أعلن الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدة إضافية لدعم أوكرانيا، بقيمة 50 مليار يورو، بالتزامن مع إعلان 16 دولة تعليق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، رداً على اتهام إسرائيل موظفين في الوكالة بالضلوع في هجمات حماس عليها، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
واتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ27، مطلع هذا الشهر خلال اجتماع في بروكسل، على تقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو لمدة أربع سنوات، ضمن خطة تمويل "ثابت وطويل المدى".
وبعد وقف تمويل أونروا من 16 دولة في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، قالت الوكالة إنها لن تتمكن من مواصلة العمليات في قطاع غزة والمنطقة بعد نهاية فبراير/شباط الجاري، إذا لم يُستأنف التمويل.
ويواجه الغرب بصفة عامة، وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بصفة خاصة، اتهامات بازدواجية المعايير في التعامل مع الأوضاع في غزة وأوكرانيا، وعلى الأخص في الدعم المادي.
منفذ المساعدة الوحيد
تلعب وكالة أونروا -التي تعد أكبر منظمة إنسانية في غزة- دوراً محورياً، إذ كان نحو 80% من سكان القطاع، قبل الحرب، يعتمدون على المساعدات الدولية، التي تقدمها الوكالة.
وبعد الحرب أصبحت منفذ المساعدة الوحيد بعد خروج مستشفيات غزة عن العمل، ونزوح نحو 9 من كل 10 أشخاص، وتضرُّر أو تدمير نصف المباني على الأقل في غزة، وفقاً لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، وما ترتب عليه من نقص حاد في الأغذية والمياه والأدوية، خصوصاً مع تقييد وصول المساعدات الإنسانية.
وحذّر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من أن وقف تمويل أونروا، التابعة للأمم المتحدة، ستكون له "عواقب كارثية" على سكان قطاع غزة الذي دمرته الحرب.
وقال تيدروس في مؤتمر صحفي، تعقيباً على وقف التمويل، إنه "لا يوجد كيان آخر لديه القدرة على تقديم حجم ونطاق المساعدة التي يحتاج إليها 2.2 مليون شخص في غزة بشكل عاجل".
وأوضح توماس وايت، مدير شؤون أونروا في غزة ونائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في بيان صحفي، أنه "من الصعب تخيل نجاة سكان غزة من هذه الأزمة من دون أونروا".
85 مليار يورو لدعم أوكرانيا
يأتي وقف تمويل أونروا، التي تقدم الحماية والمساعدة والمناصرة لما يقرب من 6 ملايين لاجئ فلسطيني، كما أوضح الموقع الرسمي للوكالة، بالتزامن مع إجماع الاتحاد الأوروبي على تقديم مساعدات جديدة لدعم اقتصاد أوكرانيا جراء الحرب، بمبلغ 50 مليار يورو حتى نهاية عام 2027.
ووعدت المفوضية الأوروبية بتقديم 33 مليار يورو منها لنظام كييف في هيئة قروض ائتمان، و17 مليار يورو "على شكل منح مجانية".
وكتب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، عبر منصة "إكس"، أن "هذا الاتفاق يضمن تمويلاً مستقراً على المدى الطويل لأوكرانيا".
وبذلك تتجاوز قيمة المساعدات المالية والإنسانية والعسكرية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا أكثر من 85 مليار يورو، منذ بداية اندلاع الحرب الروسية، منها 28 مليار يورو مساعدات عسكرية، حسب تصريحات لرئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، خلال مؤتمر مع ممثل عن الاتحاد الأوروبي.
عقوبات على روسيا.. وتمويل لإسرائيل
تبدو اتهامات الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، بازدواجية المعايير جليَّةً في موقفها من روسيا وإسرائيل، خصوصاً فيما يتعلق بالدعم المادي.
ومنذ اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، نفّذ الغرب حزمة عقوبات واسعة لعزل روسيا عن النظام المالي العالمي، وتقليص تفوقها العسكري.
وفُرضت عقوبات على البنك المركزي الروسي، إذ جمدت الولايات المتحدة وأوروبا فعلياً أصول البنك الموجودة في الأراضي الأمريكية، لمنعه من استخدام احتياطياته الأجنبية لدعم الروبل الروسي.
ومُنعت بنوك روسية كثيرة من الانضمام إلى نظام سويفت (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك).
في المقابل، كشف رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، عن تشريع يقضي بتقديم مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل بقيمة 17.6 مليار دولار، في إطار حربها على حركة حماس.
وقال جونسون في رسالة إلى الأعضاء، إن "الحاجة لدعم أقرب حلفائنا وقواتنا في المنطقة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى". وسيُستخدم التمويل للمساعدة في تحديث أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، وشراء أنظمة أسلحة متقدمة إضافية وإنتاج المدفعية والذخائر الأخرى.
وأثار دعم الكونغرس إسرائيل حالةً من الجدل؛ إذ أعلن البيت الأبيض رفض الإدارة الأمريكية مشروع قانون مجلس النواب بشأن تقديم المساعدة لإسرائيل من دون مساعدات إضافية لأوكرانيا.
ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي يقوده الديمقراطيون، في 13 فبراير/شباط الحالي على مشروع قانون لتقديم مساعدات بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان.
وفي الوقت الذي تقدمت فيه الولايات المتحدة بإعلان وقف تمويل أونروا في غزة، بلغ حجم الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية في فبراير/شباط 2022 حتى سبتمبر/أيلول 2023، عشرات المليارات.
ووفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، قدمت الولايات المتحدة 43.2 مليار دولار من المساعدات الأمنية، و2.9 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، و20.5 مليار دولار من دعم الميزانية من خلال آليات البنك الدولي، منذ بداية الهجوم الروسي.
ازدواجية الغرب
يقول الدكتور طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، إن ازدواجية معايير المجتمع الدولي الغربي نابعة من الاهتمام بمصالحه فقط، فوجود النظام الدولي القائم على قواعد العدالة والإنصاف وتطبيق القواعد والضوابط بشكل عام ومجرد، هي "فكرة غير موجودة".
ويشير البرديسي في حديثه مع TRT عربي، إلى أن تطبيق هذا النظام أمر انتقائي، تتجه بوصلته إلى المصالح؛ حيثما تكون المصلحة يكون التوجه والسياسة.
ويوضح أن المجتمع الغربي يقدم الدعم لأوكرانيا لتحقيق مصالحه، للتضييق على الرئيس الروسي، في إطار مصالح استراتيجية وعسكرية وأمنية واقتصادية، تدفعه لدعم أوكرانيا ضد روسيا.
وبنفس النهج، يرى خبير العلاقات الدولية أن الولايات المتحدة هي حليف إسرائيل الأول، وداعمها الأكبر، ووقف تمويل أونروا ما هو إلا "قطع شريان الحياة عن الفلسطينيين في غزة".
ويضيف أن المجتمع الغربي لا يسعى لوقف إطلاق النار، بل يلجأ لتصريحات "جوفاء"، لكنّ السياسات على أرض الواقع دعم بالسلاح، وقطع مساعدات أونروا، وهو ما أظهر نفاقه في التعامل مع الحرب في كل من أوكرانيا وغزة.
من جهته، يقول الدكتور محمد اليمني، الخبير في العلاقات الدولية والاقتصادية، إن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي بلورت عنوان "الازدواجية الغربية".
ويضيف اليمني لـTRT عربي، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات وقطعت اتفاقيات وأوقفت مشروعات مع روسيا جرّاء حربها في أوكرانيا، وفي الوقت ذاته موّلت الاحتلال الإسرائيلي بمساعدات مالية وعسكرية، فضلاً عن صفقات الأسلحة.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة "لا تعرف الديمقراطية ولا الحرية ولا حقوق الإنسان، بمباركتها عملية الإبادة الجماعية في غزة، ومحاولة إلصاق تهمة عرقلة وصول المساعدات الإنسانية بمصر".
ومنذ الحرب الأوكرانية-الروسية، وفق اليمني، كان هناك رد فعل صريح ضد روسيا، ودعم لأوكرانيا، في حين تشارك الولايات المتحدة إسرائيل في حربها على غزة، إذ "أرسلت مستشارين وخبراء وقوات دلتا الخاصة بمكافحة العمليات الإرهابية، بالإضافة لدعمها جيش الاحتلال وتزويده بالأسلحة".
ويوضح خبير العلاقات الدولية والاقتصادية أن مقارنات تعامل الغرب مع حربي أوكرانيا وغزة، فضحت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والدول الغربية التي تدعم إسرائيل وأوكرانيا في آن واحد.
















