وقالت الشركة، في بيان، إن مهمتها في غزة "كانت مؤقتة"، مشيرة إلى "اختتام عملياتها الطارئة" في القطاع.
وقال المدير التنفيذي للمؤسسة، جون أكري، في بيان من تل أبيب: "منذ البداية، كان هدف المؤسسة هو تلبية حاجة ملحّة.. ومع إنشاء مركز التنسيق المدني-العسكري (CMCC) وتنشيط انخراط المجتمع الإنساني الدولي، ترى المؤسسة أن هذه اللحظة قد حانت الآن".
وأوضحت أنها مارست أنشطتها في "أربعة مواقع توزيع" عمل بها "أفراد سابقون بالخدمة الأمريكية (العسكرية)، ومحترفون بالمجال الإنساني، وعمال محليون من غزة".
وبعيداً عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، أقدمت تل أبيب في 27 مايو/أيار الماضي على تطبيق آلية لتوزيع المساعدات بواسطة "مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية" التي أطلق عليها الفلسطينيون اسم "مصايد الموت"، وهي جهة مدعومة إسرائيلياً وأمريكياً، ومرفوضة أممياً.
وفي منشور على منصة إكس، توجه نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تومي بيجوت بالشكر إلى مؤسسة غزة الإنسانية، قائلاً إن المنظمة أطلعت الولايات المتحدة وشركاءها على دروس قيّمة مستفادة من عملها.
والسبت الماضي، أفادت هيئة البث الرسمية بتجميد المؤسسة أنشطتها في غزة خلال الأيام الأخيرة نتيجة "وقف إطلاق النار ودخول مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات".
ونقلت الهيئة عن مصادر لم تسمها، أن المؤسسة لم تشغل مراكز توزيع المساعدات التابعة لها منذ وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي 12 أكتوبر الماضي، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بتوقف مراكز التوزيع الأربعة التابعة للمؤسسة قائلة إن ذلك "يعني أن المشروع فشل وانتهى".
عدد ضحايا المؤسسة
وخلال الأشهر التي نشطت فيها "مؤسسة غزة الإنسانية" داخل القطاع، تحوّلت مواقعها سريعاً إلى فخاخ قاتلة استُهدف فيها الفلسطينيون برصاص الجيش الإسرائيلي وهم يحاولون الحصول على الطعام.
فقد شكّل عدد الضحايا الذين سقطوا في محيط هذه المراكز نحو ثلث إجمالي الفلسطينيين الذين استشهدوا في أثناء بحثهم عن المساعدات.
وحسب تحقيق أعدّته منظمة "ذا نيو هيومانتاريان"، فإن إجمالي ضحايا هجمات الاحتلال الإسرائيلي على طالبي المساعدات حتى مطلع سبتمبر/أيلول بلغ ما لا يقل عن 2957 شهيداً، إضافة إلى ما لا يقل عن 19866 جريحاً، وفق توثيقات المنظمة وبيانات وزارة الصحة في غزة.
كما تشير الأمم المتحدة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 859 فلسطينياً خلال محاولتهم الوصول إلى المساعدات عند مواقع "مؤسسة غزة الإنسانية" بين 27 مايو/أيار و31 يوليو/تموز 2025.
وتؤكد "ذا نيو هيومانتاريان" أن هذه الهجمات ليست أحداثاً فردية أو استثناءات، بل هي نمط ممنهج يعكس تصعيداً في استخدام أسلوب قاتل أصبح جزءاً أصيلاً من الاستراتيجية الإسرائيلية، أسلوب أسهم في تسريع المجاعة، وفي جعل قتل الساعين إلى الغذاء أمراً اعتيادياً، وفي حرمان الفلسطينيين من مقومات الحياة الأساسية داخل غزة.
وقال الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة، إن "مؤسسة G.H.F الأمريكية للمساعدات الإنسانية كانت في مقدمة الجهات المتورطة في جريمة الإغاثة الإنسانية"، مشيراً إلى أن عمليات توزيع المساعدات التي أشرفت عليها "تحولت إلى مصايد قتل جماعي، يُستهدف فيها الفلسطينيون بالرصاص، وتُسحق فيها الأجساد تحت عجلات الشاحنات والدبابات".
وأضاف البرش أن ما حدث هو "قتل للجياع تحت لافتة ’خدمة الإنسان‘، في مشهد يجسد أبشع أشكال الاستغلال والاعتداء على كرامة المدنيين".
دعوات للملاحقة
أعلنت حركة حماس أن قرار "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) إنهاء عملها داخل قطاع غزة يمثل "خطوة مستحقّة" لمؤسسة تقول الحركة إنها كانت "منخرطة في مشروع الإبادة وهندسة التجويع بالشراكة مع الاحتلال الإسرائيلي".
وقالت الحركة، في بيان صدر اليوم الاثنين، إن المؤسسة "كانت منذ دخولها القطاع جزءاً من المنظومة الأمنية الإسرائيلية"، معتبرة أن آليات التوزيع التي اعتمدتها "افتقرت إلى أبسط المعايير الإنسانية" وخلقت "ظروفاً خطرة ومهينة للفلسطينيين الساعين للحصول على الطعام".
وأضاف البيان أن هذه الآليات "أدت إلى استشهاد وإصابة الآلاف نتيجة عمليات القنص والقتل المتعمد"، مشيراً إلى أن الأرقام "تكشف حجم التورط في ما وصفته الحركة بجريمة الإبادة".
ورأت حماس أن المؤسسة تمثل "نموذجاً لفشل الاحتلال وشركائه في فرض أمر واقع وفق معاييره"، معتبرة أن "كل مشروع يعمل مع الاحتلال وينفذ سياساته مصيره الانهيار، لأنه قائم على الظلم وإهانة كرامة الإنسان"، وفق تعبير البيان.
وطالبت الحركة المؤسسات القانونية والمحاكم الدولية بـ"ملاحقة المؤسسة والقائمين عليها، ومحاسبتهم على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين"، مؤكدة ضرورة ذلك "لمنع تكرار المأساة وحماية الإنسانية من الإرهاب الدولي المنظم".
تكرار السيناريو
كشفت وثيقة اطّلعت عليها وكالة رويترز الشهر الماضي أن الولايات المتحدة تدرس مقترحاً جديداً لتوسيع وتسريع إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في إطار خطة قد تشكّل بديلاً عن "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، التي أثارت جدلاً واسعاً وانتقادات حادّة خلال فترة عملها في القطاع.
وحسب الوثيقة، يقوم المقترح على إنشاء ما يُسمّى "حزام غزة الإنساني"، الذي سيشكّل "العمود الفقري" للخطة. ويتضمن الحزام إقامة ما بين 12 و16 مركزاً لتوزيع المساعدات على امتداد الخط الذي تتمركز عليه القوات الإسرائيلية داخل غزة، على أن تخدم هذه المراكز المدنيين على جانبي ذلك الخط.
مسؤول رفيع في إحدى وكالات الإغاثة الدولية، فضّل عدم الكشف عن هويته، عبّر عن "قلق بالغ" إزاء طبيعة المراكز المقترحة، قائلاً إنها "تشبه إلى حد كبير مواقع مؤسسة غزة الإنسانية التي أُنشئت في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية".
من جانبه، قال مسؤول أمريكي، طلب أيضاً عدم ذكر اسمه، إن المقترح "يعكس مجموعة من الأفكار التي تبحثها الولايات المتحدة"، لكنه أكد أن الخطة "ليست الخيار الوحيد المطروح لآلية الإغاثة"، وامتنع عن تحديد مدى احتمالية تنفيذها.












