خلافات متصاعدة بين مصر والإمارات على عدة ملفات (Reuters)
تابعنا

منذ فترة ليست ببعيدة، بدأت العلاقات المصرية-الإماراتية في الفتور، ونشب عديد من الخلافات بين البلدين على عدة ملفات متعلقة بالمنطقة والشرق الأوسط، كما برزت حالة من الاستياء لدى صنّاع القرار في مصر من مواقف الإمارات بسبب تجاهل الأخيرة مطالب مصر لمواقف صارمة ومؤيدة من حليفتها القربى في المنطقة.

وتزايد التوتر بين البلدين خلال الشهور الثمانية عشر الماضية، فمن القضية الفلسطينية إلى ليبيا وقيادة أبو ظبي مهمة تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل، ومن إثيوبيا والاتفاق الإسرائيلي-الإماراتي في ما يخصّ مرور خطّ غاز الخليج من إسرائيل إلى أوروبا، وما يرافق تلك الخطوة من تهديد لقناة السويس والاقتصاد المصري، تباعدت المصالح السياسة الخارجية للبلدين بشكل متزايد.

وأصبح فتور العلاقة بين البلدين واضحاً بقدر وضوح التعاون السابق بينهما في عديد من المواقف، إذ اتخذت القاهرة وأبو ظبي الموقف ذاته في ما يتعلق بعديد من الملفات، مثل ليبيا ومسألة الحد من نفوذ الإسلام السياسي.

وكان خطاب المرشح الرئاسي الأمريكي قبل أربع سنوات دونالد ترمب، المعادي للإسلاميين، سبباً للعودة إلى علاقات أوثق بين البلدين، بعد تعثُّر في السنوات التي سبقتها بسبب تردُّد القاهرة في تبنِّي مقترح الإمارات لإصلاح الاقتصاد المصري اعتماداً على خطة بطيئة وتدريجية لخفض قيمة العملة وإصلاح الدعم الحكومي.

ملف المساعدات المالية

وبعدما قدمت الإمارات الدعم المالي الكبير للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال السنوات التي أعقبت إطاحته بالرئيس الراحل محمد مرسي من حكم مصر، ومحاربة جماعة الإخوان المسلمين، يرى محللون أن سياسة أبو ظبي تغيرت تجاه القاهرة، ظناً منها أنها قدمت أكثر مما حصدت، ولم تجنِ ما يوازي حجم الإنفاق على مصر.

وقالت مصادر مطلعة لموقع "مدى مصر"، إن الإمارات اشترطت في وقت سابق عدم تقديم أي دعم مالي جديد للنظام المصري دون إشراف لجان متخصصة من جانبها على أوجه هذا الإنفاق، لضمان تحقيق أقصى استفادة منه، وقد أغضبت هذه الخطوة النظام المصري الذي وافق لاحقاً على الدعم الإماراتي المشروط بسبب حاجته.

وكان ملف المساعدات المالية أولى نقاط الخلاف بين البلدين، إذ أكدت الإمارات أنها لن تقدّم دعماً مالياً مطلقاً بعد ذلك، ولكن من الممكن أن تدفع باستثمارات تابعة لها، شريطة حصولها على امتيازات مناسبة، وفرص تنافسية أعلى مما قد تحصل عليه حال استثمار تلك الأموال في دول أخرى.

الإمارات وإثيوبيا..دعم من تحت الطاولة

وفي ملف آخر، نقل موقف الإمارات غير الواضح بشأن أزمة سد النهضة، وفتحها خطّ اتصال دائماً مع إثيوبيا، دون التفات إلى المطالبات المصرية المتكررة باستغلال تلك العلاقات في مساعدة القاهرة، ودعمها أديس أبابا مالياً أكثر من مرة، رسالة سلبية للغاية إلى صانع القرار المصري.

وفي الوقت الذي استمرت مصر في محاولاتها حل أزمة سد النهضة مع الجانب الإثيوبي، بخاصة بعد فشل عدة جولات من المفاوضات بسبب تعنُّت إثيوبيا، حاولت القاهرة استثمار علاقاتها الإقليمية والدولية للدفع في هذا الاتجاه، إلا أنها وجدت حليفتها الإمارات تنأى بنفسها عن الأزمة.

