قبل وصول الرئيس الفرنسي الأسبوع الجاري توافقت القوى السياسية في بيروت سريعاً على رئيس وزراءٍ جديد (Reuters)
تابعنا

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن قادة جميع القوى السياسية الرئيسية في لبنان اتفقوا على أن تتولى حكومة جديدة مهامها في البلاد في غضون الخمسة عشر يوماً المقبلة.

وتابع ماكرون في مؤتمر صحفي بعد لقائه ممثلين عن أبرز القوى السياسية في مقر السفير الفرنسي في بيروت مساء الثلاثاء أنهم اتفقوا أيضاً على إصلاحات في قطاع الكهرباء، وضبط رأس المال، ومراجعة حسابات القطاع المالي والبنك المركزي، ومكافحة الفساد والتهريب.

وقال الرئيس الفرنسي: "الآن الأمر متروك للجهات الفاعلة في لبنان للموافقة على الجوانب الفنية لتطبيق هذه الخطة". 

وأضاف ماكرون أنه يجب أن يكون هناك مؤتمر سياسي في باريس لمراقبة التقدم في النصف الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، بالتوازي مع مؤتمر المساعدات الدولية المقترح تحت إشراف الأمم المتحدة.

وشدد الرئيس الفرنسي على أنه لن يُقدم للبنان شيكاً على بياض ومن المحتمل فرض عقوبات موجهة على السلطات اللبنانية في حال ثبوت فسادها. وأضاف أنه سيجري تنسيق ذلك مع الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من محاولة ماكرون فرض خطته على الطبقة السياسية في لبنان بالتهديد، فهل استسلم قادة هذه الطبقة بسهولة للرئيس الفرنسي؟

خطط بديلة؟

رغم تخلّي فرنسا عن انتدابها على لبنان عام 1943، فإنها لا تزال محتفظةً ببعض من النفوذ داخل لبنان، تجلّى ذلك حين صار ماكرون أول زعيمٍ عالمي يصل إلى بيروت بعد يومين من التفجير الهائل الذي هزّ أركان العاصمة الشهر الماضي، أو هكذا حاول الرئيس الفرنسي أن يُظهر.

وقبل وصول الرئيس الفرنسي الأسبوع الجاري توافقت القوى السياسية في بيروت سريعاً على رئيس وزراءٍ جديد -هو الدبلوماسي الذي يعمل سفيراً لبيروت في برلين مصطفى أديب- لتولّي المهمة التي تبدو صعبة، إذ سيتولى أديب قيادة ثالث حكومة بالبلاد خلال أقل من عام.

كان لاختيار أديب وقعاً شعبياً غير راض تماماً، حيث يعتبره البعض "تكنوقراط" موالياً للطبقة السياسية ولن يستطيع إحداث تغيير جذري مطلوب، حتى مع الدعم الفرنسي له، وهو ما عبر عنه جموع من اللبنانيين اشتبكوا مع الأمن مساء الثلاثاء.

ويقول تحليل في صحيفة Washington Post الأمريكية إن ماكرون يغامر برأسماله السياسي عبر تدخله في الأزمة اللبنانية في وقت تتراجع فيه شعبيته داخل فرنسا، والمشكلة الأكبر أن الطبقة السياسية اللبنانية بدأت في إفراغ اقتراحات ماكرون من مضمونها، حسب الصحيفة.

ماكرون يهدد 

قال ماكرون إنّ المساعدات الدولية للبنان يجب أن تكون مشروطةً بطريقة تبنّي الطبقة السياسية في البلاد للإصلاحات الحقيقية وتطبيقها، وإنّه في حال عدم إحراز تقدُّم جوهري عقب رحلته فلا مفر من فرض العقوبات والمزيد من التدابير العقابية.

ويقول المحلل السياسي اللبناني إيميل حُكيم في هذا الصدد: "أدركت الطبقة السياسية أنّ ماكرون سيأتي على أمل إنجاز عملية تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، لذا قرّرت أن تسبقه بخطوة، لذا اختاروا أديب ليضعوه أمام الأمر الواقع. والآن لا يستطيع ماكرون الاعتراض على تعيين أديب، لأنّ ذلك سيُعد تدخُّلاً في شؤون دولةٍ ذات سيادة".

وقد صرح الرئيس الفرنسي للنسخة الأوروبية من مجلة Politico الأمريكية على متن طائرته إلى بيروت: "إنّها آخر فرصة لهذا النظام، وهذا رهانٌ محفوفٌ بالمخاطر، أنا أعلم ذلك، وأنا أراهن بالشيء الوحيد الذي أملكه على الطاولة هنا: رأسمالي السياسي"، وهو ما يعني أنه مدرك لأن إجبار الطبقة السياسية اللبنانية على مطالبه ليس بالشيء الهين.

الأسباب المحتملة لفشل ماكرون

لم يعد لفرنسا النفوذ القديم في لبنان، وباتت لبنان تُحكم عبر معادلات أشد تعقيداً، ويحاول ماكرون عبر خطته الاعتماد على استجابة قادة لبنان له وتنفيذ خطته، التي تقول إن الحل في الدعوة لانتخابات مبكرة.

في حين تتجاهل مبادرة ماكرون أن القانون الانتخابي في لبنان لا يزال معقداً ومعتمداً على المحاصصة الطائفية، فضلاً عن سيطرة الأحزاب التقليدية على المشهد السياسي بعيداً عن أي بديل مدني جاهز، بحسب صحيفة Economist.

ويعرف ماكرون أيضاً أن استبعاد حزب الله من المعادلة اللبنانية شبه مستحيل، رغم مناداة القوى الدولية لمحاولة استغلال اللحظة وإحكام الحصار على الحزب ونفوذه السياسي في لبنان، قائلاً: "قال: "لا تتوقّعوا من فرنسا أن تأتي لشنّ الحرب ضد إحدى القوى السياسية اللبنانية، سيكون ذلك خياراً عبثياً وجنونياً في الوقت ذاته".

ويشير مراقبون إلى تراجع قيمة لبنان لدى سياسة باريس رغم ما يحاوله ماكرون مؤخراً، وهو ما أكده روبرت زاريتسكي في مقال على صفحات Washington Post الشهر الماضي قائلاً: "لا ترتبط فرنسا بعلاقات اقتصادية قوية مع لبنان، إذ إنّها سادس أكبر مُصدّر لبيروت، كما أنّ لبنان، مع إضافة القضية الفلسطينية إلى الخلفية الدبلوماسية، لم يعُد يحمل نفس القيمة الاستراتيجية لفرنسا".

وأردف زاريتسكي، في مقاله المنشور بعد رحلة ماكرون إلى بيروت خلال الأسبوع الأول من أغسطس/آب: "في الوقت الراهن الفرنسيون ليسوا أكثر حماساً تجاه ماكرون من اللبنانيين. فقبل زيارته إلى لبنان بوقتٍ قصير أعرب 39% فقط من الناخبين الفرنسيين عن ثقتهم في ماكرون".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً