يحمل التقرير عنوان "ضاعت كل أحلامي.. تهجير إسرائيل القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية"، ويعرض تفاصيل عملية عسكرية واسعة أطلقت عليها إسرائيل اسم "السور الحديدي".
وبدأت العملية في 21 يناير/كانون الثاني 2025 واستمرت على مراحل، وشهدت مداهمات عنيفة داخل المخيمات الثلاثة.
وفي 23 فبراير/شباط الماضي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس رسمياً إخلاء المخيمات الثلاثة من سكانها، وما إن أحكم جيش الاحتلال سيطرته على المداخل حتى بدأ بعمليات هدم واسعة طالت مئات المنازل.
ووفق شهادات سكان حاولوا العودة، فقد أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية النار باتجاه من اقترب من المخيمات.
واعتمدت هيومن رايتس ووتش على صور أقمار صناعية عالية الدقة أظهرت حجم الدمار الهائل، حيث دُمّر أو تضرّر ما يقرب من 850 مبنى بحلول نهاية يوليو/تموز 2025، كثير منها بعد أسابيع أو أشهر من خروج السكان.
وأظهر التقييم أن جزءاً من تدمير البنية التحتية داخل المخيمات كان يهدف إلى إعادة تشكيلها عمرانياً، عبر توسيع الطرق الداخلية وتقسيم الأحياء، بما يخدم الانتشار العسكري الدائم.
إجراءات جيش الاحتلال لم تقتصر على الهدم، ففي 24 يوليو/تموز الماضي، أصدر اللواء آفي بلوط أوامر عسكرية صنّفت مناطق قرب مخيم نور شمس “منطقة مغلقة” و“منطقة تطويق” حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، بما يمنع الدخول والخروج دون تصاريح خاصة.
كما صنّفت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أجزاء واسعة من مخيمي طولكرم ونور شمس “مناطق عسكرية”، ما جعل عودة السكان فعلياً مستحيلة.
وبمراجعة أوامر الهدم المتداولة محلياً، رصدت هيومن رايتس ووتش خمسة أوامر فقط تخص 391 مبنى، وهو أقل بكثير من العدد الحقيقي للمباني المدمرة أو المتضررة.
كما أشارت الأمم المتحدة إلى وجود عشرات المباني الأخرى المستهدفة دون أوامر معلنة، ما يعكس غياب الشفافية واعتماد إجراءات تنفيذية غير معلنة.
وتحمّل أوامر الهدم اللواء آفي بلوط مسؤولية مباشرة عن العملية، وقد قُدمت ضده شكوى رسمية في أغسطس/آب 2025 تطالب بفتح تحقيق جنائي في شبهات ارتكاب جرائم حرب.
مخيم جنين
بدأت عملية السوار الحديدي في مخيم جنين في 21 يناير/كانون الثاني 2025، مخلفةً دماراً واسعاً طال مئات المنازل.
ووفق رواية جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن نحو نصف عمليات الهدم التي نُفذت في المخيم جرى تبريرها باعتبارات “الضرورة العسكرية”.
لكن تحليل هيومن رايتس ووتش، استناداً إلى صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 24 يوليو/تموز 2025، يُظهر حجماً أكبر بكثير من الدمار، إذ تبيّن أن ما لا يقل عن 400 مبنى قد دُمّر أو تعرض لأضرار بالغة في المخيم.
وتشير المنظمة إلى أن الرقم الفعلي قد يكون أعلى، نظراً إلى حدود التقييم، وأن جزءاً من المباني كان مهدوماً بالفعل قبل صدور أوامر الهدم الرسمية.
وتُظهر مقاطع فيديو نُشرت على الإنترنت قبل صدور أول أمر هدم، جرافات إسرائيلية وهي تُزيل الطرق عند أحد مداخل المخيم، إلى جانب مشاهد لدمار واسع في حي الدمج الواقع في الجانب الشرقي، ما يؤكد أن عمليات الهدم كانت جارية قبل إصدار أي إشعارات رسمية.
مخيم طولكرم
بدأت عملية السور الحديدي في مخيم طولكرم في 27 يناير/كانون الثاني 2025، وأسفرت عن تدمير واسع النطاق طال أكثر من 300 مبنى، وقد برّر جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه العمليات بالقول إن 162 مبنى منها هُدمت بدعوى “الضرورة العسكرية”.
تشير نتائج تحليل هيومن رايتس ووتش لصور الأقمار الصناعية الملتقطة في 24 يوليو/تموز 2025 فوق مخيم طولكرم إلى أن ما لا يقل عن 300 مبنى دمّر أو لحق به ضرر بالغ منذ بدء العملية.
كما رصدت المنظمة نحو 150 مبنى إضافياً تعرضت للدمار الشديد ولم ترِد ضمن أوامر الهدم المعلنة، ما يكشف عن نطاق أكبر للتدمير من الموثق رسمياً.
وتُظهر مقاطع فيديو وتقارير منشورة على الإنترنت -جرى التحقق منها- أن عمليات الهدم كانت جارية بالفعل في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، أي قبل نحو شهر من صدور أول أمر هدم رسمي، ما يؤكد أن جزءاً من الدمار وقع خارج أي إطار إجرائي معلن.
وتشير المنظمة إلى أن الأرقام الواردة في التقييم تبقى أقل من الواقع بسبب القيود المنهجية وطبيعة الدمار واسع النطاق داخل المخيم.
مخيم عين شمس
امتدت عملية السور الحديدي إلى مخيم نور شمس في 9 فبراير/شباط 2025، مما أدى إلى تضرر وتدمير أكثر من 170 مبنى. وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن نحو ثلث هذه التدميرات كان مبرراً بالضرورة العسكرية.
وكما هي الحال في مخيمَي جنين وطولكرم للاجئين، كان بعض مباني المخيم قد هُدم بالفعل قبل صدور أي أوامر هدم، وتُظهر مقاطع فيديو نُشرت على الإنترنت في 10 و13 فبراير/شباط الماضي جرافات عسكرية إسرائيلية وهي تُدمر طرقاً على طول حي الصالحين في الجانب الشرقي من المخيم، وتهدم مبنى في حافته الشمالية.
ويُظهر تحليل هيومن رايتس ووتش للأضرار، استناداً إلى صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 24 يوليو/تموز الماضي، أن ما لا يقل عن 170 مبنى قد دُمِّر أو لحقت به أضرار جسيمة، أي ثلاثة أضعاف ما أعلنه جيش الاحتلال الإسرائيلي في البداية، ونظراً إلى محدودية منهجية التقييم، ترى هيومن رايتس ووتش أن هذا الرقم يُرجَّح أن يكون أقل من الواقع.
تُظهِر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 24 يوليو/تموز الماضي زيادة في الدمار حول حي نادين م. في أعقاب أمر الهدم الصادر في الأول من مايو/أيار، وبحلول نهاية يوليو/تموز كان منزلها لا يزال قائماً.
جرائم الحرب
تشير هيومن رايتس ووتش إلى ضرورة فتح تحقيقات جنائية مع كبار المسؤولين الإسرائيليين على خلفية العمليات التي جرت في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية المحتلة، وملاحقتهم قضائياً عند ثبوت مسؤوليتهم عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك على أساس مسؤولية القيادة.
وتحدّد المنظمة مجموعة من المسؤولين الذين ينبغي أن يشملهم التحقيق، وفي مقدمتهم: اللواء آفي بلوط، قائد القيادة المركزية، المسؤول عن العمليات العسكرية في الضفة الغربية المحتلة والمشرف على التوغلات في المخيمات وإصدار أوامر الهدم، واللواء هرتسي هاليفي واللواء إيال زامير، اللذان تولّيا رئاسة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة العمليات، بالإضافة إلى بتسلئيل سموتريتش، الوزير في وزارة الدفاع وعضو المجلس الوزاري الأمني المصغر، الذي يشغل أيضاً منصب وزير المالية، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وتؤكد المنظمة أنه ينبغي لمكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب الهيئات القضائية في الدول التي تعتمد مبدأ الولاية القضائية العالمية، التحقيق في دور هؤلاء المسؤولين وفي أي تورط موثوق لهم في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك ما يتعلق بمسؤولية القيادة عن الجرائم التي ارتكبها مرؤوسوهم.
كما تدعو المنظمة الحكومات إلى فرض عقوبات محددة الهدف على كل من بلوط وزامير وسموتريتش وكاتس ونتنياهو، وغيرهم من المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في الانتهاكات المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.













