الحياة المحاصرة.. البوابات العسكرية الإسرائيلية والحواجز الطيّارة في القنيطرة
سوريا الجديدة
5 دقيقة قراءة
الحياة المحاصرة.. البوابات العسكرية الإسرائيلية والحواجز الطيّارة في القنيطرةمنذ انهيار نظام الأسد أواخر 2024، سيطر الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة العازلة في القنيطرة، وأقام تسع قواعد وبوابات صفراء وسواتر ترابية حول القرى، محولاً المحافظة إلى كانتونات معزولة تخنق حياة سكانها.
القنيطرة السورية.. بين بوابات وحواجز إسرائيلية / Reuters
منذ 3 ساعات

للوهلة الأولى قد يُظن أن الحديث عن "البوابات" أو "الحواجز" أو "السواتر" الإسرائيلية يرتبط حصراً بالضفة الغربية المحتلة وما تشهده من قيود عسكرية على حركة الفلسطينيين، لكن المشهد تجاوز حدود فلسطين ليُلقي بظلاله الثقيلة على القنيطرة السورية.

فمنذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وما تلاه من إعلان صريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي عن انهيار اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974، وأوامر لجيشه بالسيطرة على المنطقة العازلة، شنت قوات الاحتلال عملية تمدد عسكري داخل المنطقة العازلة، التي كان يُفترض أن تكون منزوعة السلاح تحت إشراف قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF).

خريطة العزل الجديدة: مناطق الحظر والإغلاق

لم تكتفِ قوات الاحتلال بالسيطرة الأمنية، بل سارعت إلى إنشاء ما لا يقل عن تسع نقاط عسكرية جديدة، بعضها أقيم في مقرات سابقة لجيش نظام الأسد وجرت السيطرة عليها وتدعيمها، والبعض الآخر شُيّد من الصفر على أراضٍ تعود ملكيتها لمواطنين سوريين.

استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية أدوات مادية واضحة لتثبيت هذا الواقع الجديد، منها البوابات الصفراء التي أصبحت رمزاً للعزل العسكري والحرمان من الوصول، إلى جانب السواتر الترابية الضخمة وأكوام الصخور.

هذه الأدوات عملت كقواطع أوصال، فصلت قرى القنيطرة بعضها عن بعض وحولت آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والمراعي إلى مناطق عسكرية مغلقة ومحظورة بشكل كامل.

على طول خط وقف إطلاق النار، الذي كان يُعرف بـ"خط ألفا" و"خط برافو"، تنتشر اليوم قواعد عسكرية إسرائيلية جديدة أقيمت منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

قرب تلك القواعد وُضعت بوابة صفراء، وهي بمثابة إعلان رسمي أن ما وراءها هو "منطقة عسكرية مغلقة"، يُمنع على أي مدني سوري الاقتراب منها تحت تهديد الاعتقال أو حتى الاستهداف المباشر.

في قرية جباثا الخشب بريف القنيطرة الشمالي، تحوّل ما لا يقل عن 700 هكتار من الأراضي إلى مناطق محظورة.

كانت البوابة الصفراء المنصوبة في حرش جباثا الخشب هي إشارة البدء بهذا العزل، إذ حُرم عشرات الأهالي بشكل مطلق من الوصول إلى حقولهم التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد. 

كذلك الأمر بالنسبة إلى باقي القواعد التي استُحدثت في قرية الحميدية وفي قرية حضر وقرية كودنة، تُنصب بوابة على مقربة من القاعدة مقتطعة أجزاء إضافية من أراضي السكان.

طرقات مقطعة الأوصال.. شلّ للحركة المدنية

لم يقتصر الإغلاق على المناطق المحيطة بالقواعد مباشرة، بل توسع ليشمل عزل طرق حيوية ورئيسية تخدم قرى القنيطرة.

