تابعنا
يشير التاريخ إلى أن المرأة السودانية ناضلت في سنوات باكرة من أجل ممارسة الأنشطة الرياضية وبخاصة كرة القدم، لكن تقاليد المجتمع وقوانين النظام السابق، حالت دون انتشار الرياضة النسوية.

أكثرُ ما كانت تحلم به أرجوان صلاح، أن تمارس كرة القدم في صالة مغلقة جمهورها من السيدات، لكن يبدو أنها حصدت أكثر مما تطمح إليه، بعد أن زالت الشروط التي وضعها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، لممارسة كرة القدم النسائية في السودان.

ميادين وجمهور مزدوج

واقع الحال يشير إلى أن أرجوان لاعبة فريق التحدي، حققت حلمها بلعب كرة القدم داخل ملاعب بمواصفات دولية، في وجود جمهور من الجنسين، النساء والرجال، بعد أن دشّن اتحاد كرة القدم النسخة الأولى من دوري السيدات في السودان.

"كنا نمارس رياضة كرة القدم في ظروف بالغة التعقيد وبضوابط مشددة وضعها النظام السابق، الذي لم يكن يملك الجرأة والشجاعة للسماح للنساء بلعب كرة القدم دون شروط قاسية"، تقول أرجوان.

وأضافت في حديثها لـTRT عربي، أن النظام السابق كان يسمح بلعب كرة القدم النسائية بعيداً عن الإعلام وأعين الرجال، بهدف الحصول على الدعم المالي الذي يخصصه الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى الدول التي تسمح بالرياضة النسوية.

وأطلق الاتحاد السوداني النسخة الأولى من دوري كرة القدم للسيدات، بحضور الوزيرة ولاء البوشي التي تعد أول امراة تتولى حقيبة الشباب والرياضة في السودان، معلناً عن مشاركة 21 فريقاً نسائياً في المسابقة.

وتشير أرجوان صلاح إلى أن وجود وزيرة على رأس وزارة الشباب والرياضة أسهم بصورة فاعلة في تدشين النسخة الأولى من دوري كرة القدم النسائية التي كانت محاصرة من النظام السابق.

وقالت صلاح، التي تدرس طب الأسنان بإحدى الجامعات السودانية، إن الحكومة الانتقالية التي تشكلت عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير تمضي بخطى واثقة لإنصاف وتمكين المرأة المعروفة بـ(الكنداكة)، لما قدمته من أدوار بطولية خلال المظاهرات.

تاريخ حافل

وثائق التاريخ تشير إلى أن المرأة السودانية ناضلت في سنوات باكرة من أجل ممارسة الأنشطة الرياضية وبخاصة كرة القدم، لكن تقاليد المجتمع وقوانين النظام السابق، حالت دون انتشار الرياضة النسوية، وفقاً لاختصاصيين.

وترى عضو الاتحاد السوداني لكرة القدم، ورئيس لجنة كرة القدم النسوية، ميرفت حسين، أن السودان تأخر كثيراً في تدشين دوري كرة القدم للسيدات بسبب التعقيدات القانونية والمجتمعية.

وقالت حسين لـTRT عربي، إن كرة القدم النسائية لاقت قبولاً كبيراً في الأوساط السودانية، بخاصة عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

وأكدت ميرفت حرص اتحاد كرة القدم على توفير المعدات والملاعب لتشجيع النساء على ارتياد اللعبة، وتوقعت أن تتسع شعبية كرة القدم النسائية في السودان، في ظل جهود الاتحاد لتكوين منتخب وطني يمثل السودان في المحافل الرياضية النسوية.

وعرف السودان المناشط الرياضية باكراً، وأسس مع مصر وإثيوبيا الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في العام 1957م، لكنه لم يفز ببطولة الأمم الإفريقية سوى مرة واحدة في العام 1970م.

ولفت الناقد الرياضي معاوية الجاك إلى أن العام 2001م شهد ميلاد أول فريق كرة قدم نسائي تحت اسم التحدي، تبعه ظهور عدد من الفرق بما في ذلك فِرق داخل بعض الجامعات السودانية، لكن "سرعان ما توارت تلك الفرق لغياب الرعاية الرسمية من الدولة".

وقال الجاك لـTRT عربي، إن نشاط المرأة السودانية ليس قاصراً على ممارسة كرة القدم وحدها، فهناك نساء سودانيات رائدات في السباحة والتجديف وغيرها من المناشط الرياضية.

وأكد وجود 24 سيدة سودانية يمارسن التحكيم في كرة القدم، بينهن من يحملن الرخصة الدولية، وفيهن من شاركن في إدارة مباريات على مستوى أنشطة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، منوهاً إلى أن هناك أسماء لمعت في مجال التدريب مثل سلمى الماجدي التي تعد أول مدربة لفريق كرة قدم رجال في السودان والوطن العربي.

عقبات في الطريق

يبدو أن طريق المرأة السودانية لن تكون ممهدة وهي تركض في الملاعب، فقد عارضت تيارات دينية محسوبة على النظام السابق دوري كرة القدم للسيدات، وشددت على أن وجود مشجعين من الرجال داخل ملاعب كرة القدم النسائية يتنافى مع الشريعة الإسلامية.

وقال رئيس هيئة علماء السودان البروفيسور محمد عثمان صالح، لـTRT عربي، إن ممارسة المرأة للرياضة تحتاج إلى ضوابط شرعية غير متوفرة حالياً، منوهاً إلى أن قوى الحرية والتغيير (التحالف السياسي الحاكم في السودان) مشغولة بنشر العلمانية في البلاد، وغير مهتمة بالقضايا الأساسية.

تقول اللاعبة أرجوان عصام التي حازت شهرة واسعة عقب تدشين دوري السيدات، "لم أكن أتصور أن تكون الهجمة شديدة على كرة القدم النسائية، فنحن ودّعنا العهود الظلامية، يجب عدم اعتراض مسيرة اللاعبات، فهنّ عازمات على إكمال المشوار".

القلق الذي أظهرته اللاعبة أرجوان على مستقبل كرة القدم النسائية في السودان، زادت وتيرته بدرجة كبيرة، عقب الهجوم الكثيف الذي صوبّه الدكتور عبد الحي يوسف، أحد أبرز رجال الدين في السودان، على دوري السيدات.

وقال يوسف إن وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي التي ترعى دوري السيدات، "تؤمن بما لا نؤمن به"، وأنها تتّبع منهج رجل مرتد عن الإسلام، في إشارة إلى مؤسس الحزب الجمهوري محمود محمد طه الذي أعدمه الرئيس الأسبق جعفر نميري بتهمة الردة، في يناير 1985م، بناء على حكم قضائي.

وحرّكت وزيرة الشباب والرياضة إجراءات قانونية ضد عبد الحي، بتهم مخالفة الوثيقة الدستورية، وقالت إنه كفَّرها.

وسرعان ما ردّ محامو عبد الحي بتدوين بلاغ في مواجهة الوزيرة، بزعم أنها كتبت منشورات على صفحتها الشخصية بموقع "فيسبوك"، تسيء لموكلهم وتشين سمعته.

وأوجد الجدل والسجال القانوني بين وزيرة الشباب والرياضة والدكتور عبد الحي يوسف حالة من الاصطفاف الأيديولوجي بين العلمانيين وبعض التيارات ذات المرجعية الإسلامية.

لكنّ عضو الاتحاد السوداني لكرة القدم، ورئيس لجنة كرة القدم النسوية، ميرفت حسين، تؤكد أن دوري السيدات سيستمر، وأن لجنتها لن تتخذ أي قرار بمنع الرجال من مشاهدة المباريات من داخل الملاعب النسائية.

أطلق الاتحاد السوداني النسخة الأولى من دوري كرة القدم للسيدات، بحضور الوزيرة ولاء البوشي (Reuters)
أكثرُ ما كانت تحلم به أرجوان صلاح، أن تمارس كرة القدم في صالة مغلقة جمهورها من السيدات، لكن يبدو أنها حصدت أكثر مما تطمح إليه (AFP)
المرأة السودانية ناضلت في سنوات باكرة من أجل ممارسة الأنشطة الرياضية وبخاصة كرة القدم (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً