مسجد تقسيم (AA)
تابعنا

تَحقَّق الحلم الذي جرى انتظاره طويلاً، الخاص بإنشاء مسجد بجانب ميدان تقسيم الواقع في الشق الأوروبي من مدينة إسطنبول، وبات افتتاحه للعبادة قاب قوسين أو أدنى بعد جهود متواصلة دامت أكثر من خمسة عقود، بدءاً من فكرة إنشاء مسجد صغير أواخر الستينيات، مروراً بالمحاولات العديدة التي عطّلها السياسيون والقضاء طوال 50 عاماً، وانتهاءً ببدء عمليات البناء بداية عام 2017.

وفي 17 فبراير/شباط 2017، شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وضع حجر الأساس لمشروع مسجد تقسيم الجديد، المسجد الذي وعد ببنائه خلال فترة رئاسته لبلدية إسطنبول بين 1994 و1998، لكنه لم ينجح في تحقيقه إلا بعد 27 عاماً، بعد تجاوزه جميع العراقيل التقنية والقضائية والسياسية المعارضة التي حالت لفترة طويلة من الزمن دون إنشاء المسجد.

ووفق المخطط الزمني للمشروع، أصبح المسجد جاهزاً للعبادة واستقبال المصلين بعد اكتمال جميع أعمال البناء والتزيين، إذ من المتوقع أن يستقبل المسجد آلاف الأتراك والسياح العرب والمسلمين بعد افتتاحه رسمياً غداً الجمعة.

وفي هذا التقرير نستعرض حكاية المسجد كاملة، والصعاب والعراقيل التي جرى تجاوزها من أجل بنائه، بالإضافة إلى فرح السكان المحليين والسياح باكتمال المسجد بالشكل الذي يليق بهذه المنطقة السياحية الشهيرة من مدينة إسطنبول.

نتاج جهد استمر 50 سنة

طُرحت فكرة بناء المسجد بجانب ميدان تقسيم عام 1968، مكان جامع صغير يعود إلى وقف محمود الثاني الخيري. ولهذا الغرض أُسّست عام 1977 جمعية خاصة من بعض المحسنين الأتراك لتقف على أعمال التجهيز والتخطيط والبناء. عند بدء أعمال التحضير للمشروع، وجدوا أن مساحة الأرض لا تكفي لإنشاء مسجد كبير، لذلك حاولوا شراء بعض الأملاك المجاورة من أجل زيادة رقعة البناء.

وفي سعي الجمعية الخاصة ببناء المسجد لشراء الأملاك المحيطة، تقدمت عام 1980 بعرض شراء قطعة أرض بمساحة 800 متر مربع تعود ملكيتها إلى بلدية إسطنبول، إلا أن البلدية رفضت عرض الشراء، واستمر الرفض حتى وصول أردوغان إلى رئاسة بلدية إسطنبول عام 1994، فقرّر على الفور بيع الأرض للجمعية إيفاءً بالوعد الذي قطعه في أثناء انتخابات البلدية. وهكذا كبرت أرض المسجد لتصل إلى نحو 2800 متر مربع، وأصبحت جاهزة لبناء مسجد كبير، خصوصاً بعد شراء قطعة أرض من بنك زراعات الحكومي التركي عام 1998.

إلا أن العقبات لم تكن محصورة بإيجاد المساحة الكافية للمشروع، فمن الناحية الأخرى كانت تدور حرب قضائية في قاعات المحاكم استمرت لأكثر من 30 عاماً، في عام 1977 صُنّفت أرض المشروع في الخارطة الهيكلية للمنطقة كأرض مسجد، إلا أن قرار المحكمة الإدارية عام 1983 وقف أعمال البناء.

وفي عام 2011 قدّمت بلدية بي أوغلو مخطَّطها الحضري الخاص بالمنطقة التي تشمل ميدان تقسيم، وحسب المخطط اعتُبرت أرض المشروع أرض مسجد، وعلى أثر ذلك تقدمت جمعيتا "جيهان غير" و"غلاطة" بدعوى قضائية ضد بلدية بي أوغلو ووزارة الثقافة والسياحة وبلدية إسطنبول الكبرى من أجل إلغاء هذا المخطط، إذ قررت المحكمة الإدارية العاشرة بإسطنبول بالإجماع عام 2013 إلغاء المخطط. بعد قرار الإلغاء استأنفت بلدية بي أوغلو القرار وطالبت بوقف التنفيذ، وفي عام 2015 ألغت المحكمة الإدارية السادسة بإسطنبول قرار المنع، وأصبحت أرض المشروع رسمياً مناسبة قانونياً لبناء المسجد.

التصميم المعماري

وقع الاختيار رسمياً عام 2019 على تصميم المعماريَّين التركيَّين شفيق بيرقية وسليم دالامان، اللذين صمّما مبنى المجمع الرئاسي الجديد في العاصمة التركية أنقرة، واعتمد المهندسان طراز "الآرت ديكو" في التصميم، بشكل يجمع بين التصميمين العصري والكلاسيكي ليلائم وينسجم مع الأبنية والهياكل المجاورة له، ومن أبرزها، نُصُب الجمهورية في منتصف الميدان، ودار الأوبرا في الطرف الآخر من الميدان، بالإضافة إلى كنيستَي آيا تريادا للروم الأرثوذكس، وسورب أسدوادزادزين للأرمن الكاثوليك.

وفي أثناء عمليات التخطيط والتحضير للبناء صُمّم عديد من النماذج المعمارية للمسجد، كان أبرزها تصميم المعماري التركي الشهير أحمد فيفيك ألب، إذ حصل مشروعه لمسجد ومتحف تقسيم على جائزة الاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين (International Union of Architects) عام 2012.

ولم يُطرَح المشروع في مناقصة عامة لأن شركة المقاولات التركية "سور يابي - Sur Yapı" تكفلت بجميع مراحل البناء مجاناً بالكامل، في الوقت الذي ستُجرِي فيه الجمعية مهامّ الإشراف على التنفيذ كافة.

مواصفات البناء

تبلغ مساحة المسجد ألفين و482 متراً مربعاً، وارتفاع قبته 9.6 متر، ومن المتوقع أن يتسع لألفين و575 مصلياً في آن واحد. ويحوي المسجد مئذنتين ارتفاع كل منهما 30.3 متر، صُمّمتا بشكل يراعي ارتفاع برج الكنيسة المجاورة للمسجد.

ويضمّ المسجد أيضاً قاعة خاصة للمعارض الثقافية بمساحة 155 متراً مربعاً، إلى جانب مساحة مخصصة للأوقاف والجمعيات تقدر مساحتها بـ180 متراً مربعاً، وبه أيضاً موقف خاص لسيارات المصلّين يتألف من 3 طوابق تحت الأرض ويتسع لـ165 سيارة.

سعادة السكان والسياح

يطلق اسم تقسيم على الحيّ والميدان نسبةً إلى "مقسم المياه -Taksim Maksemi"، المنشأة التي بناها السلطان العثماني محمود الأول عام 1731 لتوزيع المياه القادمة من غابة بلغراد إلى شبكة المنطقة، التي تحولت لاحقاً إلى متحف تعود ملكيته إلى بلدية إسطنبول. سابقاً في زمن الدولة العثمانية، كان يقطن الحي أغلبية مسيحية، لذلك تحتوي المنطقة وما حولها على عديد من الكنائس، إلا أن ديموغرافية المنطقة تغيرت تماماً منذ إنشاء الجمهورية التركية الحديثة عام 1923.

ومع تزايد أعداد الأتراك المسلمين في الحي وازدياد السياح العرب والمسلمين الزائرين لمنطقة تقسيم، إحدى أهم المناطق السياحية في مدينة إسطنبول، أصبحت المساجد الصغيرة في الحي لا تتسع للمصلّين عند صلاة الجمعة، ويُضطرّ المصلون إلى فرش سجادات الصلاة الخاصة بهم على الطرقات لأداء صلواتهم. لهذا كانت الحاجة إلى بناء مسجد كبير يليق بهذه المنطقة السياحية الشهيرة من مدينة إسطنبول.

وينتظر السكان المحليون وحرفيو المنطقة بسعادة اكتمال أعمال البناء في المسجد الجديد، ففي تصريحات وسيم كير، الذي يمتلك مكتباً في مركز أعمال تقسيم، في تقرير خاص بـ"HaberTürk"، قال: "نحن سعداء جداً برؤية المسجد يكتمل يوماً بعد يوم، بخاصة في وقت الشتاء عندما كنا نذهب إلى المساجد المحيطة ونُضطرّ إلى الصلاة في الخارج".

TRT عربي