ولا يقتصر أثر هذه المنظومة على تطوير قدرات القتال البرّي فحسب، بل امتدّ إلى مشاريع جوية ودفاع جوي، بفضل التقنيات الدقيقة لأنظمة التحكم والتوجيه المطوّرة للدبابة.
تُعدّ أنظمة التوجيه والتحكم الدقيق التي طُوّرت أصلاً لدبابة "ألطاي" قاعدة تقنية انتقلت إلى برامج أخرى، من بينها الطائرة المقاتلة التركية "قآن"، ما يعكس قدرة الصناعات المحلية على نقل الخبرة وتوحيد عناصر التكنولوجيا عبر منظومة متكاملة.
وتترجم هذه التحولات خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي الدفاعي وبناء منظومة تكنولوجية مترابطة داخل البلاد.
قال الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال مراسم افتتاح مصنع شركة "بي إم سي أنقرة" لإنتاج الدبابات والمركبات المدرعة من الجيل الجديد وتسليم الدفعة الأولى، إنّ «أبواب حقبة جديدة في تكنولوجيا الدبابات قد فُتحت عبر دبابة "ألطاي".
وأكد أن الدبابة مزوّدة بمنظومات تُمكّنها من التكيّف مع متطلبات القتال الحديثة، وتعمل في أقسى الظروف الميدانية.
وأشار أردوغان إلى أن المصنع يمتدّ على مساحة تقارب 840 ألف متر مربع، ويضمّ مراكز بحث وتطوير، ومناطق اختبار ومختبرات ومسارات تدريب، وأنه سيشغّل أكثر من 1500 موظف مؤهّل.
وأضاف أن خطّ التصنيع التسلسلي سيُنتج شهرياً ثماني دبابات «ألـطاي» وعشر مدرعات «ألتوغ» 8×8، مؤكّداً استمرار التقدّم نحو “الاستقلال التام” في صناعة الدفاع التركية.
الإنتاج والخطط المستقبلية
تُعدّ "ألطاي" نتاج سنوات من الأبحاث والتطوير في القطاع الدفاعي المحلي، وقد أدّت مراحل تصميمها وإنتاجها إلى تطوير أنظمة تحكم دقيق لتوجيه المدفع والأبراج، ووحدات حركة آلية (مشغّلات) تضمن ثبات المدفع ودقّة زوايا الرمي في أثناء الحركة على تضاريس وعرة.
وشاركت في تطوير هذه الأنظمة شركات محلية، من بينها "ألتيناي لتقنيات الدفاع" و"أسيلسان". وتمثل المشغّلات مكوّناً حيوياً في نظام السيطرة على النيران، إذ تضمن توازن المنظومة واستجابتها الفورية في أثناء التوجيه والإطلاق.
قدّم رئيس هيئة الصناعات الدفاعية في الرئاسة التركية خلوق غورغون معلومات حول إنتاج الدفعات الأولى، مشيراً إلى نجاح مرحلة الإنتاج التسلسلي وارتفاع القدرة الإنتاجية تدريجياً.
وأوضح أنّ المنشأة قادرة نظرياً على تصنيع 96 دبابة "ألطاي" سنوياً و120 مركبة 8×8 إضافة إلى عدد من مركبات 6×6.
وأضاف غورغون أن المرحلة الأولى (T1) ستُجهّز 85 دبابة بمجموعة قوّة مستوردة من كوريا الجنوبية، بينما ستعتمد المراحل التالية (T2) على المحرك المحلي "BATU" بقدرة 1500 حصان الذي تنتجه شركة BMC Power مع منظومة نقل محلية، ما يعني أن دفعات T2 ستُسلَّم بمحركات محلية بالكامل.
نحو تفوق تقني
وقال المدير العام لشركة "ألتيناي لتقنيات الدفاع" براق مرجان، إنّ تطوير مشغّلات الدبابة "ألطاي" كان أول مشروع دفاعي استراتيجي تتولاه الشركة، موضحاً أن العمل في هذا المجال بدأ عام 2010 بالتعاون مع شركة "أسيلسان" للصناعات الدفاعية.
وأضاف مرجان أن دخول "ألتيناي" إلى قطاع الدفاع كان في البداية عبر مشروع آلي لتفكيك الذخائر، لكنّ مشروع «ألطاي» شكّل الانطلاقة الحقيقية في تصميم وإنتاج أنظمة متوافقة مع المعايير العسكرية الدولية.
وأوضح قائلاً: "أنتجنا نماذج أولية للمشغّلات الخاصة بسبطانة الدبابة وبرجها، وأجرينا عليها اختبارات تأهيل شاملة وفق المعايير العسكرية. ومع اكتمال التجارب الميدانية بدأنا هذا العام مرحلة التصنيع التسلسلي لتسليم المنتجات النهائية".
وأشار مرجان إلى أن المشروع وفّر للشركة خبرات عميقة في تصميم الأنظمة الفرعية الدفاعية، بدءاً من المرحلة النظرية للتصميم وصولاً إلى مراحل الإنتاج والاختبار الميداني، مؤكداً أن هذه الخبرات انعكست على مشاريع لاحقة في مجالات أخرى.
وبيّن أن القدرات التقنية المكتسبة من مشروع "ألطاي" استُثمرت في تطوير أنظمة جديدة، تُستخدم حالياً في الطائرة المقاتلة التركية "قآن" ومشاريع جوية أخرى، مضيفاً:"عملنا على نقل الخبرات المكتسبة من مشغّلات الدبابات إلى تصميم مشغّلات مماثلة تُستخدم في المنصات الجوية".
وعدّد مرجان تلك المنصات قائلاً: "منها الطائرة المقاتلة قآن، وطائرة التدريب حرجيت، وأنظمة المروحيات القتالية. وهي مشاريع تتشابه في بنيتها الهندسية وتستفيد من خبراتنا المتراكمة".
واعتبر مرجان أن هذا التكامل بين الصناعات البرية والجوية يجسّد تطور البنية الصناعية الدفاعية في تركيا، مشيراً إلى أن المعرفة التقنية باتت تنتقل بسلاسة من مشروع إلى آخر، الأمر الذي يعزز نسبة المكوّن المحلي في منظومة الصناعات الدفاعية الوطنية.
تكامل الصناعات الدفاعية
قال المدير العام لشركة "ألتيناي لتقنيات الدفاع" براق مرجان، إنّ المشغّلات التي طُوِّرت خاصةً لدبابة «ألـطاي»، توفّر دقّة استثنائية في الحركة والتحكم، إذ تتولى رفع السبطانة وتدوير البرج بسرعة واتزان، حتى في أثناء سير الدبابة في ظروف ميدانية قاسية.
وأوضح مرجان أن هذه الأنظمة "تعمل على تصحيح أي انحراف ناتج عن الاهتزازات أو تغيّر التضاريس، وتتمتع باستجابة فورية تضمن بقاء الهدف في مرمى النيران بدقّة عالية"، مشيراً إلى أنها صُمّمت لتكون شبه خالية من الحاجة إلى الصيانة الدورية بعد تركيبها داخل الدبابة.
وبيّن أن معظم مكوّنات المشغّلات، مثل التروس ومحامل الدوران وأنظمة نقل الحركة، تُنتَج محلياً داخل مصانع الشركة في تركيا باستخدام تقنيات تشغيل دقيقة عالية المستوى، فيما تُجرى عمليات التجميع النهائية والتكامل في مصنع الشركة بولاية قوجه إيلي شمال غربي البلاد، قبل تسليم الأنظمة إلى شركة "أسيلسان" لاستكمال دمجها في المنظومة الشاملة للدبابة.
وأكد مرجان أن مشروع "ألطاي" لا يُعد مجرد إنجاز عسكري تقني، بل نموذج متكامل لتعاون الصناعات الدفاعية المحلية في تركيا، موضحا أن هذا التكامل يعكس قدرة البلاد على بناء منظومة دفاعية مترابطة ومستقلة تقلّل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية.
وأضاف: "ما تحقق في مشروع "ألطاي" ليس نجاحاً منفصلاً، بل بداية مسار طويل من التعاون التقني والابتكار الذي يمتد من الصناعات البرية إلى الجوّية والبحرية".
وختم مرجان بالقول: "نحن نعمل على توسيع هذه القدرات لتخدم كل مشروع دفاعي وطني قادم، ضمن رؤية تهدف إلى تعزيز الاستقلال التكنولوجي لتركيا في جميع مجالات الصناعات الدفاعية".


















