للوهلة الأولى قد يبدو الحديث عن العنف الزوجي المسلط على الرجال من زوجاتهم أمراً صادماً وغير قابل للتصديق داخل المجتمع التونسي، حيث تهيمن العقلية الذكورية، وتعلو سلطة الرجل، لكن أزواجاً خالفوا تلك القاعدة وقرَّروا كسر حاجز الصمت ليتحدثوا عن تجارب شخصيَّة مريرة مع "العنف الأنثوي".
خروج عن دائرة الكتمان
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خرج الممثل التونسي الشابّ بلال الباجي عبر إحدى الإذاعات المحلية للحديث عن تجربته الشخصيَّة مع العنف اللفظي والجسدي المسلط عليه من زوجته السابقة الممثلة مريم بن شعبان، مؤكّداً أن ذلك الأمر كان من أهمّ أسباب انفصاله عنها.
الممثل الوسيم الذي جمعته بطليقته قصة حب كبيرة رغم أنها تكبره في السن، تحدث عن تفاصيل صادمة أرفق بها حججاً على لسان محاميه لتعرُّضه لجميع أنواع الهرسلة المعنوية والجسدية والسب والشتم بشكل يومي من زوجته السابقة، مشدداً على أن عدم دفاعه عن نفسه أو ردّ الفعل بفعل مشابه ليس ضعفاً منه، بل حرص على عدم تأزيم الأمور لتنتهي العلاقة في أروقة المحاكم التونسية.
لا أرقام رسميَّة لعدد الأزواج ضحايا العنف الزوجي في تونس، لكن رئيس "الجمعيَّة التّونسيَّة للنّهوض بالرّجل والأسرة والمجتمع" حاتم الميناوي أكَّد في حديثه لـTRT عربي أن دراسة تقريبية أجرتها الجمعية أظهرت تَعرُّض نحو 10 بالمئة من الأزواج في تونس إلى للجسدي، و45 بالمئة للعنف اللفظي والنفسي، وفي مجملها تستهدف أساساً الحَطّ من كرامته ورجولته.
لم يكُن تأسيس الجمعية اعتباطيّاً، كما يقول حاتم، بل كان نتيجة تجربة شخصيَّة مريرة عاشها مع زوجته السابقة، ولا تزال معركة حضانة الأطفال وسط عنف مسلَّط عليه تدور رحاها بين المحاكم، ففتحت الجمعية أبوابها لاحتضان مئات الأزواج المعنفين من نسائهم.
عنف لفظي وجسدي
دأب حاتم بصفته رئيس الجمعية على مرافقة بعض الأزواج من منخرطي الجمعية إلى مقر سُكنَى زوجاتهم ليتمكنوا من رؤية أبنائهم، خوفاً من تَعرُّضهم للعنف سواء من الزوجة أو من عائلتها، وليكون شاهداً على أي طارئ أو مكروه للزوج.
يستنكر الرجل ما سمَّاه "القوانين الظالمة" التي كرَّسها المشرع التونسي تحت غطاء حماية المرأة من العنف، متسائلاً بلهجة ساخرة: "ونحن من يحمينا من عنفهن وهرسلتهن اليومية لنا؟"، مؤكّدا أن الجمعية تسعى من خلال رفع الغطاء عن هذا الموضوع المسكوت عنه في المجتمع التونسي لتنقيح القوانين المنحازة للمرأة في علاقة بالنفقة والطلاق وحضانة الأطفال.
يروي حاتم قصص شهادات صادمة عاينها بنفسه لأزواج كانوا ضحية عنف جسدي مسلط عليهن من قبل زوجاتهم بلغ حدّ سكب الماء المغلي أو الضرب بآلات حادة بسبب خلافات عائلية، لتنتهي بأسلوب دراماتيكي داخل مراكز الأمن أو المستشفيات أوفي أروقة المحاكم.
وكان البرلمان التونسي صدّق منذ أشهر على قانون لمكافحة العنف ضدّ المرأة، احتفت به حركات نسوية واعتبرته مكسباً جديداً يضاف للترسانة التشريعية التي تحظى بها المرأة لتعزيز حمايتها سواء من العنف الزوجي أو في بيئتها الاجتماعية.
