تابعنا
دلّ كثير من الوقائع الميدانية على أنه عند اندلاع أي نزاع عشائري بالمناطق ذات الطابع القبلي التي تستولي عليها مليشيات PYD الإرهابية في سوريا، فإنها ستقف موقف المتفرج من أي اقتتال.

وذلك في ترميز واضح لحجم استغلال المليشيات لتلك الظاهرة لأهداف سياسية، وعدم التدخل لمنع تكرارها لما لها من انعكاسات خطيرة على التكوين الديموغرافي للسكان.

آخر تلك الوقائع الدامية كان نشوب اقتتال عشائري بين عشيرتَي البوسرايا والسخاني، بسبب مشادة كلامية بين شخصين من العشيرتين في شارع تل أبيض وسط مدينة الرقة بتاريخ 24 إبريل/نيسان 2021، تطوّرت إلى استخدام السلاح الناري ومقتل شخصين من العشيرتين وإصابة آخر بجروح خطيرة.

ونبّهت الحادثة إلى مدى تهديد النزاعات العشائرية على البنية الاجتماعية للمنطقة وبخاصة مع حالة الانفلات الأمني وانتشار السلاح وتركيز مليشيات PYD الإرهابية على نهب المقدرات وتفرُّدها بإدارة المناطق ذات الغالبية العربية وإقصاء أبنائها الأصليين عن إدارة شؤونهم بأنفسهم.

حمّل وجهاء العشائر وشيوخها مليشيات PYD المسؤولية الكاملة عن توسع رقعة الاشتباكات العشائرية داخل الرقة وعدم التدخل السريع لوأدها نظراً إلى حساسية المجتمع القبلي وحالة الفوضى التي تسود الرقة.

اقتتال عشائري في مدينة الرقة يهدد البنية الاجتماعية للمنطقة وبخاصة مع حالة الانفلات الأمني وانتشار السلاح (Getty Images)

فرِّقْ تَسُدْ

وفي هذا السياق أكد الشيخ "فرج حمود الفرج" من شيوخ عشيرة (الناصر-الولدة) في الرقة بتصريح لـTRT عربي أن من مصلحة مليشيات PYD "تأجيج الصراع العشائري بالرقة وباقي المناطق التي تستولي عليها بدير الزور والحسكة، لأنها تدرك تماماً أنها من الدخلاء وغير مرغوب بها في المناطق العربية، وبالتالي فإن أي صراع بين عشيرتين تعتبر نفسها هي المستفيد الأول منه على مبدأ فرق تسد".

وبيّن الشيخ "فرج" بالقول: "لقد بدا واضحاً أن مليشيات PYD، لم تتدخل بشكل مباشر لحظة حدوث المشكلة وإنزال قوات تحمي الطرفين من هجوم بعضها على بعض، وذلك مراعاة للتركيبة العشائرية التي تُعرف بها الرقة".

وضرب الشيخ "فرج" مثالاً على وقوف مليشيات PYD موقف المتفرج بخاصة عند اندلاع صراعات بين القبائل العربية، كما "حدث مع قبيلة طي بالقامشلي وقبيلة البوشعبان بالرقة".

بدوره رأى الصحفي حسن النايف المختص بشؤون المحافظات الثلاث (ديرالزور - الرقة - الحسكة) أن "قلة نفوذ مليشيات PYD في الرقة ذات المكون العربي يجعل موقفها ضعيفاً، لذلك فهي تغذي مثل هذه الخلافات العشائرية بشكل أو بآخر".

وألمح النايف بتصريح لـTRT عربي إلى أن "مليشيات PYD تستغل مثل هذه الأحداث لكسب أي طرف عشائري لصالحها عبر تزويد عناصر أبنائها المنخرطين بصفوفها بالسلاح، وهذه طريقة تلجأ إليها الميليشيا لتجنيد العناصر وكسب ولائهم".

وقد قُتل ما لا يقل عن 11 شخصاً في مايو/أيار 2020 في اشتباكات دارت بين عشيرتَي "البكير" و"البوفريو" في قرية ماشخ شرق دير الزور، فيما لم تتخذ مليشيات PYD الإرهابية أي ردة فعل حول الاقتتال كون القرية تخضع لسيطرتها.

واعتبر مراقبون وقتها أن اتباع مليشيات PYD سياسة النأي بالنفس في النزاعات العشائرية هي محاولة لإضعاف العشائر وتفتُّتها لكونها تمثل قوة شعبية محلية تهدد وجودها وتشكل منافساً مستقبلياً لها في إدارة مناطقهم.

فتنة قَبلية

واستعرض الصحفي حسن النايف عدداً من المؤشرات التي تؤكد دور ميليشيات PYD بتأجيج الصراع القبلي داخل الرقة، لا سيما أنها لا تتدخل إلا عند حدوث صلح عشائري بهدف كسب الولاء.

أولاً: "لقد أثبتت الأيام أن الاشتباكات التي تشهدها الرقة وبشكل متكرر على خلفية عراك عائلي أو عشائري، منذ استيلاء مليشيات PYD عليها عام 2017، تقف موقف المتفرج منها ولا تفرض قوتها العسكرية إلا في عمليات التجنيد الإجباري للشباب وممارسة الانتهاكات بحق المدنيين تحت حجج واهية أبرزها إلصاق تهمة الانتماء إلى تنظيم داعش لكل معارض لها"، وفق النايف.

ثانياً: كما يضيف النايف، إن "الاستياء كان كبيراً من قِبل أهالي الرقة ضد مليشيات PYD لترك الفتنة تمتد بين القبيلتين وعدم تدخُّل أجهزتهم الأمنية مباشرة لفض المشكلة واستيعابها قبل أن تتطور وتُحدث هناك هجمات على المنازل السكنية، وحرق محل تجاري، وحتى الهجوم على المشفى التي نُقل إليها المصابون جراء إطلاق النار الذي أدى إلى وقوع قتلى وجرحى".

إن إهمال مليشيات PYD للناحية الأمنية بالرقة واضح من خلال انشغالها أكثر بتنظيم الأمور التي تُدر عليها عوائد مالية، وبالجانب العسكري عبر الترهيب واستخدام القوة ضد الأهالي.

وكذلك وفق ما يضيف النايف، عبر "فرض مناهج تعليمية في المدارس تُمجّد زعيم منظمة PKK الإرهابية عبد الله أوجلان المسجون في تركيا منذ 22 عاماً والصادر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة بتهمة الخيانة العظمى، فضلاً عن غسل عقول الأطفال وتصوير PYD على أنها المخلِّص من الإرهاب وتشويه التاريخ لكونها مَن هجَّرت العرب من قراهم وقتلتهم، إضافة إلى إخفاء المنهاج مراحل مفصلية من التاريخ العربي والإسلامي، وتحديداً في العصرين الأموي والعباسي".

وساطة عشائرية

مما يدل على عدم قبول العشائر العربية بسلطة الأمر الواقع المتمثلة بمليشيات PYD عند حدوث اشتباكات بين العشائر اللجوء إلى وساطة العشائر لحل الخلافات ومنع عمليات الثأر العشائرية ووأد الفتنة التي لا تصب إلا بمصلحة مليشيات PYD الإرهابية.

وفي ظل غياب سلطة القانون وممارسات عناصر مليشيات PYD الإذلالية بحق أهالي الرقة يبقى الهاجس الأكبر منذ سيطرت المليشيات على المدينة بأغسطس/آب 2017 هو استمرار القتل العشوائي والانتقام المضاد مسلسلاً يومياً تعيشه المدينة المنكوبة التي يبلغ الدمار بها ما يقارب 80% من المباني، وتقديرات بمقتل أكثر من 7000 نتيجة القصف العشوائي عليها قبل انسحاب تنظيم داعش الإرهابي منها.

وفي هذا السياق لا بد من التنويه بأن ازدياد عمليات السرقات وتضاعف أعداد المنازل والمحال التجارية المسروقة بأحياء مختلفة من الرقة بينما يبقى اللصوص مجهولين معظم الأحيان، هو من الأمور التي تُقلق الأهالي وتدفعهم إلى تحميل مليشيات PYD المسؤولية الكاملة عن الانفلات الأمني.

هذا فضلاً عن مضايقة عناصر الحواجز التابعة لمليشيات PYD المتكررة للأهالي عند مداخل المدينة وإذلال الشباب بطرق مستفزة وإلصاق تُهم واهية بهم أبرزها الانتماء إلى تنظيم داعش لكل من يعترض عليهم أو يُجابههم.

جدير بالذكر أن مواقف جامعة لقبائل عربية في الرقة دعت بأكثر من مناسبة وبخاصة عقب حوادث الاغتيالات لشيوخ عشائر بارزين وتحميل مليشيات PYD الإرهابية مسؤولية الوقوف خلفها، لرسم سياسة واضحة لإدارة شؤون المحافظة وللتوحد من أجل استعادة قرار الرقة لأبنائها وعدم انضمام أي من أبناء العشائر إلى صفوف المليشيات وعدم التعامل معها على كل المستويات السياسية والاجتماعية.

TRT عربي