بحثاً عن العلامات.. كيف يعاني أهالي شهداء غزة في التعرف على جثامين ذويهم؟
الحرب على غزة
4 دقيقة قراءة
بحثاً عن العلامات.. كيف يعاني أهالي شهداء غزة في التعرف على جثامين ذويهم؟متكبدين عناء بحث عن هويات أقاربهم وسط جثامين مشوّهة يسلّمها الاحتلال بلا أسماء، يعتمد أهالي الشهداء في غزة على الذاكرة والتفاصيل الصغيرة للتعرف على أجساد أحبابهم، فيما يعمل فريق مختص بقدرات محدودة وسط ظروف قاسية، بين الأمل والإنكار.
داخل صالةٍ مخصصةٍ لعرض الجثامين في مشفى الشفاء بغزة، ابتدأ د. عمر أبو سليمان عضو فريق التعامل مع المفقودين حواره مع TRT واصفاً القضية"بالأكثر تعقيداً" / AA
24 نوفمبر 2025

كإبرةٍ في كومة قشٍّ، يبحثُ المفجوعون بالموتِ عن علاماتٍ محفورةٍ في ذاكرتهم، قد تُطابق ما يحفظونه، بما يرونه من بقايا أجسادٍ احتلّها الاحتلالُ مدة عامين كاملين.

أدلّةٌ فارقة طمسَتها آثارُ التشوه التي أودَت بشكل الجثامين وهيئاتهمُ الأصلية، ما دفع بإحدى الأمهاتِ إلى أن ترجوَ جثماناً يليقُ بنهاية ابنها الذي استُشهد في الأيام الأولى للحرب، حتى أنكرت صورته -خوفاً وهروباً- رغم ظهورِ جثمانه.

داخل صالةٍ مخصصةٍ لعرض الجثامين في مشفى الشفاء بغزة، ابتدأ الدكتور عمر أبو سليمان عضو فريق التعامل مع المفقودين حواره مع TRT واصفاً القضية بأنها "الأكثر تعقيداً".

يقول أبو سليمان: "الجهد البشري الذي نبذله في أشهر يمكن اختصاره في أسبوع واحدٍ إذا قرر الاحتلال ذلك، لكنه يتلذّذ بتعذيب الفلسطينيين بكل الطرق الممكنة، إذ يُسلّم الشهداء مُرقّمين بلا أسماء، ويمنع إدخال فحوص DNA وقواعد بيانات الأسنان، وحتى تقنيات إعادة رسم ملامح الوجه".

وفي إجابته عن احتمال الخطأ في التفرقة بين الجثامين المستلمة، أشار أبو سليمان: "عملية التعرف مبنيّة على المعاينة البصرية فقط، لكننا نكافح لنصل إلى المطابقة النهائية بما نملكه من خبراتٍ رغم محدوديتها وصعوبتها"، مستدركاً: "يستحيل التعرف على الجثامين المهروسة والمحترقة بالكامل، كما أنّ هناك هياكل عظمية، وجثامين نهشتها الكلاب، وأخرى جرى التمثيل بها قصداً، لكنّ الأقسى هو أن تصل جثامين الشهداء بلا رؤوسهم".

من ذاكرة التفاصيل

يستعرض الفريق يومياً آلاف الصور لمئات الجثامين، ويعيدها أمام الأهالي أملاً في العثور على علامة فارقة مثل: الوشم، أو الغرز الجلدية، أو ندبة عملية جراحية، أو شكل الفك، أو الأسنان، أو حتى قطع الملابس وماركات الأحذية.

ويضيف أبو سليمان: "يحفظ الأهل تفاصيل أبنائهم رغم تحللهم. أحد الآباء قفز في أثناء العرض لاحتضان الشاشة فور تعرّفه على ابنه من ملابسه، متوسلاً أن يلمسَه أو يقبّله. وأخٌ طلب البحث بين الجثامين عن أخيه الذي يرتدي تقويماً للأسنان. كانت جثتان فقط، لكنه صرخ فور رؤية إحداها: ‘أخي، هذا هو’. وأمٌّ قد عرفت ابنها عبر سنّه الجديد، بعد مطابقتها له مع صورة السلفي التي أرسلها لها قبل يوم واحدٍ من الاستشهاد".

يُعقّبُ أبو سليمان: "على قدر ما يشتدّ الحزن بالأهل، فإنّهم يفرحون بالعثور على صور أبنائهم. إنها مشاعر متناقضة لا يمكن تفسيرها أو استنساخها".

في ثلاجة بوظة

تُعرض صور الجثامين عبر المنصات الإلكترونية لوزارة الصحة بغزة مرفقة برمز خاص، يتقدم الأهالي بالرمز “محلّ الشك”، ثم يستعرض الفريق صوراً أكثر تفصيلاً ويطلب مزيداً من المعرّفين قبل تأكيد المطابقة. وبعد اعتماد الهوية، تُستكمل الإجراءات القانونية ثم يُسلَّم الجثمان إلى من يرغب من ذويه.

ويشير أبو سليمان إلى أنّ الظروف الطبية القاسية تفرض الاحتفاظ بالجثامين في “ثلاجات بوظة” لعدم وجود ثلاجات مخصّصة للموتى، ما يستدعي الإسراع في عمليات التعرّف خلال أسبوع أو أسبوعين. 

كما بيّن أن بعض الجثامين التي سلّمها الاحتلال كانت مغطاة بطبقات من الملح، أو مدفونة في الطين، وأخرى رُشّت بغاز ثاني أكسيد الكربون لإبقائها صالحة بعد عمليات التعذيب و التشويه.

صراع الحقيقة

تُقرّ عائلة جهاد طافش بوجود جثمانه ضمن الصور، لكنّ والدته تعيش صراعاً بين الحقيقة والإنكار، فبعد إقرار أفراد العائلة بتطابق كلّ العلامات على أحد الجثامين مع ابنها جهاد، رفضت الأم تصديق الأمر بسبب اختلاف طفيفٍ على شكل أسنانه المنتفخة والمتكسرة.

تقول شقيقته تسنيم لـTRT عربي: “كل العلامات تقول إنه أخي جهاد، لم يتعرف عليه أحد منذ شهرين، لكن أمي ما زالت تتعلق بحبلِ نجاته، وتعاود البحث في الصور كأنها تبحث عن دليل آخر على أنّ جهاد لم يُعذَّب أو يُشوَّه”.

تروي الصحفية أسماء الصانع لـTRT عربي تجربتها في العثور على زوجها الشهيد: "مررتُ بـ332 جثماناً، قلّبتُ آلاف الصور على الموقع وأنا أتلوّع بأصناف العذاب التي ذاقوها، أختنق بكلّ حبلٍ حول أعناق الشهداء، كانت مشاهد مفزعةً لم يواسِني فيها إلا وعد الله لهم بالنعيم، حيث لا يشعرون بكل ما نشعر به بعدهم".

تكمل أسماء: "بين كل هذا الجنون، كنتُ أتضوّرُ شوقاً للقاء زوجي الشهيد ولو في صورة، وشوقي لأعثرَ عليه جعلني أتصبر وأنا أبتلع رائحة الموت التي كنت أتنفسُها مع كلّ صورة".

تلقّت أسماء مكالمةً مفاجئة من أحد المقربين يخبرها بالعثور عليه، لكنّها لم تحظَ بنظرةٍ أخيرة، إذ أخبروها بأن على جسده آثار رصاص، وتحللٍ في وجهه. اكتفت أسماء برؤية زوجها مغطى و مسجّى داخل سيارة الإسعاف، وهي تنادي باسمه من بعيدٍ: "بطل يا أبا يحيى على أي هيئةٍ كنت، مع السلامة يا بطل"، هكذا تواسي أسماء نفسها، على حد وصفها.

داخل مقبرةٍ مخصصة في مدينة دير البلح، تُدفن جثامين الشهداء الذين يسلمهم الاحتلال الإسرائيلي عبر الصليب الأحمر ضمن صفقة وقف إطلاق النار، بعد أن تأخذ اللجنة المختصة عينّاتهم أملاً في التأكد من هوياتهم عبر فحص DNA مستقبلاً، هكذا يُعلّق الفلسطينيون كل آمالهم على مستقبلٍ قريب، ينتظرونه ويجهلونه.

مصدر:TRT ARABI
اكتشف
23 قتيلاً في حريق مروع بملهى ليلي في الهند
حادثة مروّعة.. 13 قتيلاً على الأقلّ وعشرات الإصابات جراء انحراف حافلة في الجزائر
سوريا.. احتفالات واسعة بذكرى "التحرير والنصر" في عدة محافظات
شهداء وإصابات في قصف إسرائيلي يستهدف مناطق عدة في غزة
سوريا.. مقتل صياد برصاص قناص تابع لـPKK الإرهابي بريف حلب الشمالي
رغم اتفاق وقف إطلاق النار.. شهداء وجرحى في غارات مكثفة على غزة والاحتلال يجدّد عمليات نسف المباني
اعتقالات واقتحامات وإصابة رضيع بالاختناق في الضفة.. والأمم المتحدة تحذر من تصاعد اعتداءات المستوطنين
يونيسيف تدين مقتل أطفال في جنوب كردفان.. و"أطباء السودان" تتهم "الدعم السريع" باحتجاز أسر في بابنوسة
كندا ترفع سوريا من قائمة الإرهاب.. ودمشق ترحّب بمرحلة جديدة من العلاقات
واشنطن: أي اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا مرهون باستعداد روسيا لسلام طويل الأمد
عشرات القتلى في قصف صاروخي على كلوقي.. والخارجية السودانية: "الدعم السريع" ترتكب مذبحة بشعة
وسط مشاركة واسعة.. قرعة مونديال 2026 تضع المنتخبات العربية في اختبارات صعبة
أمينة أردوغان: التعليم هو الدواء الوحيد القادر على تحسين العالم
8 دول عربية وإسلامية بينها تركيا تعلن رفضها التام أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه
بينها تمديد ولاية الأونروا.. الأمم المتحدة تتبنّى 5 قرارات لصالح فلسطين