الطريق الذي يصل بين قرية الحميدية ومركز المحافظة مغلق بشكل دائم منذ بدء التوغل، ما يجبر السكان على سلوك طرق فرعية طويلة أو زراعية وعرة، غير صالحة للاستخدام في جميع الأحوال الجوية طوال العام.

وليس ببعيد عن مركز المحافظة، يُغلِق الاحتلال أيضاً مدخل مدينة القنيطرة المهدمة بسواتر ترابية عالية جداً، محولاً المدينة شبه الخالية من السكان، التي استحدث فيها قاعدة عسكرية بالقرب من المعبر مع الأراضي المحتلة، إلى ثكنة عسكرية كبيرة.

كما نصب بوابة أخرى ذات دلالة استراتيجية غرب قرية رسم الرواضي، التي يستطيع من خلال إغلاقها فصل قرى ريف القنيطرة الشمالي المحاذية لشريط فض الاشتباك عن قرى الريف الأوسط المحاذية للشريط، مما يقسم المحافظة جغرافياً إلى كانتونات معزولة.

حتى السدود المائية التي يعتمد عليها الأهالي في الزراعة لم تسلم من الإغلاق، فقد أصبحت جميع الطرق المؤدية إلى سد المنطرة بريف القنيطرة الأوسط غير سالكة بسبب أكوام الحجارة والتراب التي وضعها الاحتلال لمنع الوصول إليه.

وفي الجنوب، وتحديداً في قرية كودنة التي تربط الريف الأوسط بجنوب المحافظة، أُغلق الطريق الرئيسي المؤدي إلى قرية الأصبح جنوباً، ليتحوّل التنقل بين المنطقتين إلى طريق زراعي ضيق هو الوحيد المتاح حالياً.

طرقات محفوفة بالحواجز ونقاط التفتيش

ليست البوابات وحدها أو السواتر الترابية التي تفرض قيوداً عسكرية، بل هناك شكل يربك الحياة اليومية، ألا وهو نقاط التفتيش المؤقتة، أو ما يُعرف محلياً بـ"الحواجز الطيّارة". هذه الحواجز تُنصب بشكل شبه يومي من قِبل قوات الاحتلال في مواقع مختلفة.

فلا يكاد يمرّ يوم من دون أن تتوغل دوريات الاحتلال داخل المناطق القريبة من الشريط الفاصل أو خارج المنطقة العازلة، لتنصب حواجز في الطرق التي يسلكها الأهالي في أثناء ذهابهم إلى أعمالهم أو مدارسهم.

 تحدث هذه العمليات عادة في ساعات الصباح الباكر، بالتزامن مع خروج الموظفين والطلاب من منازلهم متوجهين نحو مركز المحافظة، وغالباً ما تُعاد العملية في أوقات الظهيرة، عند عودة الناس إلى قراهم، ليجدوا أنفسهم مجدداً أمام نقاط تفتيش مفاجئة تُمارَس فيها إجراءات دقيقة ومهينة أحياناً.

تتضمن هذه الإجراءات تفتيش السيارات والمارة بدقة، والتدقيق في البطاقات الشخصية، وتصوير الأفراد دون إذن، وهو ما يُعَدّ انتهاكاً واضحاً لخصوصيتهم وحقوقهم المدنية. وفي بعض الحالات لا يقتصر الأمر على التفتيش فحسب، بل قد يتطور إلى اعتقالٍ مؤقت لأحد المارة دون أسباب واضحة، مما يزرع الخوف عند الأهالي ويجعلهم يتجنبون التنقل إلا للضرورة.

الحياة تحت العزل.. منطقة عازلة أصبحت أكثر عزلة

هذا الإغلاق الميداني والحواجز المنتشرة أثرت بشكل مباشر في حياة السكان اليومية، تنقلاتهم ومواردهم.

يقول عمر العيسى، وهو مزارع من أهالي قرية الأصبح، في حديث له مع TRT عربي: "إغلاق الطريق الرئيسي أثر فينا بشكل سلبي، مُنعنا من الوصول إلى آبار المياه الموجودة شمال القرية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأراضي الزراعية، ونواجه جفافاً قاسياً زاد الطين بلة، فلحقت الأضرار بالماشية والزرع على حد سواء، وهما باب رزقنا الوحيد في ريف القنيطرة".