فبينما كانت مفاوضات السد برعاية أمريكية قد وصلت إلى طريق مسدود، كانت أبو ظبي تعتمد مع أديس أبابا خطة لتسهيل استثماراتها الزراعية بخاصة، بما يسمح بتوسع تلك الاستثمارات بشكل غير مسبوق في إثيوبيا، غير آبهة بالمعضلة المصرية.

واعتمد مجلس الأعمال الاستشاري الإماراتي-الإثيوبي بإشراف من السفارة الإماراتية في أديس أبابا، خلال اجتماع عُقد في العاصمة الإثيوبية، خطة استراتيجية متكاملة لتسهيل الاستثمارات الإماراتية بما يساعد على ضخّ مليارات الدولارات في السوق الإثيوبية.

وكانت إثيوبيا أعلنت في يونيو/حزيران 2018 التزام الإمارات ضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي، إذ ستوجه مليار دولار كوديعة في البنك المركزي، وملياري دولار كاستثمارات مباشرة تتركز في مجالات الزراعة، كما بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وإثيوبيا نحو 850 مليون دولار.

وحسب مصدر اقتصادي مصري لصحيفة العربي الجديد فإن الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا تضاعفت خلال العامين الماضيين، وتركزت في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني والطاقة، وهو ما تسبب في قلق مصري بسبب ارتباط تلك الاستثمارات بشكل وثيق بمشروع السدّ.

وأشارت تقارير إلى أن للإمارات استثمارات في أكثر من 90 مشروعاً، منها 33 مشروعاً عاملاً و23 مشروعاً قيد الإنجاز في قطاعات الزراعة والصناعة والعقارات وتأجير الآلات والإنشاءات وحفر الآبار والتعدين والصحة والفندقة، حسب بيانات هيئة الاستثمار الإثيوبي، فيما حصلت 36 شركة إماراتية على التراخيص اللازمة للعمل في إثيوبيا، وفق وسائل إعلام إماراتية.

وأفادت تقارير غربية بأن موقف أبو ظبي الداعم لأديس أبابا لا يتناسب مع طبيعة وعمق التحالف مع نظام السيسي الذي يحتّم الوقوف إلى جانب مصر، والسودان أيضاً الذي اقترب من الإمارات بعد الإطاحة بنظام عمر البشير.

الملف الليبي وتجاهل حفتر لمصر

وفي الشأن الليبي، وعلى الرغم من الدعم الإماراتي-المصري السخي للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، بدت مصر مستاءة من عدة أمور أدّت لاحقاً إلى خلاف، إن لم يظهر علناً فإنه بات أمراً واقعاً، من بينها تَهرُّب حفتر من المسؤولين المصريين في الوقت الذي استمرّ فيه يتشاور مباشرة مع مسؤولين إماراتيين، حسب ما قاله مسؤول دبلوماسي مصري لموقع "مدى مصر".

وأضاف المسؤول أن "مصر كانت مستاءة بشكل خاصّ من حفتر بشأن ما اعتبرته عدم التزام في التعاون السياسي والأمني بين ليبيا ومصر، وامتدّت الاختلافات في الاستراتيجية كذلك إلى موقف الإمارات من هذه القضية".

وفقًا لعديد من المسؤولين المصريين، ثبت أن ما قالته مصر كان صحيحاً في النهاية، إذ حدثت مبالغة في تقييم قدرة حفتر على السيطرة على طرابلس رغم دعم الإمارات ومصر وروسيا، مما دفع حكومة الوفاق الوطني إلى السعي للحصول على دعم خارجي من تركيا، حسب الموقع.

غاز الخليج لأوروبا عبر إسرائيل

من جانب آخر كشفت مصادر عربية ومصرية خاصة، ما وصفته بـ"خلافات عميقة" بين مصر والإمارات، بسبب مقترح إسرائيلي على أبو ظبي لبناء ممر برّي يربط بينها وبين دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، ويهدف إلى تقليل وقت نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من السعودية ودول الخليج إلى الغرب، حسب صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية المختصة بالشأن الاقتصادي.

وقالت المصادر إن داخل الدوائر المصرية المعنية حالة غضب شديدة، جرَّاء التصرفات الإماراتية والإسرائيلية، في الوقت الذي تبذل فيه القاهرة جهوداً كبيرة للتخديم على ملفات لصالح كل من أبو ظبي والاحتلال، إذ تهدّد تلك الخطوة مصير ومستقبل قناة السويس، التي تمثّل مدخلاً مهمّاً من مدخلات الاقتصاد المصري.

من هنا تظهر آثار المشروع السلبية على مصر، على الرغم من كونها حليفة استراتيجية للإمارات، وهو ما يمكن اعتباره طعنة من أبو ظبي في ظهر القاهرة، إذ يشكّل الأمر انحيازاً واضحاً إلى المصالح الإسرائيلية على حساب مصر، إذ سيتوقف مرور النفط عبر قناة السويس وسيوفّر سداد عبور السفن عبر القناة المصرية، ليمرّ عبر إسرائيل بدلاً منها، فتكسب الأخيرة عائد المشروع المالي.

ولطالما حلمت مصر بأن تكون بلداً مصدّراً للغاز إلى أوروبا، إذ سبق ووقّعت مع اليونان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لكن الأمر لن يستمر طويلاً، بخاصة بعد الاتفاقية التي وُقعت بين تركيا وليبيا، وعدم اعتراف تركيا بغيرها.

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اليوناني في القاهرة، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن "الاتفاق يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي مع اليونان، وجرى توقيعه بعد استيفاء كل جوانبه".

التطبيع وسحب البساط من تحت مصر

في شأن آخر زاد ملف تطبيع الإمارات رسمياً علاقاتها مع إسرائيل، وتحركها للضغط على دول عربية أخرى لتحذو حذوها دون إخطار السيسي بهذه الخطوة إلا قبل أيام قليلة، وفق دبلوماسيين مصريين، قلق النظام المصري من دور الإمارات المتنامي في المنطقة على حسابها، إذ تعتبر القاهرة أن أبو ظبي تحاول تقديم نفسها كقوة رائدة في تعزيز التطبيع مع إسرائيل، الأمر الذي يقلّل من دور مصر التاريخي كوسيط رئيسي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وعملية السلام.

وزاد تحرك الإمارات في ملف التطبيعتوتُّر العلاقات بين البلدين، بدليل امتناع مصر عن إرسال وزير خارجيتها لحضور توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في البيت الأبيض.

وفي سياق متصل يقول المحلل السياسي لصحيفة هآرتس الإسرائيلية تسفي بار إيل، إن "السلام بين الإمارات وإسرائيل من شأنه أن ينقل مركز الثقل من القاهرة إلى الخليج، وأن يساهم في تقليص نفوذ مصر وأهميتها، بخاصة في حال انضمام دول خليجية أخرى إلى قطار التطبيع".

ويرى المحلل السياسي أن الخشية في مصر هي أن يصبح محمد بن زايد الأقرب إلى الإسرائيليين والأمريكيين ويسحب البساط من تحت السيسي.

من جانبها تشير صحيفة معاريف الإسرائيلية في مقال تحت عنوان "مصر قد تفقد أسبقيتها حال تهافت دول خليجية أخرى إلى السلام"، إلى أنه مع توقيع الإمارات اتفاق تطبيع مع إسرائيل، فإن مصر قد تفقد الأسبقية في قضايا مختلفة، وسيزيد ذلك في حال انضمت دول عربية أخرى إلى هذا التطبيع.

وتقول: "قد تفقد مصر كثيراً من قدرتها على التأثير مقابل إسرائيل، إذ إن اللاعبين العرب الجدد سيتسابقون على من سيدعم الفلسطينيين، وقد ينتقل التأثير في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من مصر إلى الخليج في ظل الجمود الذي يعتري المشهد حالياً".

ويعزّز ذلك ما قاله السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة يستحاق ليفانون في مقال نشرته صحيفة معاريف، إذ أشار إلى أن حراك الإمارات في ما يتعلق بتطبيع الدول العربية وتقاربها مع إسرائيل ،من شأنه أن يؤدّي إلى ضعف مصر.

ويضيف: "مع انضمام دول عربية أخرى إلى التطبيع إلى جانب الإمارات، تفقد مصر محلها الريادي في إدارة العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية وقضايا أخرى بالشرق الأوسط".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً