وحلَّ اليوم الذي كان يُنتظر عادةً بالزغاريد والأهازيج، هذا العام وسط خيام النزوح وركام المدارس المهدمة، ليحمل فرحة منقوصة لآلاف العائلات التي فقدت أبناءها أو منازلها أو مقاعدها الدراسية.
فمنذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، توقفت الحياة التعليمية في غزة بالكامل، إذ دُمرت مئات المدارس والجامعات، وتحولت معظمها إلى مراكز لإيواء النازحين، فيما فقد آلاف الطلبة منازلهم ودفاترهم وذكرياتهم المدرسية.
وفي 6 سبتمبر/أيلول الجاري، باشرت وزارة التربية والتعليم العالي إجراء اختبارات الثانوية العامة إلكترونياً لطلبة غزة مواليد 2006، مشيرةً إلى "حرمان أكثر من 70 ألف طالب وطالبة من مواليد 2006 و2007 من التقدم للامتحان، علاوة على 4000 استُشهدوا، و4000 تقدموا للامتحان في الخارج على مدار عامين".
وفي شوارع غزة ومخيمات النزوح، عمّ فرحٌ خجول بين عائلات الطلبة الناجحين، حيث حاولت الأسر التعبير عن سعادتها رغم بساطة الظروف وقسوة الواقع.
نجاح ممزوج بالفقدان
في مركز إيواء بمدينة خان يونس، جلست الطالبة ديما أبو عامر تتابع نتيجتها عبر الهاتف بهدوء يغلب عليها الحزن. وما إنْ ظهرت النتيجة على الشاشة حتى هتفت قائلةً: "الحمد لله"، قبل أن تعانق والدتها وتبكي بحرقة امتزجت بين الفرح والحزن.
نجحت ديما بمعدل 77.7 بالتخصص العلمي، وغالبتها الدموع مستذكرةً شقيقها الذي استُشهد قبل 20 يوماً برصاص إسرائيلي في أثناء انتظاره المساعدات في جنوب القطاع.
وقالت ديما: "لم أشعر بطعم الفرح لأنني فقدت شقيقي محمد قبل أيام"، وتحدثت عن معاناتها خلال مرحلة الدراسة، مؤكدةً أنها كانت من أصعب الفترات في حياتها. إذ كانت تراجع دروسها على ضوء الهاتف داخل خيمة صغيرة تتقاذفها رياح الشتاء وأصوات القصف.
ووفق معطيات وزارة التعليم الفلسطينية حتى 16 سبتمبر/أيلول الماضي، قتلت إسرائيل في حرب الإبادة 17 ألفاً و711 طالباً وطالبة في قطاع غزة وجرحت 25 ألفاً و897 آخرين، إضافةً إلى قتل 763 من كوادر المدارس وجرح 3189 آخرين.
ووفق المعطيات نفسها، دمَّرت إسرائيل 172 مدرسة حكومية في غزة، وقصفت وخرَّبت 118 مدرسة حكومية أخرى، إضافةً إلى قصف وتخريب أكثر من 100 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
نزوح ومعاناة
ومن بين الناجحين، برزت الطالبة قمر شيخ العيد التي حصلت على معدل 90.1% في الفرع العلمي، رغم عامين من النزوح والمعاناة تحت القصف والجوع والخوف.
وتقول قمر لمراسل الأناضول: "تسببت الحرب في تأخير حياتنا التعليمية لعامين، حيث حُرمنا من التعليم لمدة عامين"، وأضافت: "أُهدي نجاحي لكل الشهداء". وتابعت: "أعيش في خيمة منذ عامين تحت القصف والجوع والخوف، لكننا رغم ذلك استطعنا أن ننجز".
وفي 3 سبتمبر/أيلول الماضي، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن "الاحتلال الإسرائيلي يحرم، للعام الثالث على التوالي، نحو 785 ألف طالب وطالبة من الدراسة، و25 ألف معلم من حقهم الأساسي في التعليم، في جريمة ممنهجة يرقى أثرها إلى إبادة ثقافية وتعليمية".
وفي 7 أغسطس/آب الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، في بيان، إن هجمات إسرائيل على مدارس غزة ستعطل التعليم لسنوات عديدة. وزادت بأن "إصلاح هذه المدارس وإعادة بنائها سيتطلب كثيراً من الموارد والوقت، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية كبيرة على الأطفال وأولياء الأمور والمعلمين".
حياة أخرى
وفي خان يونس، تروي الطالبة ملاك أبو عمشة، من مدينة خان يونس، شمالي القطاع، حكايتها مع النزوح والتعليم في زمن الحرب، بعد أن حصلت على معدل 89.6 في الفرع العلمي.
وتقول للأناضول: "نزحنا من الشمال إلى الجنوب بسبب الحرب، ورغم القهر والخوف والظروف الصعبة نجحنا وتفوقنا".
وتتحدث ملاك بحسرة عن حياتها قبل الحرب، قائلةً: "كنت أعيش في غرفتي الخاصة، أدرس على مكتبي بهدوء، لكن فجأة تبدّل كل شيء. نقلتنا الحرب إلى واقع مختلف تماماً، وقلبت حياتنا رأساً على عقب". وتضيف: "كنا ندرس على ضوء الهاتف داخل الخيمة، ونتنقل من مكان إلى آخر، لكننا لم نفقد الأمل".
وأجبرت الحرب الإسرائيلية نحو مليوني فلسطيني على النزوح والعيش في ظروف إنسانية قاسية وغاية في التعقيد.
وبدعمٍ أمريكي، ارتكبت إسرائيل منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة، خلّفت 67 ألفاً و913 شهيداً، و170 ألفاً و134 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 463 فلسطينياً بينهم 157 طفلاً.