ويضيف شادي العزام في حديثه مع TRT عربي، وهو أيضاً من قرية الأصبح: "الوصول إلى أراضينا لم يَعُد سهلاً والمسافة التي كانت كيلومترين تضاعفت إلى 4 كيلومترات على الأقل، والذهاب إلى مركز المحافظة حيث توجد الدوائر الحكومية والمشافي والجامعات أصبح عبئاً كبيراً علينا".

أما في قرية الحميدية، فتروي أم عماد جزءاً من معاناتها هي وعائلتها، فتقول: "سيراً على الأقدام أصبحنا نذهب إلى أعمالنا، وسائل النقل التقليدية لم تَعُد تصل إلى مساكننا بسبب قطع الطريق، وعلى مستوى الخدمات لا تستطيع ورشات الإصلاحات الوصول بسهولة إلى أماكن الأعطال التي تتسبب بها آليات الاحتلال بشكل متكرر من تخريب لأنابيب المياه وقطع لتمديدات الكهرباء".

ما يجري اليوم في القنيطرة يتجاوز البعد العسكري إلى واقع يومي ثقيل يعيشه الأهالي بين الحواجز والبوابات. البنى العسكرية الجديدة التي أقامها الاحتلال خلال الأشهر الماضية غيّرت وجه المحافظة الجغرافي، وكانت نتيجتها المباشرة خنق الحياة المدنية في منطقة تعيش واقعاً لا استقرار فيه، ومستقبلاً لا وضوح له.

فلا عودة إلى الأراضي المحظورة، ولا طرق مفتوحة بشكل طبيعي، والمنطقة العازلة تبدو كأنها بمعناها القاسي أرض بلا حركة، وسكان بلا صوت.

 

مصدر:TRT Arabi
اكتشف
الاحتلال يتوغل في القنيطرة السورية ويقيم حاجزاً أمنياً
قوات الأمن السورية تكتشف سجناً سرياً بحمص استخدمه نظام الأسد للتعذيب
وزير الخارجية السوري: زيارة مرتقبة إلى الصين مطلع نوفمبر لتعزيز التعاون وإعادة الإعمار
فيدان: يجب إنهاء الحرب في أوكرانيا ونتطلع إلى تحقيق الأمن والتنمية في سوريا
دمشق وواشنطن تناقشان فتح آفاق جديدة للاستثمارات الأمريكية في السوق السورية
وزيرا خارجية تركيا وسوريا يجريان اتصالاً هاتفياً لمتابعة نتائج الاجتماع الأمني الأخير في أنقرة
وفد عسكري تركي يلتقي وزير الدفاع السوري في دمشق لتعزيز التعاون الأمني
أبرز تجار المخدرات.. السلطات السورية تلقي القبض على ابن عم بشار الأسد بعملية أمنية في القرداحة
قتلى في تفجير يستهدف حافلة عمال النفط شرقي سوريا
الشرع يؤكد احترامه للاتفاقيات مع روسيا.. وبوتين: علاقتنا قوية مع سوريا منذ 80 عاماً
الشرع في أول زيارة رسمية إلى موسكو.. وبوتين يؤكد: مصالح الشعب السوري هي التي تحركنا دائماً
الرئيس السوري يتوجه إلى روسيا اليوم الأربعاء
لتسليم السجناء والمطلوبين.. سوريا ولبنان يحرزان تقدماً بشأن اتفاقية تعاون قضائي مشترك
الشرع يؤكد التزام سوريا المسار القانوني لمحاسبة الأسد من دون صدام مع روسيا
فيدان يتحدث عن الاجتماع مع مسؤولين سوريين في أنقرة ويؤكد تواصل الاتصالات المكثفة
تركيا وسوريا تبحثان التعاون الأمني في اجتماع رفيع بأنقرة