تابعنا
شنّت القوات الإسرائيلية ليل الجمعة 29 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قصفاً هو الأعنف منذ بدء العدوان على غزة، إذ تساقطت عشرات الصواريخ خلال مدة دقيقة واحدة على القطاع مستهدفة مناطق محدّدة، بمشاركة القوات الجوية والبحرية والبرية.

وبدا القصف العنيف كأنّه يحمل مؤشرات اقتراب الاجتياح البري بشكل كبير، بينما أكّدت شركة الاتصالات الفلسطينية "جوال" توقُّف خدماتها كافة في القطاع، وهو ما يعني انقطاع غزة عن العالم.

وقال مرصد "نت بلوكس" المعنيّ برصد الوصول إلى شبكة الإنترنت، إنّ الاتصال بالشبكة في قطاع غزة قد انهار، مضيفاً أنّ "البيانات المباشرة تظهر انهيار الاتصال بالشبكة في قطاع غزة، وسط أنباء عن قصف كثيف".

تكتّم حول العملية البريّة

وقد تعمّد الجيش الإسرائيلي عدم الإفصاح عن طبيعة العملية البريّة التي أطلقها في شمال قطاع غزة، بهدف خلق حالة من الإرباك ومفاجأة فصائل المقاومة الفلسطينية.

ولا تزال قوات الاحتلال متمركزة في شمال القطاع بعد توغّل محدود ليلة السبت 30 أكتوبر/تشرين الأول، بينما تواجهها المقاومة الفلسطينية، التي أكّدت أنّها صدّت تقدّماً إسرائيلياً في مواقع مختلفة ودمّرت آليات إسرائيلية، على حين يقول الجيش الإسرائيلي إنّه "قتل عشرات المقاتلين".

وأشارت صحف إسرائيلية إلى تعمّد الحكومة الإسرائيلية عدم الإفصاح لوسائل الإعلام عن طبيعة توغّل الجيش في غزة، وذلك لمفاجأة حماس، وصنع حالة تشتت بشأن المعركة، والعمل بناءً على التطورات، وبالتالي اتخاذ القرارات بشأن الاستمرار خطوة بعد الأخرى.

وتقدّمت الدبّابات الإسرائيلية بدعم جوي إلى مناطق بيت لاهيا وبيت حانون، وهي المحاور الشمالية المرشّحة لأن تشهد التقدم البري على وقع حزام ناري ضخم وعمليّات تروج إسرائيل على أنّ هدفها "تطهير غزة من حماس".

ومن هذا المنطلق، يعتبر المحلل السياسي إبراهيم ريحان، أنّ الدوائر العسكرية الإسرائيلية تسعى إلى توسيع التوغل البري، وهو جزء من عملية "متدحرجة" تأخذ بالاعتبار كل العوامل، بما فيه قضية الرهائن وجبهة لبنان والضغوطات الإقليمية، وتحديداً المواقف التركية والسعودية.

ويرى ريحان في حديثه مع TRT عربي، أنّ إسرائيل تعتقد على المستويات العسكرية والسياسية، أنّ هذا الأسلوب يضمن مجالاً من "السهولة أمام إسرائيل"، بمعنى توسيع خياراتها لتصبح ثلاثة خيارات، هي إمكانية توسيع عملياتها والانتقال إلى اجتياح بري أوسع، أو مواصلة عمليات التوغل البري وتوسيعها لعمق ثلاثة كيلومترات بعد السياج "الأمني"، أو الاستجابة لدعوات وقف إطلاق النار بشروطها.

ويرجّح المحلل السياسي أنّ هدف المرحلة الثانية للحرب يكمن في ممارسة ضغط واسع ومباشر على حركة حماس، عبر مضاعفة القصف الجوي الضخم وتوسيع العملية البرية.

ويلفت إلى أنّ إسرائيل "تسابق الزمن بقوتها النارية الأعنف واستخدام كل الوسائل، كي تجبر حماس على التقدم بمقترح منخفض السقف بشأن الأسرى والرهائن في غزة، بما يمنح حكومة نتنياهو مرونة ميدانية وانتصاراً معنوياً".

شروط للمقاومة.. وعمليّة "معقّدة"

ويروّج الإعلام الإسرائيلي -وفق ريحان- لسرديّة احتمال الاجتياح البري الواسع، لكنّ "الجيش والمخابرات العسكرية تأخذ بالاعتبار قضية الأسرى، ومدى جاهزية حماس للدخول بصفقة، إذ تريد إسرائيل صفقة بسقف تحدّده، وهذا الأمر يبدو صعباً لاعتبارات عدة، أهمها أنّ حماس لا تزال تتحكم بميدان غزة، وإسرائيل هي المحرجة أمام الرأي العام الإسرائيلي وأمام الأطراف الإقليمية".

وفي المقابل يعتقد الباحث الفلسطيني أحمد العبد أنّ الجدل الدائر في إسرائيل بشأن العملية البرية، يتزامن مع تواتر الإشارات إلى إمكانية إبرام صفقة لتبادل الأسرى، برعاية الوسطاء القطريين، في حين أنّ الصفقة نفسها مقرونة بتأجيل تلك العملية التي تُعقّد إبرامها.

ويبيّن العبد في حديثه مع TRT عربي، أنّ هذا السيناريو هو ما حاولت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تضغط على إسرائيل للسير فيه، إذ حثت حكومة نتنياهو على ضمان الجيش لسلامة الرهائن إذا ما أراد الشروع في العملية البرية.

ويشير الباحث الفلسطيني إلى أنّ الإدارة الأمريكية "غير مقتنعة بتفاصيل خطة إسرائيل الخاصة بالغزو البري، وسط رفض دولي وإقليمي واسع لها، وخاصة بعد أن قال وزير الدفاع لويد أوستن، لنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، إنّ واشنطن أبلغت الإسرائيليين بعدم اقتناعها بوجود خطة جيّدة لِما يريدون القيام به في غزة".

محاولات لإضعاف المقاومة

من جهة ثانية، يعتبر الخبير العسكري جوزيف شاهين أنّ إسرائيل قد تعتقد أنّ حركة حماس لن تصمد أكثر من خمسة أسابيع على وقع القصف الأعنف واغتيال قياداتها وضرب البُنية العسكرية وتوجيه ضربات للأنفاق المنتشرة، بالتزامن مع فرض الحصار الخانق.

هذا يعني -كما يضيف شاهين لـTRT عربي- أنّ الجانب الإسرائيلي "يعوّل على عامل الوقت والظرفيّة الصعبة وانهيار المنظومة الصحية لإخضاع حماس، أكثر من رغبته في تنفيذ اجتياح واسع يُدخل قواته إلى قلب المناطق والمخيمات والأزقة في قطاع غزة".

ويضيف أنّ إسرائيل تريد أن "تخرج بنتيجة من الحرب عنوانها "إضعاف حماس قدر الممكن" على المستويات العسكرية والسياسية في القطاع، لفرض صفقة إعادة الرهائن وتحييد نهائي لغزة عن المواجهة مع إسرائيل مستقبلاً".

ويرجّح الخبير العسكري أن "تخرج القوات الإسرائيلية من غزة بعد تحقيق أهدافها وتفكّ الارتباط مع القطاع، وتتركه لجهات أمميّة وعربيّة لتتولى مسؤولياتها تجاهه، كما يبرز طرح يقوم على جلب قوات مشتركة أمريكية وعربية للانتشار على حدود الغلاف والساحل المطل على القطاع".

كما يرى أنّ "الجانب الإسرائيلي يسعى من خلال توغلات بريّة عميقة متلاحقة ومن جهات عدّة أن يفرغ منطقة واسعة، لتستولي قوّاته على مساحة من غزة لمصلحة إقامة غلاف أمني مزدوج وزرع حقول من الألغام".

ويعتبر شاهين أنّ القوة النارية الضخمة وتوسيع العملية البرية يأتيان في سياق محاولات إسرائيل لتحقيق "أهداف عسكرية واستراتيجية وتكتيكية كبيرة في زمن قياسي"؛ لأنّ المخابرات العسكرية الإسرائيلية تقول لنتنياهو إنّ المنطق يقول ألا تتحول غزة إلى مساحة استنزاف مستمرة.

بدوره يعتبر الباحث السياسي طوني عيسى أنّ "محاولات الاجتياح أبدت قلقاً أمريكياً بخصوص ما ستفرزه عملية الدخول التدميري إلى غزة، كما كان يتصورها العقل العسكري واليميني المتطرف في إسرائيل".

ويضيف عيسى لـTRT عربي، أنّ هذا القلق ازداد بسبب "حجم الضحايا المدنيين الفلسطينيين الذي لا يمكن تصوّره، ومن الإسرائيليين في غلاف غزة وخارجها، ومن الأمريكيين والغربيين عموماً، لأنّ تداعيات العملية البرية ستشمل مناطق أخرى من إسرائيل".

ويرى الباحث السياسي أنّ الخسائر التي ستقع في صفوف الجنود الإسرائيليين المشاركين في عملية الاجتياح ستكون كبيرة، لأنّ الأنفاق التي جهّزتها حماس عنصر أساسي في المعركة.

ويلفت عيسى إلى أنّ "الاجتياح البري ستكون له أضرار سياسية هائلة، إذ سيخسر الأمريكيون أغلبية حلفائهم العرب والمسلمين، لأنّ لا أحد منهم سيتحمل هذا الحجم الهائل من الخسائر بين المدنيين الفلسطينيين، وستتراجع مسارات التطبيع العربي مع إسرائيل، بعدما اجتازت أشواطاً بعيدة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً