تابعنا
مع تزايد الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والتقني والتكنولوجي، أصبحت تركيا ضمن قائمة الدول العشر الأولى المفضلة للطلاب الدوليين على مستوى العالم، وتتصدر القائمة أوروبياً باعتبارها أول دولة من حيث عدد الطلاب الجامعيين.

أصبحت تركيا في العقد الأخير من الزمن الخيار الأنسب والوجهة الرئيسية المفضلة لعديد من الطلاب من مختلف دول العالم، الذين يسعون لاستكمال دراستهم الجامعية والعليا بعد مرحلة الثانوية، في مختلف التخصصات والمسالك الدراسية، في الجامعات الحكومية أو الخاصة.

وحتى عام 2015، لم يكن عدد الطلاب الأجانب في الجمهورية التركية يتجاوز 40 ألفاً، إلا أنه بفضل وضع هدف تحسين جودة التعليم التركي والارتقاء به، ورفع الميزانية المخصصة للجامعات بشكل كبير، وكذا الاستثمار الواسع في قطاعَي الثقافة والتعليم، ارتفع إجمالي عدد الطلاب الأجانب إلى نحو 301 ألف طالب في عام 2023، وفقاً للإحصائيات الأخيرة.

وحسب كثيرين، يكمن أحد أهم الأسباب الكامنة وراء تحول تركيا إلى نقطة جذب للراغبين في استكمال دراستهم الجامعية في حجم التقدم الهائل والتطور السريع الذي حققته البلاد في النواحي العلمية والثقافية والاقتصادية والسياحية والطبية كافة، خلال العقدَين الأخيرَين.

ومع تزايد الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والتقني والتكنولوجي، أصبحت تركيا ضمن قائمة الدول العشر الأولى المفضلة للطلاب الدوليين على مستوى العالم، وتتصدر القائمة أوروبياً باعتبارها أول دولة من حيث عدد الطلاب الجامعيين.

وفي صدارة قائمة الطلاب الأجانب في تركيا يأتي الطلاب العرب الذين يشكلون غالبية الطلبة الذين يسعون للدراسة في الجامعات والمعاهد التركية الحكومية والخاصة، بعدهم يأتي الطلاب من دول البلقان، وبنسب متفاوتة يليهم طلاب من مختلف الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية.

تجربة دراسية لا مثيل لها

قبل ست سنوات، قررت ندرت أحمدي، البالغة من العمر 25 عاماً، ألبانية الجنسية وصربية الأصل، متابعة دراستها بدرجة البكالوريوس في تركيا، بعد دراستها للغة التركية لمدة سنتين متتاليتين في بلدها الأصلي، انضمت إلى إحدى أعرق وأرقى الجامعات التركية، جامعة إسطنبول، ودرست تخصص الدراسات الإسلامية، وتعزو ندرت اختيارها لتركيا إلى عوامل متعددة، إذ يتداخل الجانب الثقافي والديني مع الجوانب الأكاديمية والمهنية في اختيارها.

وتقول ندرت لـTRT عربي، إنه بعد إكمالها المرحلة الثانوية في ألبانيا، قررت دون أي تردد أو مخاوف التقدم لمنحة الحكومة التركية التي تقدمها الجمهورية التركية سنوياً للطلبة الأجانب المتفوقين دراسياً.

وعن الدافع الأساسي وراء إقدامها على هذه الخطوة، تضيف: "كوني طالبة قادمة من دول البلقان، أجد أن ثقافتي الأم قريبة جداً من الثقافة التركية، كما أن لدينا نقاطاً مشتركة عديدة، في مقدمتها الدين الإسلامي".

وتشير ندرت إلى أنه "على مر التاريخ، فتح الأتراك الأبواب لهم بترحيب كبير ودعموهم بشكل لافت، فاختيارها لتركيا كان عن قناعة تامة، ولم تندم قط على اختيارها لأنها بلد به جميع المقومات التي تؤهله لأن يكون رائداً في مجال التعليم عالمياً".

وتلفت إلى أنه جانب إكمالها مرحلة البكالوريوس، قررت متابعة دراسة الماجستير في إسطنبول لأن تركيا قدمت لهم كل ما يمكن أن يحتاجوا إليه باعتبارهم طلبة دوليين، بدءاً من تعليم أكاديمي ذي جودة عالية، وصولاً إلى رعاية طبية ممتازة، وتسهيلات اقتصادية متنوعة، وبيئة ثقافية غنية وملائمة.

وتردف: دائماً أشعر بأن تركيا هي أقرب وجهة لهويتي وثقافتي بالمقارنة مع الدول الأخرى، إحساسي بالانتماء والترحيب والحب والتآزر جعل تجربتي الدراسية استثنائية، فأنا ممتنة لتركيا على الاستقبال الرائع، والاهتمام الدائم، والرعاية المستفيضة على مر السنوات الست الماضية.

بيئة ثقافية متنوعة

يعتبر الموقع الجغرافي الإستراتيجي لتركيا جسراً قوياً يربط بين الشرق والغرب، وبفضل ميزاته غير المحدودة، يتمكن الطلاب الدوليون من الاستمتاع بتجربة دراسية غنية في بيئة تتسم بالتنوع الثقافي والتقاليد المتنوعة والتجارب الاجتماعية الفريدة.

وتعتبر البيئة الثقافية في تركيا خصبة للحياة المعيشية، إذ يتميز البلد بالتنوع الثقافي والحضاري بالإضافة إلى التنوع العرقي فيه، ويدفع هذا التنوع الطلاب الأجانب إلى الاستفادة من تجارب غنية، مما يسهم في تحسين شخصياتهم وتطوير قدراتهم، كما يتيح لهم ذلك اكتساب مهارات مرنة، مثل القدرة على التواصل الفعال مع أفراد من خلفيات ثقافية متنوعة، وكذلك القدرة على التأقلم والتكيف مع بيئات متعددة الثقافات بسهولة أكبر.

ويُعد الطالب البنغلاديشي شاكيل رجا افتي، واحداً من الأشخاص الذين انبهروا بشدة بالبيئة الثقافية التركية المتنوعة، ويتحدث عن أهم الدوافع التي جعلته يختار متابعة دراسته الجامعية في جمهورية تركيا بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، ويقول: "بعد أن حصلت على منحة دراسية من أمريكا، رفضتها واخترت القدوم إلى تركيا، وبالتحديد إلى إسطنبول، لأنها مدينة ذات تاريخ عريق وتحمل بعداً ثقافياً رمزياً. لحظتها، قررت دراسة العلوم الاجتماعية، لأن هذا التخصص يعنى التعامل بشكل رئيسي مع الإنسان ومع حمولاته الثقافية المتنوعة".

ويبيّن شاكيل في حديثه مع TRT عربي، أن "موقع مدينة إسطنبول الجغرافي الاستراتيجي الذي يقع بين الشرق والغرب، ساعده على دراسة هذا التخصص الحيوي والغوص في تفاصيله".

ويشير إلى أن هذه البيئة الثقافية الغنية ساعدته أيضاً على تعلم لغة جديدة، اللغة التركية، واكتساب فهم أعمق لثقافة مختلفة عن الثقافة البنغلاديشية، ومكنته من بناء علاقات مع أناس من جميع أنحاء العالم.

ويتابع شاكيل: أعتبر نفسي محظوظاً للغاية، لأنني بفضل هذه البيئة الثقافية الغنية، اكتسبت التجربة التي مكنتني من أن أكون سفيراً لثقافتي وسط هذه الثقافات المختلفة.

تعليم جيد وكفاءات وازنة

خلال الأعوام العشرين الماضية، أولت تركيا مجال التعليم على مختلف مستوياته أهمية كبيرة، من خلال الاستراتيجية التي اتبعتها للارتقاء به ورفع جودته، وفي الوقت الحالي، في تركيا أكثر من 209 جامعات حكومية وخاصة، وتتوزع بين مختلف الولايات التركية، ويُصنَّف عديد من هذه الجامعات ضمن أفضل 1000 جامعة عالمية وأفضل 50 جامعة في القارة الأوروبية، مما يظهر مستواها التعليمي العالي، ووجود مراكز أبحاث كثيرة فيها ومختبرات تقنية متطورة وأجهزة تكنولوجية حديثة.

وتشارك الطالبة السودانية انتصار صالح، البالغة من العمر 32 عاماً، في سلك الدكتوراة في جامعة يلدز التقنية، تجربتها الشخصية معنا باعتبارها طالبة دولية استفادت من الفرص التعليمية والبحثية المميزة التي تقدمها تركيا في مختلف المجالات العلمية والتقنية.

وتقول الطالبة في تخصص علم الأحياء الجزيئية والوراثة أو ما يُعرف باللغة الإنجليزية (MOLECULAR BIOLOGY AND GENETICS)، إنه "يُلاحظ أن تركيا تولي البحث العلمي والابتكار اهتماماً كبيراً، وتنفق بسخاء على تطوير البنية التحتية وتوفير الإمكانيات اللازمة، ويوجد تنوع في مجالات البحوث العلمية، بدءاً من الطبية وصولاً إلى التكنولوجيا".

وتضيف انتصار لـTRT عربي، أنه على سبيل المثال، في مجال الأحياء الجزيئية والوراثة، يُنشر عديد من الأبحاث في المجلات العلمية المرموقة التي تحظى بمؤشرات تقييم عالية، كما يُجرى كثير من الأبحاث لفهم أسباب وعلاجات بعض الأمراض الخطيرة، وبطبيعة الحال تحظى هذه الأبحاث بدعم كبير من الدولة لأهميتها.

بدوره، يؤكد الشاب المصري عمر سمير، الذي يتابع دراسته في إطار برنامج الدكتوراه في جامعة إسطنبول، بتخصص العلوم السياسية، تميز الجامعات التركية وتوفرها على كوادر علمية ذات خبرة ثقيلة، إلى جانب الإمكانات اللوجيستية والتقنية الضخمة.

ويوضح سمير لـTRT عربي، أن "التعليم في تركيا يتميز بالبنية التحتية المتطورة، التي تتضمن مكتبات ضخمة ومعامل ومستشفيات حديثة، وهو ما يفتقده عديد من الأقران العرب، باستثناء بعض دول الخليج".

ويضيف الطالب المصري: "غياب بنية تحتية قوية وإمكانات جيدة في بلداننا يدفع الباحثين إلى الهجرة، وشخصياً شجعتني التجربة المتراكمة والإسهامات العلمية للجامعات التركية في اختيارها لمتابعة تعليمي الأكاديمي".

برامج تنافسية متنوعة وآفاق واعدة

منذ عام 2012، تنظم رئاسة شؤون أتراك المهجر والمجتمعات ذات القربى (YTB) واحداً من أكثر البرامج المجانية تنافسية في العالم، وهو برنامج "المنح التركية".

ويُطلَق هذا البرنامج في 10 يناير/كانون الثاني من كل عام، ويستمر حتى 20 فبراير/شباط، وتقدم هذه المنحة التي تُمولها الحكومة التركية، فرصة لآلاف الطلاب لاستكمال دراستهم في الجامعات التركية، وتشمل تغطية تكاليف دراسة اللغة التركية وباقي المستويات، والإقامة الجامعية، والتأمين الصحي للطلاب، بالإضافة إلى تذاكر السفر ذهاباً وإياباً من وإلى تركيا.

وعن مزايا المنحة الحكومية التركية، تتحدث وسام الكمالي، طالبة ماجستير في تخصص الهندسة المدنية، وهي إحدى المستفيدين من المنحة، وتقول: "أثرت المنحة إيجاباً في مسار دراستي، إذ سمحت لي بالتمتع بامتيازات عديدة، مثل المنحة المالية لتكاليف السكن والتأمين الصحي، وكذلك فحوصات طبية مجانية في المستشفيات الحكومية".

وتضيف الكمالي لـTRT عربي، أن مزايا المنحة تتضمن أيضاً بطاقة المواصلات بتكلفة منخفضة وزيارة المتاحف والأماكن الأثرية مجاناً، كما مكنتها هذه التجربة من تعلم لغة جديدة، وخوض تجارب فريدة، وبناء صداقات قوية.

كما تؤكد أيضاً الطالبة التونسية في جامعة مرمرة، سوار العياشي، فضل المنحة التركية على مسارها الأكاديمي، إذ تمكنت من الاستفادة من تبادل ثقافي، من خلال برنامج إيراسموس، في المجر.

وتقول العياشي لـTRT عربي: "قبولي في المنحة التركية كان لحظة تحول في حياتي، على الصعيدين الشخصي والأكاديمي، إذ جعلتني بفضل خصائصها الاستثنائية شابة نشيطة ومشاركة في مجموعة واسعة من الفعاليات والأنشطة الثقافية".

وتلفت إلى أن هذا الاشتراك الفعال والمكثف سمح لها بلقاء أفراد من مختلف أنحاء العالم، مما أسهم في بناء شبكة علاقات قوية وتحقيق أهداف كثيرة.

وحول آفاق المنحة، يؤكد الطالب السنغالي سيدنا عمر، الذي يدرس في شعبة الاقتصاد بجامعة جراح باشا في إسطنبول، أن التوظيف بعد التخرج من الجامعات التركية يكون مرناً وسهلاً للطلاب الدوليين.

ويبيّن في حديثه مع TRT عربي، أن هذه التسهيلات "تعود إلى إلمام خريجي المنحة التركية بالمهارات المطلوبة في سوق العمل التركية، التي تصقلها البرامج الأكاديمية للجامعات التركية".

وإلى جانب برنامج "المُنح التركية"، يوجد أيضاً برامج منح أخرى تقدمها مؤسسات وجمعيات تركية، مثل "منح مجلس التعليم العالي"، و"منحة يونس إيمره"، و"منح وقف الديانة التركي"، بالإضافة إلى المنح والخصومات على رسوم التسجيل السنوية التي تقدمها الجامعات الخاصة لطلبتها المتفوقين.

TRT عربي