تابعنا
لم تحمل القصص الكلاسيكية المعروفة التي رافقت الكثيرين خلال طفولتهم وظائفَ الإمتاع والإدهاش فقط، بل أيضاً رؤى معيّنة للحياة، كليشيهاتٍ وصوراً نمطية بعيدةً كلّ البعد عن الواقع.

رافقت الحكايات والقصص البشر منذ الأزل، وشعر الإنسان منذ بدء الخليقة بالحاجة إلى الحكي لخلق عوالم موازية لواقعه، فأبدع احتمالاتٍ عديدة للوجود.

عوالم كانت في الكثير من الأحيان بعيدةً كلّ البُعد عن الواقع، حيث الحيوانات يمكنها أن تتكلّم وتكون مثل البشر طيبةً أو شرّيرةً أو ماكرة، وحيث الفتيات الفقيراتُ يستطعن أن يتحوّلن فجأةً إلى أميرات بمجرّد ما يُسقِطن أحذيتهنّ في أدراج قصور الأمراء الفخمة، وحيثُ يمكنُ للإنسان أن يركب غيمةً، وتنبُتَ له أجنحة، وحيثُ ينتصر الخير على الشرّ دائماً، ويعيش الجميع في سعادة في النهاية.

وصاحبت القصصُ المختلفةُ الأطفالَ منذ طفولتهم الأولى، بدءاً بحكايات الجدّات الجذابة في ليالي الشتاء الباردة، مروراً بقصص الرسوم المتحرّكة التي يلهثون لمتابعتها كلّ يوم بعد المدرسة، ووصولاً إلى القصص المكتوبة المرفقة برسومٍ وصفية لما يحدث داخل كلّ قصة.

لكنّ القصص الخيالية التي استمتع بها الأطفال لم تكنْ تحمل في طياتها وظائف الإدهاش وبثّ الأمل في النفوس فقط، بل تمنحهم رؤىً معيّنة للعالم والأشياء. رؤىً مبنية على كليشيهات وصورٍ نمطية وأفكارٍ بعيدة كلّ البعد عن الواقع الإنساني.

كليشيه النهايات السعيدة

صحيحٌ أن فكرة انتصار الخير على الشرّ فكرةٌ جذابة وباعثة على الأمل، لكنّها غير واقعيةٍ بالمرّة، وليست دائماً حقيقية. السعادةُ أيضاً ليست في الواقع نهاية القصّة، كما تقدّم لنا ذلك قصص الأطفال الخيالية، خاصةً منها القصص الكلاسيكية، مثل قصّة ساندريلا والمصباح السحري وبيضاء الثلج والجميلة والوحش...

في هذا السياق، كتبت جايني ديفيز، كاتبة أمريكية، مقالاً في موقع learning mind تحدّثت فيه عن أصول قصص الأطفال الكلاسيكية، مفاده أن كثيراً من هذه الحكايات مستمدّة من أحداث واقعية، لكنها لم تحصل بالطريقة نفسِها التي تقدّمها لنا كُتب ورسوم الأطفال.

فحكاية الساندريلا مثلاً مستمدّةٌ من قصة واقعية لفتاة جميلة في اليونان القديمة تزوّجها أحد الملوك، لكنّه استعبدها وأساء معاملتها، فعاشت معذّبةً ما تبقى من حياتِها.

قد تُرسّخ قصص مثل الساندريلا أفكاراً مغلوطةً لدى الأطفال حول العالم والأشياء من حولهم، وحول معاني السعادة والنجاح. صحيحٌ أنها آسرةٌ للخيال، لكنّ طابعها المعجزاتي يجعلها لا تؤدي وظيفتها في التنشئة السليمة.

هل الأحلام تتحقق بمعجزة مارد؟

من منا لا يعرف قصة "علاء الدين والمصباح السحري" القصة الشرقية الخيالية التي استمِدّت من رائعة "ألف ليلة وليلة"؟

قصّةٌ تتميّز فعلاً بخيالٍ واسع وحبكةٍ متينة وعجائبية رائعة، لكنّ نجاح الشاب الفقير علاء الدين لم يأتِ بفضل مجهوده الشخصي، بل بفضل المارد الذي يخرج من المصباح السحري ويحقق له أمنيته في الزواج من بنت الملك بدر البدور.

وهل يُمكن اعتبار الزواج من بنت الملك نجاحاً؟

تقول دراساتٌ عديدة في علم النفس التربوي إن القصص تساهم في تنشئة الأطفال إلى حدٍّ كبير، لذلك ظهرت مؤخراً قصص جديدة لتقوم بهذا الدور عوضاً عن الحكايات الكلاسيكية، ومن بينها قصّة "عزيزي الولد" لصاحبتها باريس روزنثال، التي توصل، بشكل ساحر، فكرةَ أن أي طفلٍ هو مذهل كما هو، كيفما كان دوره في هذه الحياة، سواء كان نجماً أو فقط ولداً فقيراً يقدّم يدَ العون للآخرين.

تقول الكاتبة في بداية الكتاب:

"عزيزي الولد،

كن طيباً، ثق بالسحر دائماً، واستمرّ في الحلم".

"عُقدة الساندريلا"

تعتقد العديد من الكاتبات والباحثات أنّ قصص الأطفال القديمة وقصص عالم ديزني تربّي الفتيات على عقلية معيّنة تطبّع مع الكسل والاتكالية وانتظار فارس الأحلام. إذ تدّعي بعضٌ من هذه القصص أن النجاح الوحيد الذي يمكن أن تفخر به الفتيات هو الزواج من رجلٍ له سلطة ومال ونفوذ.

ورغم أن قصصاً مثل الساندريلا قد تعلّم الأطفال قيم التسامح والعدل والأمل والشجاعة والسعي نحو الأفضل في الحياة، إلا أنها تقدّم أيضاً صورةَ المرأة الخانعة التي لا تتحرّك إلا حسب إرادة الأمير الذي سيتزوّج بها، ولا تقوم بأيّ شيءٍ لتغيير واقعها، بل تنتظر أن يأتي الأمير على حصانه لإنقاذها.

في هذا الإطار، أصدرت الكاتبة الأمريكية كوليت داولينغ سنة 1981 كتابها "عقدة الساندريلا" تحدّثت فيه عن خوف النساء من الاستقلالية، واعتبرتها رغبةً لاواعيةً لدى كثيرٍ من النساء في أن يتمّ إنقاذهنّ من طرف الآخرين.

وربطت داولينغ هذا الإحساس بالتنشئة التي تحصل عليها الفتيات خلال حياتهنّ، وبالأخصّ في مرحلة الطفولة، حيثُ يتم شحنهنّ بقصصٍ على غرار الساندريلا، تكون فيها الفتاة جميلةً وجذّابة ومؤدّبة ومجتهدة، لكنّها تنتظر دائماً أن تأتي قوةٌ خارجية لنجدتها، وتكون هذه القوةُ في الغالب، ذكراً، على حدّ قول الكاتبة.

تكسير الصور النمطية

وقد سعى الكثير من كتّاب أدب الأطفال في العالم إلى تجاوز الأفكار التي تقدّمها قصص الأطفال الكلاسيكية، معتبرين أنها قد تشكّل خطراً على تنشئة أطفال بنفسياتٍ سليمة.

وفي هذا السياق، أصدِرت مؤخراً مجموعةٌ من القصص الجديدة التي تدعو إلى قيم الاجتهاد والمسؤولية والاعتماد على النفس، وتكسّر الصور النمطية التي يقدّمها عالم ديزني عن النجاح والسعادة.

تقوم هذه القصص على خلقِ عوالم جديدة في أذهان الأطفال أقرب إلى الواقع وإلى القيم المعاصرة، تحترم النساء وتنظر إليهنّ ككيانات مستقلّة مساوية للرجال. بالإضافة إلى ذلك، تسعى هذه الحكايات إلى تربية الأطفال على التساؤل والنقاش لمحاولة فهم العالم المحيط بهم.

أمينة ليلى، كاتبة قصص أطفال، أصدرت قصّتها "الممتلئة" عام 2019. وتحكي القصة عن فتاة مكتنزة الجسم، لكنها سعيدةٌ وذكية وصديقةٌ رائعة.

كان الهدف من سرد قصّةٍ كهذه هو كسر الصور النمطية عن الفتيات ممتلئات الأجساد، وأن هؤلاء يمكنهنّ أن يعشن حياةً سعيدة بالأجساد التي يملكن إذا هنّ تقبّلن أنفسهنّ.

بدوره، أصدر الكاتب الأمريكي جونا وينتر قصتها "حقّ ليليان في التصويت" عام 2015. ويحكي الكتاب قصة أمريكية سمراء تبلغ من العمر مائة سنة تقطع طريقاً وعِرةً للوصول إلى مقرّ الاقتراع، وطيلة الطريق تتذكر تاريخ أجدادها وصراعهم لانتزاع حقهم في التصويت. القصّةُ مشحونةٌ بالتحدّي والإصرار والشجاعة لانتزاع الحقوق.

تقدّم قصة الساندريلا صورةَ المرأةالخانعة التي لا تقوم بأيّشيءٍ لتغيير واقعها، بل تنتظر أن يأتي الأمير على حصانه لإنقاذها (Getty Images)
سعى الكثير من كتّاب أدب الأطفال في العالم إلى تجاوز الأفكار التيتقدّمها قصص الأطفال الكلاسيكية (Getty Images)
صحيحٌ أن قصصا مثل بياض الثلج آسرةٌ للخيال،لكنّ طابعها المعجزاتي يجعلها لا تؤدي وظيفتها في التنشئة السليمة (Getty Images)
حكاية الساندريلا مستمدّةٌ من قصة واقعية لفتاة جميلة في اليونانالقديمة تزوّجها أحد الملوك، لكنّه استعبدها وأساء معاملتها، فعاشت معذّبةً (Getty Images)
قصّةٌ علاء الدين تتميز بخيالٍ واسع وحبكةٍ متينة وعجائبية رائعة، لكنّ نجاح الشاب الفقير علاء الدين لم يأتِ بفضل مجهوده الشخصي، بل بفضل المارد (Getty Images)
TRT عربي