وأشارت التقارير إلى وجود نقاشات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حول قانونية بعض أساليب القتال، وهو ما يتناقض مع الموقف العلني للحكومة الإسرائيلية التي دافعت بشدة عن عملياتها العسكرية في القطاع.
وقال اثنان من المسؤولين إن هذه المعلومات لم تُتداوَل على نطاق واسع داخل الإدارة الأمريكية إلا في أواخر فترة الرئيس السابق جو بايدن، إذ وُزعت على عدد أوسع من المسؤولين قُبيل جلسة إحاطة في الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأعرب عدد من المسؤولين الأمريكيين عن قلقهم من فحوى تلك التقارير، بخاصة في ظلّ الارتفاع الكبير في أعداد القتلى المدنيين في غزة، وهو ما أثار مخاوف من احتمال تجاوز الجيش الإسرائيلي المعايير القانونية الدولية المتعلقة بنسبة "الأضرار الجانبية" المسموح بها في النزاعات المسلحة.
ورفض المسؤولون الأمريكيون الذين تحدثوا لـ"رويترز" الخوض في تفاصيل الأدلّة التي أثارت قلق المستشارين الإسرائيليين، مثل تحديد حوادث معيَّنة يُحتمل أن تشكل انتهاكات.
وأجرت الوكالة مقابلات مع تسعة مسؤولين خدموا في إدارة بايدن، ستة منهم مطّلعون مباشرة على المعلومات الاستخباراتية والنقاشات التي دارت داخل الحكومة.
جرائم حرب في غزة
ذكرت مصادر أمريكية أن معلومات استخباراتية أثارت جدلاً واسعاً داخل مجلس الأمن القومي الأمريكي، بعدما كشفت أن مستشارين قانونيين في الجيش الإسرائيلي حذروا من وجود أدلة قد تُستخدم لتوجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة بأسلحة أمريكية الصنع.
وبحسب خمسة مسؤولين أمريكيين سابقين تحدثوا لـ"رويترز"، أدت تلك المعلومات إلى عقد اجتماع بين الوكالات في مجلس الأمن القومي أواخر عام 2024، شارك فيه ممثلون عن وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون)، وأجهزة الاستخبارات، والبيت الأبيض. وناقش الاجتماع سبل التعامل مع النتائج الجديدة وما إذا كان ينبغي الرد عليها رسمياً.
وأوضحت المصادر أن الاعتراف الرسمي من جانب واشنطن بارتكاب إسرائيل جرائم حرب كان سيُلزمها قانونياً وقف شحنات الأسلحة وإنهاء التعاون الاستخباراتي مع تل أبيب، وفق القوانين الأمريكية الخاصة بالمساعدات العسكرية.
وأكد ثلاثة من المسؤولين أن النقاش داخل إدارة بايدن انتهى إلى رأي قانوني مفاده أنه لا أدلة مباشرة جمعتها الولايات المتحدة تثبت أن إسرائيل تعمدت استهداف المدنيين أو عرقلة دخول المساعدات الإنسانية، ما يعني أن استمرار الدعم العسكري والاستخباراتي لا يُعَدّ خرقاً للقانون الأمريكي.
إلا أن هذا الموقف أثار اعتراضات داخلية، إذ اعتبر بعض كبار المسؤولين أن تجاهل المؤشرات الواردة من داخل الجيش الإسرائيلي يُضعِف مصداقية واشنطن، وكان على إدارة بايدن اتخاذ موقف أكثر صرامة حيال الانتهاكات الإسرائيلية المزعومة.
ووفقاً للمصادر، تَلقَّى الرئيس دونالد ترمب وفريقه إحاطة من إدارة بايدن حول تلك المعلومات الاستخباراتية خلال مرحلة الانتقال الرئاسي، لكن الإدارة الجديدة لم تُبدِ اهتماماً يُذكَر بالملفّ بعد تسلمها السلطة في يناير/كانون الثاني 2025، ومالت إلى دعم أقوى للموقف الإسرائيلي في الحرب على غزة.
تحذيرات لبلينكن
كشف خمسة مسؤولين أمريكيين سابقين أن مخاوف بشأن السلوك العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة طُرحت داخل وزارة الخارجية الأمريكية قبل أشهر من حصول واشنطن على معلومات استخباراتية من داخل الجيش الإسرائيلي تشير إلى احتمال وقوع جرائم حرب.
ووفقاً للمسؤولين الذين تحدثوا لوكالة "رويترز"، فإن عدداً من المحامين في وزارة الخارجية، وهي الجهة المسؤولة عن التقييمات القانونية للسلوك العسكري للدول الأجنبية، أعربوا مراراً لوزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن عن قلقهم من أن العمليات الإسرائيلية في غزة قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب.
وقال اثنان من المسؤولين إن محامين من المكتب القانوني في الوزارة أبلغوا بلينكن في اجتماعات عُقدت مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، أنهم يعتقدون أن تصرفات الجيش الإسرائيلي "ترجّح انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، وربما تصل إلى حد جرائم الحرب".
لكن تلك المداولات، بحسب المصادر، لم تُفضِ إلى موقف رسمي حاسم داخل الوزارة، إذ امتنع المكتب القانوني عن إصدار تقييم قاطع يثبت ارتكاب إسرائيل انتهاكات، وهو ما اعتبره بعض الدبلوماسيين تراجعاً عن موقف أكثر صرامة كان مطروحاً في البداية.
وقال أحد المسؤولين السابقين إن بعض المحامين شعر بأن دوره اقتصر على "توفير مبررات لقرارات سياسية مسبقة"، مضيفاً: "حتى عندما كانت الأدلة تشير بوضوح إلى وقوع جرائم حرب، كان النقاش يدور حول إثبات التعمد لتجنب أي مواجهة سياسية مع إسرائيل".
وانعكس هذا التردد، بحسب "رويترز"، في التقرير الذي أصدرته إدارة بايدن في مايو/أيار 2024، والذي أقرّ بأن إسرائيل ربما انتهكت القانون الإنساني الدولي باستخدام أسلحة أمريكية خلال حربها في غزة، لكنه لم يقدم تقييماً نهائياً بسبب "ضبابية الوقائع" على الأرض.
وفي تعليق على ما ورد في تقرير "رويترز"، قال متحدث باسم بلينكن إن إدارة بايدن "كانت تراجع باستمرار مدى التزام إسرائيل قوانين النزاع المسلح، وكذلك متطلبات القوانين الأمريكية ذات الصلة".
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب على غزة.
وبحسب مصادر مطلعة، ناقش مسؤولون أمريكيون في الأسابيع الأخيرة من إدارة الرئيس جو بايدن ما إذا كانت واشنطن قد تُعتبر متواطئة في حال وُجهت اتهامات رسمية إلى مسؤولين إسرائيليين أمام المحكمة الدولية.
ورغم دفاع الإدارة الأمريكية العلني عن إسرائيل، كشفت التقارير أن نقاشات داخلية جرت سرّاً حول تبعات هذه الاتهامات، التي تحولت إلى عبء سياسي على الحزب الديمقراطي، في وقت خاض فيه بايدن ونائبته كامالا هاريس حملتين رئاسيتين انتهتا بالفشل.



















