وأوضحت المجلة أن الرئيس التايواني لاي تشينغ دي أرسل خلال الأسابيع الأخيرة مبعوثاً سرياً برتبة نائب وزير إلى إسرائيل، في الوقت ذاته استقبلت تايبيه وفداً برلمانياً من الكنيست الإسرائيلي في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، فيما يواصل خبراء التسليح التايوانيون دراسة خيارات نقل التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة في مجال الدفاع الصاروخي.
وبحسب التقرير، فإن أنظمة الدفاع الصاروخي الجديدة في تايوان تحمل بصمة هندسية إسرائيلية واضحة.
وتشمل المنظومة الجديدة صاروخ “تشيانغ كونغ” أرض-جو، المعروف أيضاً باسم “القوس القوي” أو “تيين كونغ 4” (TK-4)، إلى جانب رادار المصفوفة الممسوحة إلكترونياً بنشاط (AESA) الذي كُشف عنه مؤخراً في معرض تايبيه للدفاع والتكنولوجيا الجوية.
وتُظهِر تصاميم هذه الأنظمة تشابهاً لافتاً مع منظومة "آرو-2" الإسرائيلية ورادار "غرين باين" المستخدم ضمنها.
وأضافت المجلة أن الرئيس لاي أعلن في خطابه بمناسبة العيد الوطني التايواني عن تطوير نظام دفاعي متعدد الطبقات تحت اسم “تي-دوم” (T-Dome)، على غرار منظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية.
يُذكر أن منظومة "آرو-2" نفسها هي ثمرة تعاون بين الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) وشركة "بوينغ" الأمريكية، التي تربطها بالفعل شراكات تقنية مع تايبيه.
وأشارت المجلة إلى أن تايوان تعمل على دمج منظومة “تشيانغ كونغ” ضمن بنيتها الدفاعية إلى جانب بطاريات “باتريوت” والنماذج الأقدم من “تيين كونغ-3”، على أن تدخل الخدمة رسمياً في عام 2026. ويبلغ مدى الصاروخ الاعتراضي الجديد أكثر من 70 كيلومتراً، وقد أُجريت له اختبارات ناجحة في الربيع الماضي.
كما تخطط وزارة الدفاع التايوانية لإنتاج نسخة مطوّرة (“تشيانغ كونغ-2”) بمدى يصل إلى 100 كيلومتر، إذ طلبت بالفعل تصنيع 122 بطارية من النظام لدى المعهد الوطني تشونغشان للعلوم والتكنولوجيا (NCIST)، وهو نظير وكالة “داربا” الأمريكية في مجال البحث والتطوير العسكري.
تايوان وإسرائيل
وتشير مجلة "إنتلجنس أونلاين" إلى أنه رغم التشابهات الواضحة بين المنظومات الدفاعية في تايوان وإسرائيل، لم يُعلَن رسمياً عن أي تعاون عسكري مباشر بين الجانبين.
ويقول مور سوبول، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تامكانغ التايوانية والمتخصص في العلاقات التايوانية–الإسرائيلية، للمجلة: "المسؤولون الإسرائيليون لن يصرّحوا بشيءٍ رسمي حول ذلك، لكن من المرجّح أن يكون بين الشركات تعاون”.
وتضيف المجلة أن مراقبين عسكريين لاحظوا منذ عام 2023 تشابهاً لافتاً بين المسيّرة الانتحارية التايوانية “تشيين شيانغ” ونظيرتها الإسرائيلية “هاروب” التي تنتجها شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI)، ما يعزز فرضية وجود قنوات تعاون تقني غير معلنة بين الطرفين.
ورغم ذلك، ترى المجلة أن التعاون الرسمي لا يزال مستبعداً بسبب الحساسية الاقتصادية والتكنولوجية التي تحكم العلاقات بين إسرائيل والصين.
فقد وقفت تل أبيب مبيعاتها العسكرية للجيش التايواني في نهاية القرن الماضي، بعدما كانت قد زوّدته في سبعينيات القرن العشرين بتكنولوجيا الصواريخ المضادة للسفن، التي انبثق منها لاحقاً طراز “هسيونغ فنغ-1” المشتق من الصاروخ الإسرائيلي “غابرييل Mk II”.
لكن التطورات الأخيرة، كما تذكر المجلة، ولا سيما موقف الصين من حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة، إلى جانب تعاونها الدفاعي المتنامي مع إيران، دفعت تل أبيب إلى تجاوز تحفظاتها السابقة والاقتراب أكثر من تايبيه، بل وتوجيه انتقاداتٍ علنية لبكين.
وقد خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً عن نهجه الدبلوماسي الحذر، متهماً الصين، إلى جانب قطر، بـ"فرض حصار سياسي" على إسرائيل وقيادة "حملة تضليل" ضدها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال خلال لقائه وفداً أمريكياً في 15 سبتمبر/أيلول: "إنهم ينظمون هجوماً على إسرائيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الغرب والولايات المتحدة، وسنردّ عليهم بأساليبنا الخاصة”.
وبعد ثلاثة أيام فقط من هذا التصريح، حظي وفد من الكنيست الإسرائيلي باستقبال رسمي لافت في تايبيه، فيما شهدت الشركات الإسرائيلية عودة قوية إلى معرض تايبيه للدفاع والتكنولوجيا الجوية بعد غيابٍ دام 24 عاماً.
في المقابل أصدرت السفارة الصينية في تل أبيب بياناً غاضباً على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، هاجمت فيه بوعز توبوروفسكي، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإسرائيلية–التايوانية في الكنيست، واصفةً إياه بأنه "مثير للمشكلات"، مهددةً بأنه "سيسقط ويتحطم" إذا استمر في نشاطه.
ويعلّق سوبول على ذلك قائلاً: "يبدو أن أمريكا موافقة ضمناً على كل هذا، فواشنطن هي التي دفعت باتجاه تخفيف قيود التصدير ضمن سياق العلاقات الصينية–الإسرائيلية”.
ويختتم حديثه للمجلة بالقول: "إذا كان هناك تعاون متقدّم جداً بين التايوانيين والإسرائيليين، فلا بد أن الأمريكيين منحوا الضوء الأخضر لذلك”.
الأمن السيبراني
كما كشفت المجلة الفرنسية عن بُعدٍ جديد في التعاون بين تايوان وإسرائيل، يتمثل في تأسيس بنيةٍ مشتركة للأمن السيبراني والتكنولوجيا المتقدمة تعمل في الخفاء منذ عدة سنوات.
فبحسب تحقيق المجلة، تبيّن وجود منظمة غير معروفة على نطاق واسع في تايبيه تُدعى "رابطة تايوان-إسرائيل للأمن السيبراني والتكنولوجيا المتقدمة"، تقع في قلب الشراكات الإلكترونية الكبرى بين الجانبين.
ورغم أن ظاهر نشاطها يتمثل في دعم الابتكار التجاري، فإنها كما توضح المجلة تشرف منذ سنوات على نقل تقنياتٍ ومعارف تشغيلية حساسة بين شركات خاصة وهيئات حكومية تايوانية، بمشاركة ضباطٍ إسرائيليين سابقين أعادوا توجيه خبراتهم العسكرية إلى قطاع الأمن السيبراني.
وتشير الوثائق الداخلية التي اطلعت عليها “إنتلجنس أونلاين” إلى أن فكرة هذه الرابطة وُلدت في يناير/كانون الثاني 2019، عقب اجتماعٍ جمع ممثلين عن شركات إسرائيلية ومستشارين تقنيين من وزارة المالية التايوانية.
وعلى الرغم من أن الهدف المعلن للرابطة هو “تشجيع الابتكار”، فإنها تحولت عملياً إلى قناةٍ غير رسمية لتقاربٍ استراتيجي بين دولتين لا تربطهما علاقات دبلوماسية، لكن يجمعهما إيمان مشترك بأن التفوق التكنولوجي هو الضمانة الوحيدة للبقاء.
ويترأس الرابطة ألان لي (Alan Lee)، المدير الإقليمي لشركة “رادوير” (Radware) الإسرائيلية، التي تُعد من أبرز الشركات في مجال الأمن السيبراني وتزويد جيش الاحتلال الإسرائيلي بحلولٍ تقنيةٍ دفاعية متقدمة.
وبحسب المجلة، تمثّل “رادوير” اليوم البوابة الإسرائيلية إلى البنية الرقمية التايوانية، حيث تقود عمليات تدريب الكوادر ونقل البروتوكولات ودمج أدوات التحليل السلوكي الإسرائيلية داخل الأنظمة التايوانية الحساسة، لتتحول عملياً إلى الذراع التقنية لتحالفٍ خفيّ يربط تل أبيب بتايبيه في واحدة من أكثر الجبهات الإلكترونية سريةً في آسيا.
شبكة من الشركات والضباط
وتضيف مجلة "انتلجنس أونلاين" أن شركة “رادوير” الإسرائيلية تدير منذ عام 2022 مركزاً للأمن السحابي في تايبيه يشمل تغطيته تايوان وهونغ كونغ وماكاو، غير أن دوره يتجاوز الطابع التجاري المعلن، إذ يعمل فعلياً كمنصة تبادل تقني بين المهندسين الإسرائيليين ونظرائهم التايوانيين.
وتوضح المجلة أن اتفاق التعاون بين “رادوير” وشركة CHT Security، الذراع السيبرانية لشركة الاتصالات الوطنية تشونغوا تليكوم، أتاح إدماج خوارزميات الدفاع النشط الإسرائيلية داخل البنية التحتية الحيوية للجزيرة. واختُبرَت هذه الأدوات أولاً على الشبكات المدنية قبل توسيع استخدامها في المؤسسات الحكومية وقطاعات الطاقة.
ونقلت المجلة عن مصادر مطّلعة في وزارة الشؤون الرقمية التايوانية (MODA) أن عدداً من الخبراء الإسرائيليين المنتمين سابقاً إلى الوحدة 8200، وحدة الاستخبارات الإلكترونية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وإلى قسم التكنولوجيا Lotem-C4i، يشاركون اليوم في تدريب المهندسين التايوانيين على أساليب رصد الهجمات المعقدة والتعامل مع الاختراقات المتقدمة.
ورغم تقديم هذه الأنشطة رسمياً بوصفها برامج تعاون تقني، فإنها في حقيقتها تمثل جزءاً من عقيدة سيبرانية مشتركة تقوم على التدريب والمحاكاة وتكييف المعايير الأمنية الإسرائيلية مع النظم التايوانية.
كما تشير المجلة إلى أن نشاط “رادوير” فتح الباب أمام شبكة إسرائيلية أوسع بُنيت في تايوان عبر برامج الابتكار المحلية. ففي عام 2023 أطلق الحاضن التايواني i2i برنامجاً بقيمة 70 مليون دولار تحت اسم IP² LaunchPad، يهدف إلى ربط الشركات الناشئة الإسرائيلية بسلاسل الإنتاج والصناعة التايوانية.
وشاركت في البرنامج عدة شركات إسرائيلية متخصصة في الأمن السيبراني، من أبرزها Cybord المعروفة بتطوير أنظمة لكشف المكونات الإلكترونية المخترقة، وهي مسألة بالغة الحساسية في صناعة أشباه الموصلات. ورغم تقديم هذه الشركات كجهات تعمل في الذكاء الصطناعي وإنترنت الأشياء، فإنها تطوّر فعلياً أدوات مخصصة لرصد سلامة العتاد الإلكتروني في مواجهة محاولات الاختراق الصينية ضمن سلاسل التوريد الموجَّهة إلى الغرب.
وتضم الشبكة أيضاً شركات إسرائيلية أخرى مثل Wiz، التي أصبحت خلال سنوات قليلة من أبرز مزوّدي حلول أمن الحوسبة السحابية، وتقدّم خدمات التدقيق وإدارة الثغرات الأمنية لمجموعات تايوانية عبر وسطاء محليين.
أما شركة Twine Security Ltd المنبثقة من المنظومة التقنية في تل أبيب، فتنفّذ تجارب سرّية حول تقسيم الشبكات وإدارة الهويات الرقمية بالتعاون مع مؤسسات عامة تخضع لإشراف وزارة الشؤون الرقمية التايوانية.
وتنقل المجلة عن مصادر صناعية في تايبيه أن هذه المبادرات التطبيقية لا تهدف فقط إلى رفع كفاءة الدفاع الإلكتروني، بل تسعى أيضاً إلى مواءمة البروتوكولات المدنية مع النماذج العسكرية الإسرائيلية في إطار ما يُعرف بمشاريع “المرونة الرقمية”، التي تمثل اليوم أحد محاور تطوير العقيدة السيبرانية التايوانية الحديثة.
تكامل استراتيجي
أُضفِيَ الطابع الرسمي على الشراكة التايوانية–الإسرائيلية في الأمن السيبراني قبل نحو عامين، بحسب ما كشفت مجلة "إنتلجنس أونلاين"، عبر اتفاقٍ أُبرمَ بين المعهد التايواني للأبحاث الصناعية التطبيقية (ITRI) أكبر مؤسسة بحثية عامة في البلاد، وشركة Chain Reaction الإسرائيلية الناشئة.
وتوضح "إنتلجنس أونلاين" أن هذه الخطوة جاءت في زيارة نادرة لمسؤول تايواني إلى إسرائيل، إذ زارت وزيرة الشؤون الرقمية أودري تانغ تل أبيب خلال أسبوع الأمن السيبراني لعام 2023 (Cyber Week 2023)، ووقّعت بروتوكولاً لتطوير دوائر إلكترونية قادرة على تنفيذ خوارزميات تشفير متقدمة.
ووفقاً للمجلة، أُوفِدَ بعد هذه الزيارة عدد من مهندسي شركة “تشين رياكشن” بعضهم من المديرية الوطنية الإسرائيلية للأمن السيبراني (INCD)، إلى مدينة هسينشو (Hsinchu) قرب مقر شركة TSMC، للإشراف على إنتاج المتحكمات الدقيقة الآمنة.
وتشير المجلة إلى أن هذه الرقائق تُختبر حالياً في معدات الاتصالات المؤمَّنة التابعة لوزارة الشؤون الرقمية التايوانية (MODA)، ما يجعلها جزءاً من البنية التقنية الحساسة للدولة.
وتؤكد "إنتلجنس أونلاين" أن المشروع يُقدَّم رسمياً كمبادرةٍ مدنية، لكنه في الواقع يمثل تحولاً استراتيجياً مهمّاً يتمثل في إدماج البحث الإسرائيلي في مجال التشفير مع القدرات التايوانية المتقدمة في التصنيع الدقيق.
وبحسب "إنتلجنس أونلاين"، تعتمد الشركات الإسرائيلية اعتماداً متزايداً على شركة TSMC لتزويدها بالرقائق الحاسوبية عالية الأداء، فيما يدمج المهندسون التايوانيون المعايير الأمنية الإسرائيلية المطوّرة في تل أبيب ضمن منتجاتهم التقنية.
وتخلص المجلة إلى أن هذا التعاون أنتج تداخلاً تامّاً بين الجانبين: إسرائيل تضمن التصميم الآمن والخوارزميات المتقدمة، وتايوان توفّر التصنيع عالي الدقة.















