تابعنا
تقدِّر الأمم المتحدة عدد النازحين إلى رفح بأكثر من نصف سكان غزة، أي ما يصل إلى نحو مليون ونصف المليون نسمة، معظمهم من السيدات والأطفال الذين يعيشون في أوضاع صعب للغاية.

منذ إعلان قوات الاحتلال الإسرائيلي نيتها تنفيذ عملية عسكرية برية في رفح جنوب قطاع غزة، زعماً منها أن كتائب خاصة بحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) توجد في المدينة، تنخرط الأطراف الفاعلة في الأزمة القائمة بسبب الحرب على قطاع غزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في مفاوضات مستمرة مع تل أبيب من أجل التوصل إلى حل يمنع وقوع هذه العملية العسكرية.

وتحولت رفح، البالغ مساحتها نحو 55 كيلومتراً والواقعة على الحدود الفلسطينية مع سيناء المصرية، إلى ملجأ للنازحين من القطاع منذ بدء الحرب في غزة، وقد دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى توخي الحذر من وقوع أعمال وحشية في المدينة إذا ما نفّذت إسرائيل عمليتها العسكرية، مع انتشار النازحين في كل مكان فيها.

وتقدِّر الأمم المتحدة عدد النازحين إلى رفح بأكثر من نصف سكان غزة، أي ما يصل إلى نحو مليون ونصف المليون نسمة، معظمهم من السيدات والأطفال الذين يعيشون في أوضاع صعب للغاية.

وأوضح أحمد الصوفي، رئيس بلدية رفح، أن التكدس في رفح الآن "يشبه موسم الحج"، حيث توجد في المدينة كثافة سكانية مرتفعة مع خدمات قليلة جداً، وسط طقس شديد البرودة، في حين كان يسكن المدينة قرابة 280 ألف شخص قبل العدوان الإسرائيلي على غزة.

مخطَّط للهجرة والعنف

يرى الجانب الإسرائيلي أن هدف هذه الحرب الأساسي هو "القضاء على حركة حماس" وهو ما لن يحدث إذا تركت إسرائيل ما تزعم وجوده في رفح من كتائب لحماس، حسب تصريحات نتنياهو، الذي يسعى بهذه العملية لإرضاء اليمين المتطرف داخل بلاده.

ويقول رئيس تيار الاستقلال الفلسطيني، الدكتور محمد أبو سمرة، إن نتنياهو ربط مصيره السياسي وحكومته باستمرار الحرب ضد قطاع غزة للشهر الخامس على التوالي، مشيراً إلى أن إسرائيل ترغب في تنفيذ مخططها "طرد أهالي القطاع والنازحين إلى رفح، والهجرة القسرية إلى مصر".

ويرى أبو سمرة في حديثه مع TRT عربي، أنه في حال اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي رفح فإنها "ستشهد سلسلة من المجازر البشعة تساوي عدة أضعاف أرقام المجازر والشهداء منذ بداية العدوان حتى اليوم".

ويوضح أن إسرائيل تريد استكمال عمليتها لاحتلال كامل قطاع غزة، وبالتالي التخلص من أكثر من نصف سكان القطاع بـ"القتل والإعدام الميداني والمجازر أو عبر التهجير القسري".

ويضيف رئيس تيار الاستقلال الفلسطيني أن إسرائيل لديها رغبة أخرى في اقتطاع كامل لغزة من الجغرافيا الفلسطينية، وجعل القطاع جزءاً من الماضي الفلسطيني مثلما فعلت في القدس وحيفا ويافا وعكا وصفد وعسقلان وبئر السبع، "فضلاً عن إلقاء العبء السكاني والمعيشي لأهالي القطاع على مصر، وجعلهم مشكلة دائمة للعرب والمنطقة".

إسرائيل تريد المناورة

ويرى الكاتب الفلسطيني أكرم عطا الله أن إسرائيل ترى أن عمليتها العسكرية ستكتمل فقط بدخول رفح وبمزاعمها للقضاء على كتائب لحماس هناك، مبيناً أن "عملية رفح تعطي تل أبيب مزيداً من الوقت للمناورة حول الرهائن".

ويشير عطا الله في حديثه مع TRT عربي، إلى أن إسرائيل تريد مزيداً من الوقت لقطع الطريق على الحديث عن اليوم التالي للحرب في غزة، والنقاش حول عملية عسكرية برية في رفح يجعل الكلام حول وقف العدوان وصفقة تبادل الأسرى بعيداً.

ورأى الكاتب الفلسطيني أن عملية رفح المزمعة هي "عسكرية وسياسية وأمنية" تعمل إسرائيل على استغلالها للتفاوض؛ "لأنها تحب التفاوض وقت العمليات العسكرية وتعدّها ورقة ضغط على الفلسطينيين".

وحول تعهدات إسرائيل بإيجاد ممرات آمنة لسكان رفح للخروج منها، استبعد عطا الله بدء تل أبيب العملية العسكرية في ظل هذه الكثافة السكانية في مدينة رفح الآن.

موقف أمريكي رافض

ورغم التأييد الأمريكي المستمر لإسرائيل، فإن واشنطن مؤخراً كانت ترفض العملية البرية في رفح، وإنْ كانت أمريكا في العموم لا تزال تؤيد فكرة إسرائيل القضاء على حركة حماس من خلال العدوان الحالي على غزة المستمر منذ 5 أشهر.

ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن العملية العسكرية التي تصر عليها إسرائيل في رفح بأنها "مبالَغ فيها"، وذلك خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وأنه على إسرائيل أن لا تقْدم على هذه الخطوة من دون "خطة موثوقة" تحمي من خلالها المدنيين، حسبما نشر البيت الأبيض حول المكالمة.

ومع بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أجبر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين على التوجه إلى خان يونس، والآن يجبرهم على التوجه إلى رفح.

مصر أيضاً ترفض

وعلى الجانب المصري، تصاعد الغضب في الأسابيع الأخيرة، رفضاً لما يمكن أن يحدث على حدودها، خصوصاً أن هذه الحرب شهدت بدايتها مقترحات إسرائيلية بتهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء في مصر، وهو ما رفضه علانيةً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكثر من مرة، وقال إن ذلك يهدد إقامة دولة فلسطينية.

وظهر حديث عن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وتعليق القاهرة لها، وهو ما نفاه وزير الخارجية المصري سامح شكري بقوله إن بلاده حافظت على اتفاقية السلام مع تل أبيب على مدار 40 سنة ماضية ولا تزال على التزامها.

ورغم استضافة القاهرة مفاوضات حول وقف إطلاق النار في القطاع حضرتها قطر ومدير المخابرات الأمريكية، لم تذهب إسرائيل إلى هذه المفاوضات إلا بعد إلحاح أمريكي عليها بإرسال وفدها، وكان هذا بعد عملية تحرير رهينتين إسرائيليتين أدت إلى استشهاد 67 فلسطينياً.

دعوة إلى تكاتف الجهود

وحول ما يمكن أن تفعله حركة حماس في ظل الأزمة الحالية المتعلقة بإسرائيل ورغبتها في عملية عسكرية بمدينة رفح، يقول الدكتور محمد أبو سمرة، إنه "على الحركة أن تضع مصلحة الشعب الفلسطيني عموماً وقطاع غزة خصوصاً أمام ناظرَيها".

ويوضح القيادي الفلسطيني أن أولوية حماس الآن يجب أن تكون التجاوب مع "الجهود المصرية وجهود القيادة الفلسطينية وكذلك الجهود القطرية، للتوصل إلى وقف إطلاق النار".

ودعا أبو سمرة إلى تكاتف الجهود الفلسطينية والمصرية والعربية والإقليمية لمنع إسرائيل من اجتياح رفح، ووقف إطلاق النار والعدوان، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع المناطق في قطاع غزة.

وشدد على أهمية البدء بعمليات إغاثة شاملة لسكان غزة، وتوفير كل احتياجاتهم من الشراب والغذاء والدواء والكساء والفرش والأغطية والخيام والكرفانات، وكل ما يلزم لعملية الإيواء؛ تمهيداً للبدء بعمليات إعادة إعمار القطاع.

TRT عربي