#GLI70 : معارك معقل الحكومة اليمنية الأخير في شمال اليمن تهدد نازحين بهروب جديد (AFP)
تابعنا

وكانت البداية بالمبادرة الخليجية (تقدمت بها دول الخليج وبدعم دولي) واحتوت المبادرة على آلية مُزمَّنة لنقل السلطة حينها. وأصبحت مرجعية معترف بها للحل في اليمن.

وبموجبها تشكلت الدول الراعية للمبادرة، وتتكون من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول الخليج باستثناء قطر. وفي 26 مارس/آذار 2015 تشكل التحالف العربي العسكري لدعم الشرعية في اليمن. وضم دول الخليج عدا سلطنة عُمان، وانسحبت بعض الدول العربية والإسلامية منه لاحقاً.

ومنذ تدخل دول الخليج في الأزمة اليمنية تحت اسم التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية بقيادة الرئيس هادي المقيم في الرياض ضد التمرد الحوثي المدعوم إيرانياً، ومع مرور الوقت أثبتت الأحداث أن هذا التحالف بلا رؤية سياسية أو عسكرية واضحة تجاه الأحداث في اليمن، وأن تحركاته مربوطة بمصالحه ومصالح دولية أخرى.

اللجنة الرباعية

تم تشكيل الرباعية الدولية في 2016 وتألفت من أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات. وحسبما أُعلن حينها تعكف اللجنة على إيجاد تسوية للنزاع في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث، ولا تزال تضع المقترحات لكيفية حل الأزمة السياسية والاقتصادية في اليمن، ولكن دون نتائج تُذكر.

هذه التشكيلات الإقليمية والدولية وفرّت الغطاء السياسي والقانوني للدول المنخرطة في الصراع اليمني، ولكنها لم تقدم الحلول الجذرية للأزمة السياسية، مما جعل الوضع يتأرجح ويتضارب بين الأجندات الخارجية والمصالح الداخلية للشعب اليمني. والأدهى من ذلك أن الحكومة اليمنية لا توجد ضمن هذه التشكيلات بطريقة رسمية رغم أن بعض الدول المنخرطة في الصراع تقول إنّها جاءت لدعمها.

ويمكن فهم أبعاد هذه الأغطية القانونية والسياسية والعسكرية على أنّها تصب في صالح الدول المنخرطة في الصراع اليمني بشكل مباشر وغير مباشر، ولن تؤدي إلى وقف الحرب إلا بوجود تفاهم حقيقي بين هذه الدول وعلى رأسها إيران والسعودية.

الخسائر البشرية والمادية

كما أن مآلات هذه التدخلات لم تؤدِّ سوى إلى تعميق الأزمة السياسية، وبروز جماعات عنف مسلحة أخرى إلى جانب جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي تسيطرعلى صنعاء منذ سبع سنوات. وهذا يعني أن الجماعات المسلحة في اليمن تحولت إلى فواعل محلية بيد بعض القوى الإقليمية، وبالطبع مستفيدة من استمرار الحرب الراهنة التي أدت إلى مقتل 377 ألف شخص منذ استيلاء جماعة الحوثي على صنعاء في 21 سبتمبر\ أيلول 2014، وخسارة اقتصاد البلاد المقدرة بـ126 مليار دولار، بحسب تصريحات الأمم المتحدة.

الصراعات الهجينة

أصبحت الحرب في اليمن هجينة، ففي سياقها المحلي هناك حرب بين الحكومة اليمنية وبين جماعة الحوثي، التي تسعى لحكم البلاد بالقوة العسكرية ونظريات ثيوقراطية، وبعيداً عن الديمقراطية، وتوجد جماعة انفصالية (المجلس الانتقالي)، تسعى إلى فصل المناطق الجنوبية عن الشمالية، وجماعة طارق صالح، ومجموعات قبلية أخرى في المهرة. وعلى المستوى الإقليمي، صراع مباشر بين السعودية وبين إيران، وقد أعلنت الأخيرة وفاة سفيرها لدى الحوثيين متأثراً بفيروس كورونا، إلا أنّه لا يُستبعد أن يكون قتل بغارة جوية للتحالف العربي، خصوصاً وأنّه كان يشرف على سير المعارك ضد قوات الحكومة اليمنية في محافظة مأرب ومناطق أخرى.

هذه الصراعات الإقليمية على الجغرافيا السياسية اليمنية المعقدة جعلت الوصول إلى عملية سياسية شاملة غير وارد على المدى القريب، خصوصاً وأن الحوار الجاري الذي مر بأربع مراحل بين النظامين السعودي والإيراني في بغداد، ومؤخراً جرى الحوار الأمني بين البلدين في الأردن، ولم ينتج عن هذه الحوارات أي تفاهمات واقعية. وهذا يعني استمرار التصعيد العسكري في اليمن، ومن يدفع كلفته المواطن اليمني.

على سبيل المثال، مؤخراً، دفع الحوثيون بمساعدة من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني بعشرات الآلاف من أبناء القبائل لاقتحام مأرب، وقُتل خلال تلك المعارك من جانب الحوثيين 35 ألف، حسبما صرح به مسؤولون يمنيون لوكالة الأنباء الألمانية.

ويتضح أن الحروب الجيوسياسية في اليمن أصبحت من أعقد الصراعات، ولا يمكن حلها بسهولة، ما لم يوجد تقارب دولي وإقليمي لحل الخلافات العالقة، وهذا غير متوفر في الوقت الراهن. وأظهرت الصراعات الإقليمية رغبة هذه القوى في السيطرة على الممرات المائية والجزر اليمنية، لأهميتها الجيوسياسية من خلال الوجود العسكري والاستثماري وبطريقة غير قانونية، كما يحصل في سقطرى. وأفضت هذه التصرفات إلى تعقيد المشهد السياسي والعسكري، والوصول باليمن إلى مرحلة اللادولة. وأدت إلى تمكين الجماعات المسلحة من بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية من خلال السوق السوداء والتهريب.

ويمكن القول بأن اليمن والمنطقة برُمَّتها أمام مفترق طرق معقدة، فاستمرار الصراع والتدخلات الخارجية في الشؤون اليمنية تحت الأغطية القانونية الدولية الحالية أو عبر دعم الجماعات المسلحة بالسلاح والمال كما تفعل إيران والإمارات، سوف يجر الجميع إلى حرب إقليمية شاملة، قد لا نتنبأ متى سوف تنفجر، لكن كل مؤشراتها موجودة، وفي حال تفجّرت فلا أحد يمكن أن يتنبأ بنهايتها.

ويجب إدراك أن استمرار الصراع الهجين بهذا الشكل يضر بمصالح جيران اليمن وخاصة السعودية. ولذلك، من مصلحة الدول التي ترتبط مع اليمن بحدود جغرافية أن تغير من سياساتها، وليس الاستمرار في السياسة الحالية، لأن الاستمرار بهذا الشكل في الحرب لا يخدم سوى إيران. ولا يبدو أن للأخيرة رغبة سياسية لدى لإنهاء حرب اليمن، لأنّها تريد استنزاف خصمها الإقليمي المتمثل في السعودية.

وأيضاً، لتجنيب المنطقة الصراعات الإقليمية المباشرة، فإن خيار التسوية السياسية لا يزال مطروحاً. ولن يتم ذلك بدون وقف دعم الجماعات المسلحة، وقطع الإمدادات العسكرية التي تصل إلى الحوثيين والانفصاليين. والأربعاء الماضي، صادر الأسطول الخامس الأمريكي شحنة أسلحة في بحر العرب كانت في طريقها للحوثيين قادمة من إيران، حسبما نقلته الخارجية الأمريكية. وهذا تطور إيجابي. وفي حال ساعدت السعودية والمجتمع الدولي الحكومة اليمنية في تنفيذ هذه الاستراتيجية، أي مصادرة الأسلحة المهربة إلى المتمردين الحوثيين وغيرهم، فسوف يأتي الحوثيون والانفصاليون إلى طاولة الحوار.

ختاماً، أدت الصراعات الجيوسياسية والتدخلات الخارجية إلى خروج الوضع عن السيطرة، ودخول اليمن في صراعات سياسية وعسكرية هجينة ومتعددة الأطراف، وهذا يعني أن مآلات هذه التدخلات ما تزال غير واضحة ما لم يضع اليمنيون حداً لها من خلال البحث عن كيفية إنهاء التمرد المسلح في صنعاء وعدن بأي وسيلة، بما في ذلك تزويد الجيش الوطني بالأسلحة النوعية لإجبار الحوثيين على القبول بالتسوية، وتوحيد الجبهة الداخلية لتحقيق الهدف المتمثل بإنهاء التمرد الحوثي. ولن يتم ذلك إلا من خلال إعادة بوصلة التحالف إلى الهدف الذي جاء من أجله. وفي حال عدم تحقق ذلك يتم البحث عن حلفاء دوليين أو إقليميين، وتشكيل جبهة وطنية جديدة تحل محل المؤسسات القائمة، ومن ثم بالإمكان إخراج اليمن إلى بر الأمان.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً