تابعنا
تسعى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الهندية لإخضاع كشمير لحكم نيودلهي المباشر إلى محو الهوية السياسية الكشميرية، وسوف تلهب هذه الإجراءات مقاومة متأججة بالفعل.

كان هناك أمر خبيث يُدبَّر في كشمير خلال الأسبوع الماضي. إذ دفعت الهند فجأة بالآلاف من القوات شبه النظامية لينضموا إلى نصف مليون جندي ينتشرون هناك بالفعل، ويفرضون رقابة مشددة على حياة الكشميريين في المنطقة. وقد نُشرت هذه القوات بكثافة في البلدات والمدن الرئيسية، مما أدى إلى إغلاق مداخلها ومخارجها.

تسربت مجموعة كبيرة من "الأوامر" الرسمية إلى الساحة العامة، بدأت بقطع رحلة حج هندوسية سنوية كبرى وإعادة الحجاج إلى الأراضي الهندية. وانتقل ضباط الشرطة من مكان إلى آخر ليطلبوا من السياح مغادرة الفنادق والمراكب السكنية والهرب من كشمير. وغادر الطلاب الهنود كلية هندسة في سريناغار في حافلات. وُوزعت خطابات تطلب من المكاتب الحكومية البقاء على أهبة الاستعداد "لوضع أمني غير مسبوق".

ظلت الحكومة الهندية متكتمة بشأن خطتها. وقال متحدث باسم الجيش إن رحلة الحج الهندوسية أُوقفت بسبب ورود تقارير استخبارية تتحدث عن تهديد باندلاع هجوم. ولكن لم تُقدَّم أسباب تبرر إجلاء السياح أو الطلاب أو السبب وراء الحاجة إلى زيادة الوجود العسكري.

في خضم كل هذا، ظل الكشميريون على جهل بما يحدث. وبدأت شائعات تحوم حول أن الهند تخطط لإلغاء المادة 370، وهي مادة دستورية تحمي ولاية جامو وكشمير من تدخل البرلمان الهندي المباشر في شؤونها. (سيأتي الحديث عن ذلك لاحقاً).

وظهرت شائعات أيضاً تقول إنه قد يقع هجوم على المواقع الباكستانية على الجانب الآخر من "خط السيطرة" الذي يقسم كشمير بين الهند وباكستان. وبالفعل، شنت الهند قصف مدفعي عنيف على قرى كشمير عبر الحدود.

وخرجت شائعات بأن الجيش الهندي قد يجتاح المنطقة بأسرها ليبيد شخصيات ونشطاء المقاومة الكشميريين. وللحظات، انتشرت شائعة تقول إن الزعيم الكشميري البارز المؤيد للاستقلال ياسين مالك، الذي كان يعاني ظروفاً صحية خطيرة في أحد السجون الهندية قد توفي، وهو ما تبين أنه غير صحيح.

لا شيء آخر يمكنه تبرير تحركات الهند الخطيرة المزعزعة للاستقرار في كشمير. وتصاعد الفزع في كشمير عندما فرض الجيش مساء الأحد 4 أغسطس/آب حظر التجول إلى أجل غير مسمى وقطع خدمة الإنترنت، وأوقف جميع خطوط الهواتف والخدمات التلفزيونية.

 وفي المناطق الحضرية، حيث لا يكون لدى الناس عادة مؤن كافية، بدأ الناس في شراء اللوازم الأساسية ولكن سرعان ما نفد معظمها.

ومع بزوغ شمس الاثنين 5 أغسطس/آب، انقشع الضباب. وألقى وزير الداخلية الهندي أميت شاه خطاباً أعلن فيه عن إجراءين خطيرين يشيان بأن الكشميريين- حال فك حصار المعلومات المفروض عليهم وإدراكهم لما حدث- سيشهدون تهديداً وجودياً مباشراً.

أولاً، ألغى شاه المادة 370، التي كانت بمثابة ترتيب دستوري بين الساسة الذين عينتهم الهند في كشمير والحكومة الهندية في المدة التي تلت عام 1947.

ففي عام 1947، بعد أن خاضت الهند وباكستان حرباً على ولاية كشمير التي كانت تابعة للتاج البريطاني في السابق، قرر حاكم كشمير الهندوسي، بعد وقت من التردد، الانضمام إلى الهند ذات الأغلبية الهندوسية عبر إبرام معاهدة انضمام إلى الهند.

ونظراً إلى أن كشمير كانت ذات أغلبية مسلمة تفضل الاستقلال أو الانضمام لباكستان ذات الأغلبية المسلمة، سعى الزعماء الهندوس إلى إضفاء الشرعية على القرار التعسفي للحاكم الهندوسي من خلال مفاوضات دستورية تمنح إقليم كشمير (إلى جانب مناطق من جامو ولداخ، التابعتين تاريخياً للولاية الأميرية) "وضعاً خاصاً" داخل الاتحاد الهندي.

وسمحت المادة 370 لحكومة كشمير بصياغة قوانينها الخاصة، وامتلاك علم خاص بها، ورئيس وزراء، ورئيس، ومنعت البرلمان الهندي من سن قوانين تتعلق بإقليم كشمير.

ويرتبط الأمر الرئاسي الهندي "35A" بالمادة 370، ويسمح لحكومة كشمير بتحديد وضع الإقامة الدائم للمواطنين، ومن يشترون الأراضي، ومن يحصلون على وظائف حكومية. ويعود هذا البند إلى العشرينيات من القرن الماضي في عهد آخر حاكم هندوسي، هاري سينغ، وصدر هذا القرار بعد ضغط من الأقلية الهندوسية في كشمير، إذ كانوا خائفين من قدوم الهنود من أهل السهول ليتولوا الوظائف الحكومية البارزة.

ولم تمثّل الأغلبية المسلمة في كشمير، التي تعرضت للقمع الشديد وأبعدت عن المدارس والكليات في ذلك الوقت، أي تهديد للهيمنة الهندوسية على الوظائف الحكومية. ولكن في عهد ما بعد 1947، ومع توفر فرص التعليم لعدد أكبر من المسلمين في كشمير، ازدادت المنافسة على الوظائف، وأصبح القرار "A35" في صالح المسلمين أيضاً.

المشروع الاستعماري الاستيطاني

مع ازدياد الأهمية السياسية لهذه المشكلات الإقليمية مع مرور الوقت، كانت السياسة تعيد تشكيل الهند. وكان صعود اليمين الهندوسي بطيئاً في عهد ما بعد 1947، بل كان يعد تياراً منبوذاً بعد اغتيال أحد أعضائه المهاتما غاندي، القائد الرئيسي لحركة استقلال الهند عن بريطانيا.

ومع قدوم عقدي الثمانينيات والتسعينيات، انتشر في أنحاء البلاد التيار اليمين الهندوسي، القائم على مفاهيم التفوق الهندوسي والقومية الإقليمية، وتمكّن من تشكيل أول حكومة وطنية.

ولما ازداد أعضاء حزب "بهاراتيا جاناتا"، الحزب السياسي اليميني الهندوسي، في البرلمان الهندي، أصبحت منظمة المتطوعين شبه العسكرية "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" أكبر ميليشيا يمينية في العالم.

ومنذ البداية، سعت منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" وحزب "بهاراتيا جاناتا" إلى "الاندماج الكامل" لكشمير في الهند، مما يعني بالنسبة لهم إمكانية استقرار الهنود في كشمير وعدم الاعتراف بالهوية السياسية "الكشميرية".

تصاعدت وتيرة الدعوات المطالبة بإلغاء المادة 370 بعد عام 1990 عندما أرسلت الهند عشرات الآلاف من الجنود إلى كشمير لقمع حركة داخلية تنادي بالاستقلال، مستندة في ذلك بشكل أو بآخر على عدم ثقة الكشميريين في الهند والخوف من أن تتحول كشمير في النهاية إلى مستعمرة استيطانية.

وفي وقت سابق من هذا العام، أصبح ناريندرا مودي، العضو السابق في منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، رئيساً للوزراء للمرة الثانية بأغلبية كبيرة، وبدأت الخلايا الإعلامية لحزب "بهاراتيا جاناتا" في الضغط مجدداً بسرعة ووتيرة أكبر. وارتفعت الأصوات المطالبة بإلغاء المادة 370 والقرار "35A".

رأي اليمين الهندي إنها الضربة الأخيرة لأي مظهر من مظاهر وجود مسلمي كشمير المحميين من الدولة الهندية ذات الأغلبية. ولتحقيق ذلك، عملت الحكومة على تهميش السياسيين الكشميريين الموالين لهم وإبعادهم. وجرى التخلص من العديد من النشطاء المطالبين بالاستقرار إما بقتلهم أو سجنهم.

كانت المادة 370 لمعظم الكشميريين مصطلحاً رمزياً فقد الكثير من معناه الحقيقي، إذ لم تكن كشمير آمنة قط من تدخلات الدولة الهندية التخريبية.

ولما يقرب من سبعين عاماً الآن، ظلت كشمير الولاية الأكثر تعرضاً للتدخل المباشر من الحكومة الهندية عن الولايات الأخرى. وكانت حكوماتها تُزال بشكل غريب. وكانت تحظى بمدد أطول من الحكم المباشر عن نيودلهي نفسها. ويتمتع الجيش الهندي في الإقليم بحصانة تامة من أي ملاحقة قضائية لانتهاكات حقوق الانسان، وهو امتياز استغله واستفاد منه الجيش الهندي إلى حد الإفراط.

ويعد إلغاء القرار A35، الذي يحمي أراضي الكشميريين من المستوطنين الهنود، هو الضربة الأكبر للإقليم. يدرك الكشميريون جيداً أن الهند لديها القوة العسكرية والموارد المالية اللازمة لاستيطان الإقليم بسرعة.

وهناك أيضاً الإعلان الثاني الذي أصدره أميت شاه، رئيس حزب "بهاراتيا جاناتا"، الذي قال فيه إن الحكومة الهندية تعمل على مشروع قانون لإعادة تنظيم الدولة.

وبموجب هذه الخطة، ينبغي أن تختفي ولاية كشمير فوراً من الوجود. وسوف تُقسَّم المنطقة إلى إقليمين اتحاديين. إذ تكون لداخ، المنطقة الشاسعة التي يقطنها عدد قليل من البوذيين والمسلمين، وحدة منفصلة بدون هيئة تشريعية.

وبالرغم من مطالبة بعض سكان إقليم لداخ لوقت طويل بتحويل المنطقة إلى إقليم اتحادي، فقد تحقق ذلك أخيراً، ولكن مع سلب حقوقهم الديمقراطية في التمثيل البرلماني.

وسوف تكون الوحدة الثانية جامو وكشمير، وسيكون لها مجلس تشريعي، ولكن بصلاحيات محدودة جداً. 

في النظام الهندي، يأتي وضع الأقاليم الاتحادية في مرتبة أقل من الولايات، إذ لا تمتلك الأقاليم الاتحادية عادةً أي سيطرة على "القانون والنظام"، مما يعني، على سبيل المثال، أن شرطة جامو وكشمير لن يعد لها وجود.

والأهم من ذلك، لا تسيطر الأقاليم الاتحادية أيضاً على الأراضي، مما يعني أن الحكومة الهندية سوف تحدد كيفية استغلال الأرض أو استيطانها في كشمير.

وتعد هذه باختصار كل المخاوف التي عبّر عنها الكشميريين في مظاهراتهم ومقاومتهم طوال السبعين عاماً الماضية.

بدأت الحكومة مشروع استعمار استيطاني كامل في كشمير. ومن غير المرجح أن يتقبّل الكشميريون ذلك دون مقاومة.

في ضربة واحدة، أزالت الهند أسباب مبرراتها التاريخية في التمسك بكشمير. وفي ضربة واحدة، أزالت الهند حجة الموالين لها في كشمير الذين حاولوا إقناع الكشميريين بأن الهند سوف تضمن حقوقهم الاجتماعية والسياسية.

على مدار الثلاثين عاماً الماضية، قُتل أكثر من 80 ألف كشميري، وأدت الاجتياحات العسكرية المتواصلة إلى تدمير آلاف الأرواح الأخرى، وهناك جيل كامل بذل كل شيء للمقاومة، ولن يصمتوا عن ذلك بالتأكيد.

المقال مترجم عن موقع TRTWORLD

TRT عربي
الأكثر تداولاً