زعيم جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس أحمد نجيب الشابي (Others)
تابعنا

قال زعيم جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس أحمد نجيب الشابي، إن الرئيس قيس سعيّد "يعاني عزلة سياسية مطبقة زادت حدّتها بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 ومثلّت خيبة أمل كبرى لسلطته، وقوّضَت شرعيته لتدنّي نسبة المشاركة فيها التي بلغت 11.22 بالمئة".

وأبرز أحمد نجيب الشابي في حوار بالهاتف مع TRT عربي، أن الجبهة "ترى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها وفق قواعد الشفافية والنزاهة، وتُفضِي إلى انتخاب رئيس يحظى بشرعية تمكّنه من تنفيذ خارطة الطريق التي يكون قد طرحها على الشعب التونسي".

وأوضح الشابي أن جبهة الخلاص الوطني لا "تطرح نفسها بديلاً، بل قوة تعمل على عودة الديمقراطية"، معتبراً أن "بقاء قيس سعيّد في السلطة ينبئ بكل التطورات السلبية في المستقبل".

وقد شهدت تونس انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 في ظلّ ضعف إقبال من الناخبين لم تعتَده البلاد منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي. وتُعَدّ هذه الانتخابات أحدث حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية بدأ الرئيس قيس سعيد فرضها في 25 يوليو/تموز 2021، سبقها حلّ مجلسَي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء 25 يوليو 2022.

وفي ما يلي نصّ الحوار:

بعد نحو سنة ونصف من إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 التي تصفها جبهة الخلاص الوطني بـ"الانقلاب"، ماذا حققت الجبهة من منجزات سياسية وشعبية في مسارها الهادف إلى إسقاط هذا "الانقلاب"؟

المسلَّم به اليوم أن جبهة الخلاص الوطني أصبحت أبرز قوة معارضة في تونس، وهذا يقرّ به الرأي العامّ والصحافة العالمية، وهذا الوزن السياسي غير قابل للجدل، لكننا لا نقيّم المسيرة بهذا المقياس.

قيس سعّيد استولى على الحكم في 25 يوليو، الصفة الأولى تمتّعه بمباركة من الرأي العامّ، والصفة الثانية كان أمام فراغ سياسي في الداخل خلافاً للوضع العالمي الذي ردّ الفعل بسرعة واستنكر المسار الذي اتخذته تونس خارج طريق الديمقراطية. واليوم قيس سعيد أصبح يعاني عزلة داخلية مطبقة ولا أحد من الطبقة السياسية والمجتمع المدني يناصره. الجميع يعارض قيس سعيد وحينما نتكلم عن كل الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والأكاديميين والشخصيات المستقلة، فهو إذاً في عزلة سياسية مطبقة.

ثانياً، قيس سعيد نال في انتخابات 17 ديسمبر 2022 (التشريعية) خيبة أمل كبرى، بمعنى أنّ الشعب أدار له ظهره ولمساره السياسي ورفض تزكيته، أضف إلى ذلك فشله الذريع في إدارة الاقتصاد الوطني، وقد وصل إلى خيبة مطلقة سواء في إدارة الاقتصاد وفي إدارة العلاقات الخارجية للبلاد، وحتى إدارة العلاقات مع الداخل التونسي.

هذا التطور الحاصل تُعَدّ جبهة الخلاص الوطني جزءاً هامّاً منه، وبالنسبة إلينا فإن بقاء قيس سعيّد في السلطة ينبئ بكل التطورات السلبية في المستقبل، لذلك آن الأوان لتتفق القوى الوطنية على إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها يحظى من خلالها الرئيس المنتخَب الجديد بالشرعية لتنفيذ خارطة الطريق التي يكون طرحها على تونس.

وصفتم ضعف المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية بـ"الزلزال"، والزلازل تكون إما مدمرة وإما رجّة خفيفة، فهل تقدّرون أن هذا الزلزال الذي تحدثتم عنه سيكون مدمراً للسلطة أم مجرد رجة عابرة؟

وصفنا نسبة المشاركة في الانتخابات بأنها زلزال بدرجة 8.8 على مقياس ريختر (في إشارة إلى نسبة المشاركة الأولية)، يعني أنه زلزال مدمر للسلطة السياسية، وكانت ارتداداته في الداخل والخارج، والسلطة خرجت مهزومة هزيمة نكراء في انتخابات 17 ديسمبر 2022. والآن تونس تطلب استقراراً عن طريق علاقات أخرى بين السلطة والمجتمع، وبالتالي فهو زلزال قوّض شرعية ومشروعية السلطة القائمة.

هل تقدّرون أن تُجرَى الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية رغم ضعف نسبة المشاركة؟ وكيف ترون البرلمان الذي سيتشكّل وفق نتائجها؟

الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية ستُجرَى رغم المطالبة العامة بإلغائها لأن من سمات الوضع هو التعنُّت والهرب إلى الأمام. البرلمان الذي سيتشكل هو برلمان مسخ قاطعته القوى السياسية جميعها وعزف الشعب عن اختياره وعجزوا (أي السلطة) حتى عن إيجاد مرشحين في عديد من الدوائر. سيكون مسخاً أيضاً لأنه في إطار دستور لا يمنحه أدنى سلطة رقابية على السلطة التنفيذية، وهي عبرة الميزان في الديمقراطية، أي تبادل المراقبة بين السلطات. ثم إنّ سلطاته التشريعية يتقاسمها مع رئيس الدولة الذي له عديد من الصلاحيات التشريعية في الدستور الذي أقره بمفرده، وبالتالي سيكون غرفة تسجيل للإرادة الأميرية لا أكثر ولا أقل (في إشارة إلى إرادة قيس سعيد).

تطالبون بانتخابات سابقة لأوانها، فمن سيشرف على تنظيمها؟ الهيئة الحالية التي شكّلها الرئيس قيس سعيد؟ ووفق أي قانون انتخابي؟ بالقانون الحالي أم بالعودة إلى القانون القديم (قبل 25 يوليو)؟

نحن نطالب بانتخابات سابقة لأوانها تشرف عليها هيئة مستقلة تتوافق عليها القوى التي تكون ألزمت السلطة تنظيم انتخابات مبكرة، كما تقترح جبهة الخلاص الوطني أن يشرف على هذه المرحلة الانتقالية قاضٍ من كبار القضاة مشهود له بالاستقلالية والحياد، حتى تُجرى انتخابات سابقة لأوانها يُحتكَم فيها إلى الشعب التونسي في إطار من الشفافية والنزاهة الانتخابية، وما سيقرره الشعب عبر الصندوق فسنتقبله.

كل الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد باطلة، ولسنا نحن فقط من يقول ذلك، فالمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان التي تُعَدّ تونس عضواً فيها أصدرت حكمها ببطلان كل الإجراءات المتخَذة منذ 25 يوليو. نحن نريد العودة إلى الشرعية الدستورية، أي إلى دستور 2014 المُجمَع عليه ولا ترفضه قوة، بل يوجد جدل حول البرلمان السابق والحكومات السابقة. ونحن أيضاً في جبهة الخلاص الوطني لدينا انتقادات إزاء هذه المرحلة، ولكننا نتطلع إلى مرحلة جديدة قوامها الشرعية الدستورية والفصل بين السلطات ونزاهة الانتخابات.

في صفوف المعارضة عديد من المبادرات للخروج من الأزمة، ولكل جهة خارطة طريق، فهل لدى جبهة الخلاص الوطني مشروع للتقارب مع الأطراف الأخرى، بخاصة أن بعض مكونات المعارضة يطالب حركة النهضة بتقييم ومراجعات ذاتية عن العشرية الماضية؟ هل يمكن أن نرى تنازلات من جبهة الخلاص الوطني في هذا الإطار؟

تَعدُّد المبادرات علامة صحية، وهو ما يعني أن الناس بدؤوا يشعرون بضرورة التوافق على أرضية تجمّع. لذلك أنا شخصياً أنظر بعين الارتياح إلى كل المبادرات التي هي بصدد التبلور، والجديد بعد انتخابات 17 ديسمبر 2022 أن قنواتٍ فُتحت بين الفرقاء السياسيين، صحيح أنها لم ترتقِ بعد إلى لقاءات وحوارات رسمية، لكنها تختلف عما كان عليه الوضع قبل 17 ديسمبر.

أيضاً لا تتدخل جبهة الخلاص الوطني في شؤون مكوناتها، فحركة النهضة مكوّن هامّ ورئيسي في جبهة الخلاص، لكن الجبهة ائتلاف بين مكونات مختلفة منها النهضة ومكونات أخرى عديدة مستقلة، بالتالي لا نتدخل في الشأن الداخلي لحركة النهضة ولا نطالبها بنقد داخلي ولا بأي تغييرات قد يطلبها بعض الأطراف، لأننا نعتقد أن هذا ينتمي إلى الماضي، ولسنا هنا لحل مشكلات الماضي بل لفتح طريق المستقبل، وإذا ما فعلنا ذلك وتَقدَّم مختلف القوى بما فيها النهضة إلى الرأي العامّ، فالشعب هو من سيسائلها، وعلى ضوء إجاباتها سيحكم عن طريق صندوق الاقتراع، بالتالي نحن في الجبهة لا نطرح المشكلات التي لا يطرحها النضال المشترك من أجل العودة إلى الديمقراطية.

كيف تقرأ جبهة الخلاص الوطني لقاء أمين عامّ الاتحاد العامّ التونسي للشغل مع عميد المحامين التونسيين بعنوان "التشاور والتنسيق من أجل إنقاذ تونس من أي انزلاقات"؟

لم أطّلع على تفاصيل اللقاء، لكنه يُعَدّ علامة إيجابية من علامات ما بعد 17 ديسمبر 2022، بخاصة أن اللقاء بين منظمتين لهما وزن وثقل في المجتمع التونسي: الاتحاد العامّ التونسي للشغل الذي اضطلع بدور محوري في الحياة الوطنية منذ ما قبل الاستقلال إلى اليوم، وأعرق منظمة مهنية، منظمة المحامين التي يعود تأسيسها إلى بداية القرن العشرين، وكانت على الدوام قلعة ودرعاً للدفاع عن الحريات في البلاد التونسية في كل الحِقَب، فلقاء هاتين المنظمتين بادرة خير نرجو أن تتلوها لقاءات أخرى بين مختلف مكونات المجتمع المدني والحركات السياسية.

نحن في جبهة الخلاص الوطني بصدد إجراء اتصالات موسعة غير رسمية لا تزال في بدايتها، وسنرى في ما بعد ماذا يمكن أن يتمحّص عنها.

الرئيس قيس سعيّد يؤكّد دائماً أنه لا سبيل للعودة إلى ما قبل إجراءات 25 يوليو، أي إنه يعتبر أن كل الدعوات هي بالضرورة عودة إلى ما قبل 25 يوليو، ما رأيكم في ذلك؟

الرئيس هو تونسي من بين 12 مليون تونسي، له أن يرى ما يريد وليس له أن يفرض إرادته على بقية التونسيين. الرئيس انتُخب في إطار دستور أقسم على احترامه، وفي هذا الدستور توزيع للسلطات ويضمن الحقوق والحريات، وكل هذا أصبح في خبر كان منذ عام و5 أشهر، بالتالي فإرادته الشخصية لا تُلزِم سواه، وإرادة المجتمع نريد أن نبرّرها وأن نفرضها، بما يُعيد تونس إلى سالف عهدها في الديمقراطية.

ما مشروع جبهة الخلاص الوطني؟ هل تقدّمون أنفسكم بديلاً للسلطة الحالية؟

جبهة الخلاص الوطني لا تطرح نفسها بديلاً، بل قوة تعمل على عودة الديمقراطية. ثم عندما تأتي الديمقراطية يأتي الخيار البديل. وفرضيات تَشكُّل هذا البديل المشترَك من داخل جبهة الخلاص الوطني أو من خارجها وهل سيتّسع لأطراف أخرى أم لا، فهذا سنتركه للمستقبل. البدائل ستُطرَح على المواطن التونسي، وهو من سيختار أحدها ويكلّف رئيساً لتنفيذها.

جبهة الخلاص الوطني مشروعها إعادة الشرعية الدستورية، والذود عن الحقوق والحريات، والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، وفتح الطريق لإنقاذ تونس من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. داخل جبهة الخلاص الوطني اتجاهات بصدد التبلور، وبعد مدة سننشرها للرأي العامّ.

التحركات الاحتجاجية في الشارع تُعَدّ جزءاً من الحراك السياسي لجبهة الخلاص الوطني، كيف تقيّمون اليوم وزنكم في الشارع؟

على مستوى الحياة السياسية تُعَدّ جبهة الخلاص الوطني أثقل حركة سياسية في المشهد التونسي، وحتى الصحف العالمية (كنيويورك تايمز ولوموند) تشهد بهذه الحقيقة وتتحدث عنها باعتبارها أهمّ فصيل سياسي. هذا على المستوى السياسي، لكننا ندرك أن الشعب التونسي أدار ظهره لقيس سعيد، لكنه لم يصل بعد إلى أن يرى الحلّ في ذهاب سعيّد ورحيله. نحن ندرك أنه لا تزال بين الحركة السياسة والرأي العامّ فجوة، ونعتقد أن الأحداث تتسارع، بخاصة تحت تأثير الأزمة الاقتصادية، بما سيجعل هذه الفجوة تتقلّص وتتلاشى.

بالتالي فوزننا وثقلنا بالمعايير السياسية كبير، وبمعايير الارتباط بالقاعدة الشعبية العريضة ما زال في طور التوسُّع، لأن المجتمع التونسي في صدمة وفي أزمة مع الحركة السياسية عموماً، ولكن الأوضاع تتطور بما سيجعل المواطن يختار أحد الحدود السياسية، لأنّه لا حل للأزمة الاقتصادية والاجتماعية خارج الحلّ السياسي، لأنه ليس بإمكان البلاد الخروج من المأزق الذي هي فيه إلّا تحت قيادة سياسية جديدة.

ما رسالة جبهة الخلاص الوطني إلى التونسيين؟

"اشتدِّي أزمةُ تنفرجي"، ستنفرج الأزمة عن قريب، وستجد تونس طريقها للعودة إلى الاستقرار السياسي والديمقراطية، ومن خلال هذه العودة ستخرج قيادة سياسية مقتدرة لها من الكفاءة ما يمكّنها من معالجة الأسباب التي تقف وراء الأزمة. المسألة ستتطلب مرحلة، فلا عصا سحرية لتغيير الأوضاع رأساً على عقب، وهذا يتطلب وقتاً وقيادة قائمة على الكفاءة والتجرد والوطنية، وأنا متفائل بأننا سنذهب حتماً إلى هذا الحل مهما كانت الصعوبات والعقبات التي يمكن أن تقف في هذا الطريق.

TRT عربي