مسلمون يؤدون صلاة الجمعة في فرنسا (Jean-Francois Monier/AFP)
تابعنا

في اجتماع حضره أزيد من 200 إمام ومدير مسجد في فرنسا، صباح الأحد، أعلن مسجد باريس الكبير وثلاثة اتحادات إسلامية فرنسية تأسيس مجلس وطني للأئمة. في خطوة تأتي استجابة لما سطَّرته حكومة الرئيس ماكرون سابقاً في قانونها لما أسمته "محاربة الانعزالية الإسلامية"، وبهدف بسط الجمهورية يدها على أماكن العبادة الإسلامية.

بالمقابل، نددت الهيئة المنظّمة للعبادة الإسلامية في البلاد (المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية)، بهذه المبادرة، وهي التي تعتزم بدورها إنشاء مجلس للأئمة. فيما يكشف انقساماً وصدمات وقعت في أوساط الجالية المسلمة إثر هذا الأمر، يحمل مراقبون مسؤوليتها للقانون المذكور.

مجلس واحد وصدامات

أثناء اجتماع يوم الأحد، الذي ترأسه عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ، وصفه هذا الأخير قائلاً: "اليوم يوم تاريخي". مضيفاً أنّ "هذه اللحظة تُثبت مسؤوليتنا أمام مسلمي فرنسا وأمام جميع مواطنينا"، ومذكّراً بأن هذه الخطوة تأتي تحت طلب الرئيس ماكرون الذي دعا لتأسيس "مجلس وطني للأئمة" خريف عام 2020.

فيما سيكلّف هذا المجلس الذي أُنشئ بـ"منح اعتمادات" للأئمة النشطين في فرنسا، في جزء من إعادة هيكلة واسعة النطاق لمؤسسات الديانة الثانية في البلاد، دعت إليها السلطات الفرنسية. وشارك في اجتماع تأسيسه كلٌّ مِن مسجد باريس الكبير و"مجمع المسلمين في فرنسا" و"اتحاد مسلمي فرنسا" و"الاتحاد الفرنسي للجمعيات الإسلامية من إفريقيا وجزر القمر وجزر الأنتيل". حيث صوّت رؤساء الهيئات الأربع والأئمة على نظامه الأساسي وانتخبوا بالإجماع الإمام با أمادو رئيساً له.

خطوة أكدت الانقسام القائم بين مسجد باريس و"المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، الهيئة المنظمة للعبادة الإسلامية بفرنسا. إذ ردّت الأخيرة على لسان رئيسها، محمد موسوي، الذي اعتبر ما حدث "سطواً على العمل المُنجز برعاية المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية". مضيفاً أن هيأته تحتفظ "بالحقّ في استعمال كلّ الوسائل القانونية لوضع حد لهذا الموقف غير المسؤول"، وهي التي كانت قد أعلنت سابقاً إنشاء "مجلس وطني للأئمة" في 12 ديسمبر/كانون الأول القادم.

ماكرون يؤجج "حرباً بين الأشقاء"!

تطرّقت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إلى ما أسمته "الأزمة الجديدة للإسلام بفرنسا" عقب الشقاق الحاصل بين الاتحادات الممثلة لمسلمي البلاد حول تأسيس "المجلس الوطني للأئمة". مُرجعة ذلك بالأساس إلى النقاشات حول قانون ماكرون لمحاربة "الانعزالية الإسلامية" وما فرضه على "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" بصياغة "ميثاق جمهوري" للأئمة يكون شرطًا لممارستها في فرنسا. هذا الأخير الذي لم يحظَ مقترحه بإجماع الهيئات الممثلة لمسلمي البلاد.

ودفع ماكرون بإنشاء هذا المجلس من أجل ضبط مسألة انتداب الأئمة وتدريبهم، وتحديد مدى توافق كلّ ذلك مع "قيم الجمهورية الفرنسية"، وذلك بهدف إنهاء "التدخّل الأجنبي في شؤون البلاد عن طريق الأئمة" بحسب زعمه.

ويوجد بحسب أرقام "لوفيغارو" نحو ألفي إمام لـ2500 مكان عبادة إسلامي في فرنسا، 300 منهم يُدفع أجرهم بموجب اتفاقيات ثنائية مع بلدان أخرى، وهم: 150 تركياً، و 120 جزائرياً، و 30 مغربياً.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اجتمع ماكرون برؤساء الهيئات الممثلة للجالية المسلمة في البلاد، من أجل الضغط عليهم لتقديم "ميثاق قيم الجمهورية" يُحدد أنّ الإسلام في فرنسا هو دين وليس حركة سياسية، وأن ينصّ على إنهاء التدخل أو الانتماء لدول أجنبية. مهدداً إياهم بأنه "في حال لم يوقّع البعض على هذا الميثاق، فسنستخلص النتائج"، مشدداً على أنه "يعلم أنّ عدداً منهم لديه مواقف غامضة من هذه الموضوعات" لذا عليهم "الخروج من هذا الالتباس".

حيث رأى مراقبون وقتها أنّ تحرّكات الرئيس الفرنسي أتت في وقت يعيش فيه مسلمو البلاد حالة من الرعب والشعور بالاستهداف والإهانة، بعد أن صار أعلى هرم الدولة يستهدفهم بشكل مباشر، مستغلاً مشروعه الفضفاض الذي يريد مواجهة "الانعزالية أو الانفصالية الإسلامية" به، على حدّ تعبيره، غير أنّ معاناتهم تسبق ذلك بكثير، وتأخذ أبعاداً مختلفة تتأرجح بين الاجتماعي والاقتصادي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً