من "أربعاء حمص" إلى "وفاء إدلب".. مبادرات شعبية تبدأ رحلة إعمار سوريا
سوريا الجديدة
7 دقيقة قراءة
من "أربعاء حمص" إلى "وفاء إدلب".. مبادرات شعبية تبدأ رحلة إعمار سوريابعد أكثر من عقد من الحرب والدمار والنزوح، بدأت المدن السورية تشهد موجة من المبادرات الشعبية لإعادة الإعمار، في مسعى يخرج عن الإطار التقليدي ويهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية وتعزيز قدرتها على الصمود.
بلغت قيمة التبرعات لحملة "الوفاء لإدلب" شمال غرب سوريا، 208 مليون و192 ألف دولار. / AA
منذ 2 ساعات

انطلقت الشرارة الأولى لهذه الحملات من مدينة حمص، وسرعان ما امتدت إلى ريف دمشق وحوران وإدلب، لتشكل نموذجاً للتكاتف الأهلي وروح التضامن أمام حجم الخسائر الإنسانية والمادية.

لم تقتصر الجهود على جمع التبرعات المالية، بل اتخذت طابعاً اجتماعياً وثقافياً، وأعادت الأمل إلى المدن المدمرة، ممهدة الطريق لعودة تدريجية إلى الحياة الاقتصادية.

في هذا السياق، تمكنت حملة الوفاء لإدلب يوم الجمعة 26 سبتمبر/أيلول الجاري من جمع أكثر من 208 ملايين دولار خلال فاعلية جماهيرية أقيمت في الملعب البلدي بمدينة إدلب، وحضرها الرئيس السوري أحمد الشرع.

ووفق تقديرات رسمية، فإن أرياف إدلب تحتاج إلى ما يقارب 3 مليارات دولار لإعادة بناء البنية التحتية الصحية والتعليمية والخدمية، بعد تضرر أكثر من 2500 منزل، و800 مدرسة، و437 مسجداً، إضافة إلى أكثر من 100 منشأة طبية تتطلب تجهيزات عاجلة.

وأكد القائمون على الحملة التزامهم الشفافية الكاملة، من خلال نشر بيانات التبرعات والمصروفات عبر منصات إلكترونية مفتوحة، وإطلاق لوحة رقمية تفاعلية تُظهِر حجم المساهمات وآثارها المباشرة في الأفراد والمؤسسات.

حمص البداية

كانت حمص أولى المحافظات التي شهدت انطلاق حملات التبرعات الشعبية، عبر مبادرة “أربعاء حمص” التي أُطلقت في 13 أغسطس/آب 2025 بقيادة الفنان همام حوت، وبمشاركة أكثر من 20 متطوعاً من مصممين ومصورين وكتاب محتوى ومنظمين.

جرت الحملة برعاية وزارة الثقافة ومحافظة حمص، بعد شهر ونصف من التحضيرات المكثفة التي شملت إعداد محتوى بصري عن تاريخ المدينة، إلى جانب تنسيق واسع مع مجلس المدينة ومؤسسة المياه والصرف الصحي ومديرية التربية والنظافة وفريق ملهم التطوعي.

وقالت ليانا الأتاسي، مسؤولة التواصل والتنسيق في فريق أربعاء حمص، لموقع TRT عربي: "ركزت الحملة على ثلاثة قطاعات رئيسية: المياه والتعليم والنظافة، لكنها استقطبت أيضاً تبرعات لمشاريع محددة تشمل الصحة، ومكافحة التسول، وتعليم الأيتام، وترميم المساجد والمواقع التاريخية مثل قلعة الحصن، ودعم الأحياء المدمرة مثل الخالدية، إلى جانب دعم مشفى تدمر”.

وأضاف الأتاسي: “نجحنا حتى الآن في جمع نحو 13 مليون دولار، رغم صعوبات التحويلات من الخارج". 

وتنوعت المشاريع على الأرض، حيث أطلقت جمعية البنيان الإنسانية مشاريع حيوية شملت: حفر وتجهيز بئر في بابا عمرو، وتوزيع مبالغ نقدية على 300 عائلة من ذوي الشهداء، وترميم مدارس في جوبر والمباركية، وصيانة آبار مياه في البياضة والنقيرة، إلى جانب إعادة تأهيل مساجد عدة.

كما أسهمت منظمة IYD في تشغيل بئر جديدة، فيما تولت جمعية عطاء إزالة الأنقاض في منطقة القصير بالتنسيق مع الدفاع المدني، ووزعت منظمة المنتدى السوري (إحسان) تجهيزات ومواد تعليمية على ثلاث مدارس في أحياء الوعر والقصور وباب السباع، شملت أجهزة حاسوب ومقاعد دراسية وأجهزة فحص مياه ومرشات مبيدات ومدافئ مازوت.

كما جرى العمل على مشاريع مرتبطة بتبرعات محددة، مثل تعبيد الطرقات، وتجهيز مصاعد لمجلس المدينة، ودعم مشفى حمص الجامعي، وإنشاء مركز لإعادة تأهيل المتسولين بتمويل من مؤسسة عبد الغني. ولضمان الشفافية، تستعد المبادرة لإطلاق موقع إلكتروني يوضح حجم التبرعات والمشاريع المنفذة بالتفصيل.

"ريفنا بيستاهل"

في محافظة ريف دمشق، التي عانت بشكل بالغ من الحرب والتهجير والاعتقالات في عهد نظام بشار الأسد المنهار، انطلقت حملة "ريفنا بيستاهل" لتكون امتداداً للمبادرات الشعبية، لكنها اكتسبت بُعداً خاصاً بحجم المحافظة واتساعها الجغرافي الذي يتجاوز 15 ألف كيلومتر مربع ويضم أكثر من 170 مدينة وبلدة.

يقول طارق الحسين، منسق الحملة ومسؤول العلاقات العامة بالمحافظة، لموقع TRT عربي: "ريف دمشق بكل مناطقه من داريا والمعضمية إلى الغوطة الشرقية والقلمون دفعت أثماناً باهظة من بيوتها المهدمة وأهلها المهجرين ومعتقليها المغيبين. واليوم جاءت الحملة لتؤكد أن أبناء الريف، أهل التضحيات، يستحقون الوقوف معهم ورد جزء من العطاء".

واستمرت التحضيرات لشهر ونصف بمشاركة فرق تطوعية واسعة وبالتنسيق مع وزارة الثقافة وجهات محلية، وشهدت الحملة حضوراً شعبياً كبيراً إلى جانب التجار والمسؤولين.

وجمعت الحملة أكثر من 75 مليون دولار، ثم تجاوزت 81 مليون دولار في حملة بمدينة النبك، لتوجه نحو مشاريع حيوية تشمل المدارس والمراكز الصحية وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، مع تشكيل لجنة متابعة لضمان الشفافية وإصدار تقارير دورية.

ما ميّز الحملة ليس فقط حجم التبرعات، بل أيضاً المبادرات الصغيرة، كما يروي الحسين قصة أحد المشاركين من منطقة فقيرة: "أتبرع بنصف كيلو دم"، في مشهد يختصر روح التضامن ويعكس أن إعادة الإعمار ليست فقط أموالًا، بل قيم إنسانية وحب صادق للوطن.

وكشفت حملة "ريفنا بيستاهل" حجم الدمار الكبير في ريف دمشق، حيث تشير التقديرات إلى وجود 100 ألف منزل مدمّر كلياً يحتاج إلى إعادة إعمار بكلفة تقارب 10 آلاف دولار لكل منزل، إضافة إلى أكثر من 200 ألف منزل متضرر جزئياً يحتاج إلى الترميم والتجهيز بما لا يقل عن 3 آلاف دولار لكل منزل.

وتخطط الحملة أيضاً لتجهيز مبنى المحافظة الجديد ليصبح مجمعاً حكومياً يضم 800 غرفة مكتبية موزعة على 13 طابقاً، لتسهيل حصول المواطنين على الخدمات بشكل أسرع وأكثر شفافية.

فالقطاع الصحي يعاني نقصاً حاداً، مع مشفى واحد مدمّر كلياً وسبعة مشافٍ متضررة جزئياً، إضافة إلى الحاجة إلى بناء وتجهيز مستشفى جديد بالكامل بكلفة تصل إلى 10 ملايين دولار، إلى جانب إنشاء وتجهيز مراكز صحية جديدة وترميم المتضرر منها.

كما يواجه القطاع التعليمي تحديات هائلة، إذ يحتاج الريف إلى بناء 700 مدرسة جديدة بكلفة 500 ألف دولار للمدرسة الواحدة، إلى جانب ترميم 170 مدرسة وتجهيز أكثر من 600 مدرسة قائمة بالفرش والمستلزمات التعليمية.

أما قطاع المياه والصرف الصحي فيحتاج إلى 177 بئراً جديدة وتأهيل 30 بئراً أخرى، وشبكات الصرف الصحي تتطلب تأهيل خطوط رئيسية وفرعية وترميم 40 محطة معالجة بتكلفة تزيد على 7 ملايين دولار لكل محطة.

كما يحتاج الريف إلى 14 مسجداً جديداً، وترميم 55 مسجداً متضرراً، وتجهيز أكثر من 200 مسجد قائم، إلى جانب عشرات المعاهد والمدارس الشرعية، ومخابز جديدة، وآليات نظافة ومحولات كهرباء، ما يعكس استنزاف البنية التحتية وعمق التحديات.


أبشري حوران”

بلغت حصيلة حملة أبشري حوران نحو 44 مليون دولار و325 ألف دولار، إضافة إلى تبرعات بالذهب والعقارات، خُصص بعضها لإيواء النازحين أو دعم الخدمات العامة.

ويوضح عثمان الحجي، مدير العلاقات العامة في حملة أبشري حوران، لموقع TRT أن الحملة استهدفت ثلاثة مشاريع رئيسية، "سقيا الماء: إصلاح شبكات المياه داخل البلدات وخارجها، وتأهيل الآبار القديمة، وحفر آبار جديدة مع تزويدها بألواح طاقة كهربائية. والمدارس: إعادة التأهيل الإنشائي وتجهيز المستلزمات التعليمية لضمان استمرارية العملية التعليمية، بالاضافة إلى المستشفيات والمستوصفات: توفير أجهزة طبية حديثة وترميم البنى التحتية الكبيرة لتغطية احتياجات السكان في مختلف المناطق".

ويؤكد محمد غزال، مدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية في اتحاد غرف التجارة السورية، لموقع TRT عربي أن هذه الحملات تمثل أكثر من مجرد مبادرات إنسانية، فهي أداة مالية تسد جزءاً من الفجوة التمويلية الناتجة عن محدودية الموارد، وتتحول إلى رأسمال اجتماعي يساهم في مشاريع عاجلة مثل ترميم المدارس والمراكز الصحية وتأهيل شبكات المياه والطرق، ودعم الأسر وتشجيع عودة النازحين.

ويضيف غزال أن إعادة الإعمار لا تبدأ بالمشاريع الضخمة، بل بمراحل أولية بمبالغ متوسطة تؤثر مباشرة في حياة الناس، وتشكل "شرارة أولى" لتحريك عجلة الإعمار وجذب الاستثمارات المستقبلية. 

ويشدد غزال على أن الحملات الشعبية عنصر محفز يمتلك ثلاثة أبعاد أساسية: سد فجوة مالية عاجلة، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وإطلاق مشاريع صغيرة تمهّد لعودة الحياة الاقتصادية.

بدوره، يشير فراس منصور، مدير فريق الاستجابة الطارئة في سوريا، خلال حديثه لموقع TRT عربي، إلى أن الفاعليات انطلقت بشكل متتالٍ في مختلف المحافظات عبر جهود مشتركة بين التجار والأهالي والمؤسسات المدنية، مع اعتماد شعار المرحلة، "التكاتف"، الذي يجسد روح التعاون والتضامن.

وأوضح منصور أن جمع التبرعات يحدث بأسلوب منظم عبر البنوك داخل سوريا والتحويلات الدولية، لضمان وصول الأموال بكفاءة، مع متابعة دقيقة لمشاريع خمسة قطاعات رئيسية تشمل المدارس والصحة وآبار المياه والزراعة والبنية التحتية.

الدمار والفجوة التمويلية

قدّر خبراء اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) عام 2018 حجم الدمار المادي في سوريا بأكثر من 388 مليار دولار، في حين بلغت التكلفة الفعلية نحو 120 مليار دولار، دون احتساب الخسائر البشرية أو فقدان العمالة الماهرة، وهي عناصر أساسية للاقتصاد الوطني.

هذا الواقع يبرز فجوة مالية هائلة أمام الدولة السورية الحالية، مما يجعل المبادرات الشعبية أداة مهمة لتخفيف العبء وتسريع إعادة الحياة إلى المدن والبلدات.

وفي مارس/آذار الماضي، شددت الأمم المتحدة على ضرورة التحرك العاجل للاستثمار في إعادة إعمار سوريا، لضمان عودة نحو 3.5 مليون نازح ولاجئ، مشيرة إلى أن نصف البنية التحتية للبلاد متوقف أو مدمر، وأن أكثر من ثلاثة أرباع السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية.

من هنا، أصبح تعزيز الخدمات الأساسية والمشاريع التنموية أولوية حيوية لتحقيق التعافي الاقتصادي والاجتماعي.

من حمص إلى ريف دمشق وحوران وإدلب، أظهرت المبادرات الشعبية قدرة السوريين على تحويل الأزمة إلى فرصة لبناء رأسمال اجتماعي، واستعادة الحياة في المدن المدمرة، ودعم القطاعات الأساسية من تعليم وصحة وبنية تحتية.

تلك الجهود، رغم محدوديتها المالية مقارنةً بالحاجة الضخمة، تمثل شرارة البداية لإعادة الإعمار المستدام، وتوجه رسالة واضحة إلى الداخل والخارج: السوريون قادرون على النهوض بأنفسهم، خطوة بخطوة، وبالتعاون والتضامن، يمكن للمجتمع المدني أن يكون شريكاً فاعلاً في إعادة بناء وطنه.

مصدر:TRT ARABI
اكتشف
اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري تعلن فتح باب الترشح يومَي السبت والأحد
بعد قطيعة 3 سنوات.. سوريا وأوكرانيا تستأنفان العلاقات الدبلوماسية بتوقيع بيان مشترك في نيويورك
"الدفاع" التركية: نلتزم دعم استقرار سوريا ونعمل على شراكات رابحة مع مصر وليبيا
غوتيريش يدعو إلى حوار سياسي شامل في سوريا.. ونتنياهو يشترط أمرين للمفاوضات مع دمشق
الشرع يلتقي ترمب على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة
الشرع أمام الأمم المتحدة: أشكر تركيا.. ونصر سوريا يُحوّلها من مصدر أزمات إلى فرصة للسلام والاستقرار
الرئيس أردوغان يلتقي الشرع في نيويورك ويؤكد تطلع تركيا لرفع العقوبات عن سوريا
الشرع: فعَّلنا الدبلوماسية للتوصل إلى حل مع إسرائيل.. وإعلام عبري يكشف عن اتفاق وشيك لـ"خفض التصعيد"
نيويورك.. الشيباني يبحث مع روبيو رفع العقوبات عن سوريا وإعادة الإعمار
الشرع: سياسة سوريا تقوم على بناء علاقات هادئة مع الجميع
لتقليص الإجراءات البيروقراطية.. سوريا تستعين بخبرات أرامكو لإعادة هيكلة قطاع الطاقة
بعد رفع العقوبات.. الشرع يصل إلى نيويورك ويدعو لاستعادة العلاقات بين دمشق وواشنطن
الأولى بعد إطاحة نظام الأسد.. دمشق تحدد 5 أكتوبر المقبل موعداً للانتخابات البرلمانية
أول رئيس سوري منذ 1967.. الشرع يشارك غداً باجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك
إعلام عبري: نتنياهو يعقد اجتماعاً حاسماً لبحث المفاوضات مع سوريا وسط ضغوط داخلية
واشنطن تلغي الحماية المؤقتة للسوريين وتمنحهم مهلة لمغادرة البلاد