الصوماليون الذين فروا من المناطق المنكوبة بالجفاف يحملون أمتعتهم عند وصولهم إلى مخيم مؤقت للنازحين في ضواحي مقديشو (AP)
تابعنا

مع ازدياد الأعاصير والفيضانات والحرائق بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، ظهرت الهجرة البيئية بأنواعها وأسبابها المختلفة، وباتت مسألة ما يجب فعله حيال الزيادة السريعة في أعداد النازحين أكبر وأكثر إلحاحاً بالتزامن مع تضاعف عدد المهاجرين على مستوى العالم خلال العقد الماضي.

وبينما قدّرت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار والنصف خلال العقود الثلاثة القادمة، نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن كتاب بعنوان "قرن البداوة: كيفية البقاء على قيد الحياة في المناخ" الذي أشار إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في العالم وارتفاع عدد سكان العالم إلى ذروته المتوقعة في منتصف ستينيات القرن العشرين من شأنها أن تزيد أعداد مهاجري المناخ بعد خمسينيات القرن الجاري.

وبشكل مشابه لما حدث في عام 1845 عندما هاجر ملايين الأيرلنديين إلى الولايات المتحدة بسبب المجاعة القاتلة التي تسبب بها تلف محصول البطاطا في أيرلندا، بدأ التغيّر المناخي بالتكشير عن أنيابه مدشّناً نوعاً جديداً من هجرات جماعية تفوق في أعداها أعداد مهاجري الحروب والنزاعات، وحتى الهجرات الداخلية من الريف إلى المدينة، بمراحل كبيرة. إليكم في هذا التقرير الحكاية كاملة.

مهاجرو المناخ

لا يوجد تعريف قانوني للأشخاص المتنقّلين بسبب الدوافع البيئية حتى الآن ولا يوجد تعريف مقبول دولياً. ومع ذلك، طرحت المنظمة الدولية للهجرة في عام 2007 تعريفاً عملياً واسعاً للهجرة البيئية يصف المهاجرين البيئيين بالتالي: "أشخاص أو مجموعات من الأشخاص الذين، في الغالب لأسباب تتعلق بالتغيير المفاجئ أو التدريجي في البيئة الذي يؤثر سلباً على حياتهم أو ظروفهم المعيشية، يُضطرون إلى مغادرة منازلهم المعتادة، أو يختارون القيام بذلك، إما بشكل مؤقت أو دائم، إما داخل بلدهم أو خارجها".

وفي حين أن هذا هو تعريف عملي للمنظمة الدولية للهجرة مع عرض تحليلي وترويجي وليس له أي قيمة قانونية محددة، إلا أنه استُخدم في اتفاقيات كانكون الملزمة قانوناً بشأن التكيّف مع تغيّر المناخ، والتي اعتمدتها الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ. والتي بدورها حددت ثلاثة أشكال من الحركة "الناجمة عن تغيّر المناخ": النزوح، والهجرة، وإعادة التوطين المخطط لها. وقد استخدم البنك الدولي هذا المصطلح أيضاً في توقّع التحركات المستقبلية بسبب الآثار السلبية لتغيّر المناخ.

وبالعودة إلى تقرير "الغارديان"، نرى أن عدداً كبيراً من السكان سوف يُضطرون إلى الهجرة بسبب التغيير المناخي، ليس فقط إلى أقرب مدينة، ولكن أيضاً عبر القارات أيضاً. حيث سيحتاج أولئك الذين يعيشون في مناطق ذات ظروف أفضل، وخاصة الدول الواقعة في خطوط العرض الشمالية، إلى استيعاب ملايين المهاجرين، بينما يتكيّفون مع متطلبات أزمة المناخ.

هجرة نحو البرودة

يشهد العالم بالفعل ضعف عدد الأيام التي تتجاوز فيها درجات الحرارة 50 درجة مئوية عمّا كانت عليه قبل 30 عاماً، وهذا المستوى من الحرارة قاتل للبشر، كما أنه يمثّل مشكلة كبيرة للمباني والطرق ومحطات الطاقة، وهو ما يجعل المنطقة غير صالحة للعيش.

وبينما تتطلب هذه الدراما الكوكبية المتفجرة استجابة بشرية ديناميكية، سيحتاج البشر إلى مساعدة الناس على الانتقال من الخطر والفقر إلى الأمان والراحة، لبناء مجتمع عالمي أكثر مرونة لصالح الجميع في مواجهة الهجرة المناخية، حيث سيحتاج البشر إلى إنشاء مدن جديدة تماماً بالقرب من القطبين الأكثر برودة في الكوكب، على الأرض التي سرعان ما أصبحت خالية من الجليد بسبب الاحتباس الحراري. فعلى سبيل المثال، أجزاء من سيبيريا، المنطقة الروسية الشاسعة المتجمدة نحو نصف العام، تشهد بالفعل درجات حرارة تصل إلى 30 درجة مئوية لعدة أشهر في كل مرة، وفقاً لـ"الغارديان".

وبينما تتآكل توكتوياكتوك بمتوسط ​​مترين في السنة، بالمعدل الحالي، ستختفي الجزيرة بأكملها بحلول عام 2050 ما لم يُخفف، يمكن لمجتمعات أمريكا الشمالية وسيبيريا الأخرى أن ترى مصيراً مشابهاً، ما يعني أن الحياة البرية ومعها السكان المحليون مجبرون على الانتقال شمالاً نحو أماكن أكثر برودة بعيداً عن حرائق غابات القطب الشمالي.

البلدان الأكثر تضرراً

في عام 2018، قدّر البنك الدولي أن ثلاث مناطق (أمريكا اللاتينية وإفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا) ستولد 143 مليون مهاجر بسبب المناخ بحلول عام 2050. وفي عام 2017، هُجّر 68.5 مليون شخص قسراً، أي أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية. وفي حين أنه من الصعب تقدير ذلك، فإن ما يقرب من ثلث هؤلاء أُجبروا على الانتقال بسبب أحداث الطقس "المفاجئة"، الفيضانات وحرائق الغابات والجفاف والعواصف الشديدة، فإن الأحداث البطيئة التي يسببها التغيّر المناخي، مثل التصحّر وارتفاع مستوى سطح البحر وتحمّض المحيطات وتلوث الهواء وتحولات أنماط المطر وفقدان التنوع البيولوجي، ستؤدي إلى تفاقم العديد من الأزمات الإنسانية وبالتالي هجرة مزيد من الأشخاص.

ويرى الخبراء أن هناك بلدان يُتوقع أن تتضرر أكثر من غيرها. فمن المتوقع أن تصبح بنغلاديش غير صالحة للسكن، ومن المتوقع أن يكون أكثر من 13 مليون بنغلاديشي، ما يقرب من 10% من السكان، أن يغادروا البلاد بحلول عام 2050.

وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتوقع الدراسات المناخية غرق مدينتي البصرة بالعراق والإسكندرية بمصر نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، وارتفاع درجات الحرارة في أجزاء من الشرق الأوسط، وخاصة الخليج، إلى مستويات قياسية غير مسبوقة لا يطيقها معظم الناس (60 -70 درجة مئوية)، ما سيحوّل مدن المنطقة لمناطق غير صالحة للسكن ونزوح مئات آلاف البشر من منازلهم.

TRT عربي