون بإعادة إحياء مشروع "صربيا الكبرى".

مشروع إنشاء "صربيا الكبرى"

منذ دخول أراضيهم تحت مظلة الحكم العثماني عام 1459، وبقائهم حتى مطلع القرن التاسع عشر مشتتين بين الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية، راود الشعوب السلافية المكونة من السلوفيين والكروات والبشناق والصرب والبلغار والمونتنغريين فكرة إنشاء كيان كبير يضمهم ويوحدهم ضد الغزو الخارجي.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، وانتصار الصرب في حربهم ضد الدولة العثمانية، أعاد الصرب في عام 1918 إحياء مشروع "صربيا الكبرى" وأنشؤوا يوغسلافيا التي كانت بمثابة مشروع قومي تاريخي يسعى لتوحيد الصرب في مملكة واحدة تعود جذورها الأولى إلى العصور الوسطى.

وتحقيقاً لهذا الهدف القومي، أسس الصرب دولة يوغسلافيا عام 1918 بمساعدة روسية، وأصروا على بقائها تحت هيمنتهم المطلقة سواء في يوغسلافيا الملكية التي عُرفت باسم "مملكة الصرب والكروات والسلوفيين" بين عامَي 1918 و1941 أو يوغسلافيا الاتحادية الاشتراكية التي استمرت منذ عام 1945 حتى 1992.

أسباب فشل مشروع صربيا الكبرى

وقف عديد من الأسباب وراء انهيار مشروع "صربيا الكبرى" التي ظهرت لأول مرة عام 1918، لعل من أهمها تكونها من أعراق وديانات ومذاهب مختلفة حاول الصرب الهيمنة عليهم في مملكتهم الأولى بحجة انتمائهم إلى العرق السلافي في مملكتهم الأولى التي انهارت عام 1941، ومجدداً من خلال استغلال الفكر الاشتراكي في يوغسلافيا الاتحادية الاشتراكية التي انهارت عقب تفكك الاتحاد السوفييتي بعام واحد.

وما إن تفككت يوغسلافيا الاتحادية عام 1992 حتى شبت الحرب في البوسنة والهرسك، وكانت عدة أسباب وراء الانهيار الأخير، أهمها ضعف النظام الكونفيدرالي الذي كان يعمل به، وفقد الحزب الشيوعي القومي رابطة شيوعيي يوغسلافيا قوته الآيديولوجية، بالإضافة إلى نهوض القومية العرقية التي ازدادت حدتها في الثمانينيات بعد اندلاع العنف في كوسوفو.

وبينما كان القوميون الصرب ينادون بمركزية الحكم داخل يوغسلافيا، كانت القوميات الأخرى داخل يوغسلافيا تتطلع إلى الفيدرالية واللا مركزية وحتى الانفصال وإقامة دول مستقلة عن صربيا.

ففي البداية أعلن كل من سلوفينيا وكرواتيا انفصالها عن يوغسلافيا أواخر يونيو/حزيران 1991، وتبعتهما جمهورية مقدونيا التي أعلنت الاستقلال في سبتمبر/أيلول من نفس العام، وبعدها جمهورية البوسنة في 29 شباط/فبراير 1992، وهو ما تسبب في حرب محدودة في سلوفينيا وحرب طاحنة في كرواتيا، فضلاً عن الحرب الكارثية في البوسنة التي استمرت 3 سنوات. واستمر التفكك بإعلان الجبل الأسود استقلالها عام 2006، وانتهى حلم يوغسلافيا الفيدرالية نهائياً عقب إعلان كوسوفو استقلالها عام 2008.

TRT عربي