على السفوح الغربية لجبل الشيخ، وعلى بعد نحو سبعة كيلومترات فقط من خطّ فضّ الاشتباك، تبرز بلدة بيت جن واحدة من أكثر مناطق ريف دمشق حساسية في محيط الجولان المحتل.
في 12 يونيو/حزيران 2025 شهدت البلدة أول مداهمة إسرائيلية واسعة داخل الأراضي السورية منذ سقوط النظام، انتهت باعتقال سبعة شبان سوريين.
ومنذ ذلك التاريخ ظلّ الهدوء النسبي يخيّم على المشهد الأمني، باستثناء التوغّل الإسرائيلي في تل باط الوردة المجاور في 25 أغسطس/آب 2025، حيث تمركزت القوات ليوم كامل، وعادت البلدة إلى واجهة الأحداث بعد التطورات الأخيرة.
عملية محدودة خرجت عن السيطرة
عاودت قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول بلدة بيت جن في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 بهدف تنفيذ عمليات اعتقال جديدة، إذ توغلت عدة عربات عسكرية داخل البلدة واقتحمت منزلاً واعتقلت ثلاثة مواطنين سوريين.
ووفقاً لرواية أهل القرية الذين استمعت إليهم TRT عربي، فإن مسار العملية اتخذ منحى مختلفاً فور خروج القوة المهاجمة من المنزل، بعدما حاول الأهالي منع اقتياد الشبان، لتتحول حالة الاحتكاك خلال دقائق إلى اشتباك مسلح بالأسلحة الخفيفة، شكّل لحظة الانفجار.
وبحسب إفادات السكان، توسّعت المواجهات سريعاً بعد تمكُّن مجموعة من الشبان من محاصرة دورية للاحتلال الاسرائيلي وإعطاب سيارة همر، ما دفع قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى طلب إسناد جوي ومدفعي لتفادي انهيار الموقف.
ونُفذت عملية فك الحصار باستخدام مستويات متعددة من القوة: مروحية هجومية استهدفت منازل داخل البلدة، ودبابات تقدمت إلى الأطراف وأطلقت قذائف باتجاه الأحياء السكنية، وطائرات مسيّرة نفذت غارات مركزة داخل القرية وعلى محيطها.
كما أفاد الأهالي بأن قوات الاحتلال الإسرائيلية عمدت إلى تفجير سيارة الهمر التي تركها الجنود خلال انسحابهم بعد إعطابها. وقد أتاحت هذه القوة النارية الكثيفة لوحدات الاحتلال الإسرائيلية الانسحاب نحو تل باط الوردة المحاذي للبلدة.
زفاف يتحول إلى جنازة
دامت الاشتباكات والقصف قرابة ساعتين، غير أن أثرها كان أعمق بكثير من زمنها القصير. فقد أسفرت المواجهات عن سقوط 13ضحية، بينهم خمسة من عائلة واحدة: الأب وشقيقه وزوجته وطفلاهما، إضافة إلى شاب ارتقى في يوم زفافه، فضلاً عن 25 جريحاً بينهم حالات حرجة، و3 معتقلين.
تحوّل فرح عائلة حسن عبد الرزاق السعدي إلى مأساة. ووفقاً لرواية والدته التي تحدّثت لـTRT عربي، فإن العائلة كانت تستعدّ لزفاف ابنها قبل أن تتبدّل الليلة بالكامل: “سمعنا صوت الآليات الإسرائيلية تتوغل في القرية، واتصل بنا قريب ليخبرنا أنهم قرب منزل ابني الثاني. خرجت مسرعة إلى هناك، لكن الجنود كانوا يقفون في منتصف الطريق ومنعوني من المرور. حين عدت إلى المنزل كان حسن قد لحق بي باتجاه بيت شقيقه. أخبرته ألا يقترب وأن الجنود لن يسمحوا له بالوصول، لكنه رفض وأصرّ. لم تمضِ سوى لحظات حتى سمعت صوت رصاص، فوجدت ابني ملقى على الأرض شهيداً، ولم أستطع الوصول إليه. بدل زفافه كانت جنازته”.
وفي الجهة الأخرى من البلدة، واجهت عائلة عبد الله الصفدي ليلة قاسية. يقول عبد الله لـTRT عربي: “استيقظنا أنا وأولادي الذين كانوا بزيارتي على صوت الرصاص. كنا نحو 23 شخصاً بين أطفال ونساء ورجال في غرفة واحدة. بدأت رشاشات المروحيات تطلق نيرانها على المنزل، والمدفعية تستهدف القرية بكثافة. لم يبقَ سلاح إلا استخدموه. أصابت قذيفة منزلنا مباشرة، فاختنقنا تحت غبار الانفجار ولم نعُد نرى شيئاً. لم نتمكن من الانتقال من غرفة إلى أخرى حتى هدأت المعركة. بعدها أرسلنا النساء والأطفال إلى خارج القرية خوفاً من تجدّد القصف”.
لم يكن منزل الحاج عبد الله وحده هو المتضرر، فقد لحق الدمار بأكثر من 20 منزلاً تراوحت أضرارها بين جسيمة ومتوسطة وخفيفة.
المعتقلون
ومع تصاعد المخاوف من تكرار تلك الليلة، نزح معظم نساء وأطفال البلدة -ويُقدّر عددهم بنحو 3000 شخص بحسب مصادر محلية- إلى قرى مجاورة أو إلى دمشق، بانتظار عودة الهدوء الكامل ووقف الانتهاكات بحقهم.
ارتفع عدد معتقلي قرية بيت جن في سجون الاحتلال إلى عشرة شبان، بعد اعتقال ثلاثة إضافيين خلال تلك الليلة: نضال عكاشة عكاشة، ومحمد عكاشة عكاشة، وإبراهيم عبد العال الساعدي.
ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن، تماماً كحال باقي السوريين المحتجزين لدى قوات الاحتلال، الذين لا يُعرف عنهم شيء سوى تصنيفهم ضمن فئة “المقاتلين غير الشرعيين”.
وفي حديث لـTRT عربي مع عبد العال عكاشة، أحد أبناء القرية وأحد أقرباء المعتقلين، روى ما جرى قائلاً: “دخل الجنود إلى منازلنا ليلاً ونحن نيام، بذريعة البحث عن أسلحة ومسلحين. لا يوجد لدينا أسلحة ولا مسلحون، أبناؤنا مزارعون وعمال. اعتقلوا ثلاثة شبان لا علاقة لهم بأي تنظيم، وقتلوا 13 شخصاً بلا سبب. ما تفعله قوات الاحتلال منذ سقوط النظام هو القتل والاعتقال والإجرام بحق شعب أعزل لا يريد سوى أن ينعم بالحرية”.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قوة احتياط خاصة من لواء المظليين 55 “رأس الحربة” التابع للفرقة 210 نفذت عملية ليلية في قرية بيت جن، بعد “جهود استخباراتية استمرت شهراً كاملاً”، بهدف اعتقال شقيقين زعم أنهما ينتميان إلى تنظيم الجماعة الإسلامية.
ووفق بيان الاحتلال، فقد أسفرت المواجهات عن إصابة ستة عسكريين: ثلاثة بجروح خطيرة، وواحد بجروح متوسطة، واثنان بجروح طفيفة، وجرى إجلاؤهم بواسطة المروحيات.
وأكد جيش الاحتلال أن سلاح الجو تدخّل لاحقاً لقصف “المسلحين” وتدمير السيارة العسكرية المعطوبة “لمنع الاستيلاء عليها”.























