وبعد سنوات من استباحة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لخصوصية الفلسطينيين وتحويل بياناتهم إلى مادة مفتوحة تُستخدم دون قيد أو رقابة، تنتقل الحكومة اليوم إلى فرض النهج ذاته على مواطنيها تحت الذريعة نفسها. وخلال الحرب على غزة، استخدم جيش الاحتلال أنظمة متعددة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في استهداف الفلسطينيين، وهو ما خلّف مجازر واسعة بحق المدنيين، وفق تقارير حقوقية دولية.
وتتحكم إسرائيل بشكل كامل في خطوط الاتصال وشبكات الإنترنت الخاصة بالفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وخلال الحرب الجارية على قطاع غزة، لجأت سلطات الاحتلال إلى قطع الاتصالات عن القطاع مرات عدة، عازلةً السكان عن العالم لساعات وأيام.
وبحسب ما كشفه موقع ha-makom الاستقصائي الإسرائيلي، فقد طلبت الحكومة تمديد الأمر المؤقت الذي يتيح للجيش والشاباك اختراق الكاميرات عبر أي جهاز إلكتروني متصل بها، وذلك "من دون علم صاحب مادة الحاسوب".
ويتعلق المقترح بتعديل قانون أُقِرّ في ديسمبر/كانون الأول 2023 كإجراء مؤقت لمدة ستة أشهر مع بداية الحرب على غزة. ويسعى التعديل الجديد لفصل هذه الصلاحيات عن حالة الحرب تماماً، فبينما كانت الصياغة الأصلية تشترط أن يكون الاختراق مرتبطاً بـ"العمليات العسكرية الجوهرية"، يقترح التعديل أن تُفَعَّل الصلاحيات لضمان "استمرارية الأداء العملياتي للجيش الإسرائيلي" أو وفق المهام المحددة للشاباك، من دون الحاجة إلى وجود حرب.
ووفقاً للموقع العبري، تشير المذكرة التفسيرية للمشروع إلى أن الحاجة إلى هذه الأدوات "تظل قائمة حتى في حال توقّف القتال"، بسبب "الطابع الخاص لحيّز السايبر" وما يحمله من تهديدات.
ويسمح القانون القائم باختراق الحواسيب الخاصة والعامة على حد سواء، وتنفيذ عمليات حذف أو تغيير أو تخريب داخلها.
ونُشر التعديل الجديد كمسودة لتلقي ملاحظات الجمهور لمدة عشرة أيام فقط، تنتهي الأحد المقبل. وحتى الآن، سجّل موقع التشريع الحكومي 804 اعتراضات، معظمها لمواطنين إسرائيليين اعتبروا أن المقترح يمس الخصوصية بشكل خطير وغير متناسب، في ظل غياب أي رقابة أو إشراف قضائي على هذه الصلاحيات المتزايدة.
بلا حدود ولا قيود
تنصّ المادة 8 من القانون، على أن الحصول على معلومات من اتصال بين حواسيب خلال عملية اختراق لمادة الحاسوب لا يُعدّ "تنصّتاً" بمفهوم قانون التنصّت الإسرائيلي.
ويتيح ذلك لجيش الاحتلال وجهاز "الشاباك" استخدام المواد التي تُجمع خلال عمليات الاختراق دون الحاجة إلى إذن قضائي أو موافقة المستشارة القانونية للحكومة، خلافاً للإجراءات المفروضة في القانون الأصلي.
ويشير موقع ha-makom إلى أن القانون لا يميّز بين الكاميرات المنتشرة في الحيّز العام وتلك الموجودة داخل المنازل الخاصة، بما يشمل كاميرات الأمن المنزلية. ونتيجة لذلك، يصبح بإمكان الجهات الأمنية اختراق الحواسيب الشخصية المرتبطة بهذه الكاميرات من دون علم أصحابها.
وبحسب ما وثّقه الموقع، ينصّ القانون في صيغته الحالية على إجراءات تأديبية مخصّصة لموظفي الشاباك في حال إساءة استخدام المواد التي تُجمع خلال عمليات الاختراق، لكنه في المقابل لا يحدد عقوبات جنائية بحق جنود الجيش الذين قد يستغلون المعلومات التي تصل إليهم بصورة غير قانونية.
كما يوضح المصدر العبري أن المسودة الجديدة للقانون تقلّص جزئياً من أسباب تفعيل صلاحيات الشاباك، وتحصرها ضمن المهام المحددة في قانونه الأساسي، في حين تُبقي الصلاحيات الممنوحة للجيش واسعة النطاق، مركّزة على الحفاظ على "استمرارية الأداء العملياتي" دون ارتباط مباشر بحالة الحرب، خلافاً لما كان منصوصاً عليه سابقاً.
ويلفت الموقع الانتباه أن الحكومة الإسرائيلية أقرت، منذ اندلاع الحرب على غزة، سلسلة قوانين تُعدّ من الأوسع في المساس بخصوصية المواطنين، أبرزها "قانون الشرطة (اختراق مادة الحاسوب)" الذي يسمح للشرطة بتثبيت برامج تجسّس على الأجهزة الإلكترونية دون أي قيود متعلقة بطبيعة البيانات التي تُجمع أو بمدة المراقبة.
كما مددت الحكومة لعام إضافي أمراً مؤقتاً يتيح للشرطة الوصول الكامل إلى قواعد البيانات البيومترية، وهو إجراء فُعّل في الأيام الأولى للحرب بهدف تسهيل التعرف على الجثث. وبحسب التفسير القانوني، فإن البيانات البيومترية "ستُنقل وتُحفظ حتى في حال عدم منح المواطن موافقة واضحة على ذلك".
وأقرت الحكومة لاحقاً "قانون حماية الجمهور من منظمات الإجرام"، الذي يمكّن الشرطة من فرض أوامر تقييد قضائية استناداً إلى تقييم استخباراتي للخطورة فقط.
وقد أثار هذا القانون مخاوف من توسيع تعريف "الانتماء إلى تنظيم إجرامي" بحيث يشمل أفراداً لا ينتمون فعلياً إلى هذه التنظيمات، لكن تُعتبر أنشطتهم مخالفة لسياسات الحكومة.


