آثار نفسية مدمرة
لطفي بن زينة هو أيضاً أحد ضحايا العنف الجسدي من طليقته، إذ تَعرَّض للصفع منها في 2015 على الملأ في أحد مستشفيات تونس، ورغم أن علاقاته بزوجته التي يكبرها بنحو 10 سنوات كانت نتاج قصة حب، فإن الخلافات بدأت تدب بين الزوجين لتتحول حياته إلى جحيم معها وعنف لفظي وجسدي بشكل شبه يومي.
انخرط وفق حديثه لـTRT عربي في الجمعية التونسية للنهوض بالأسرة والرجل، حيث يلتقي أبناء جنسه من ضحايا العنف الزوجي، وعلى الرغم من طلاقه فإنه لا يزال حاليّاً يعاني من الآثار النفسية لهذه التجربة المريرة، إذ طردته زوجته من منزله الخاص بعد أن صدر حكم قضائيّ بحضانة أولادها، وتم الطلاق بينهما فيما يعيش هو حياة غير مستقرة بسبب بحثه المستمر عن مكان يؤويه.
الدكتور حبيب تريعة مختصّ في علم النفس الاجتماعي يعتبر في تصريح لـTRT عربي أن العنف الزوجي المسلط على الأزواج واقع موجود، لكن يظلّ الحديث عنه في فضاءات خاصَّة جدّاً، خوفاً من اهتزاز صورة الزوج في عين محيطه الاجتماعي وأبنائه خصوصاً، مُقِرّاً بارتفاع حالات العنف اللفظي خصوصاً في ظل وجود ترسانة قانونية تحمي المرأة وتعتبرها دائما الضحية قبل أن تكون متهمة.
ويبدو أن خروج المرأة إلى سوق الشغل واستقلاليتها المادية خصوصاً من بين العوامل التي جعلتها، حسب المختص الاجتماعي، تنحت شخصيتها وتجعلها ترد الفعل بشكل عنيف خصوصاً إذا كان الرجل مقصراً ماديّاً أو يمتلك شخصيَّة ضعيفة.
انقلبت حياة عمر العرفاوي رأساً على عقب بعد قصة حبّ استمرَّت لعشر سنوات مع زوجته التي تكبره سنّاً، ورغم رفض عائلته هذا الزواج فإنه تمسك بها، كُلّلَت فرحة الزوجين بطفل، لكن الزوج المغلوب على أمره بدأ يشعر بعد ذلك التاريخ بتغير جذري في سلوك زوجته.
بدأت الزوجة كما يروي عمر لـTRT عربي في طلباتها المادية التعجيزية، وانطلقت في عملية استفزاز لكرامته من خلال مقارنته بزوج أختها ميسور الحال، وحين كان يرفض طلباتها كانت ترد عليه بوابل من الشتائم التي بلغت حدّ الطعن في كرامته ومقايضته بابنه الوحيد لينتهي به المطاف إلى الطلاق.
يشدّد الزوج على أنه كان يحاول قدر الإمكان ممارسة أقصى درجات ضبط النفس حتى لا يتطور الشجار إلى عنف متبادَل وينتهي به المطاف إلى أحد أقسام الشرطة، وهو تماماً ما كانت تخطِّط له زوجته، كما يقول.
يتوزع العنف المسلط على الأزواج ممن تحدثنا معهم بين العنف اللفظي والجسدي والمعنوي وحتى القانوني، إذ تعمد الزوجة أو الطليقة إلى ابتزاز زوجها، سواء بمطالبته بالنفقة أو بالحقّ في الحضانة، مستغلةً انحياز المشرع التونسي لصالحها في كثير من الحالات، كما أن عملية طرد الزوج من مسكن الزوجية بات أيضاً ردّ الفعل السائد لدى غالبية النساء.
ظاهرة العنف المسلط على الأزواج ليست حكراً على تونس، إذ أطلقت الجارة المغرب في شهر فبراير/شباط الماضي بحثاً وطنيّاً تحت إشراف المندوبية السامية للتخطيط (الهيئة الرسميَّة المكلفة بالإحصاء)، بعنوان "وقائع الحياة لدى الرجال والنساء 2019"، ويهدف البحث إلى تقصِّي واقع العنف المسلَّط على الرجل داخل المجتمع المغربي.
كما سبق أن تعرضت تقارير إعلامية مصرية لهذه الظاهرة من خلال قصص أزواج راحوا ضحية العنف المسلط من زوجاتهم، كانت أبرز أسبابه الخيانة، ووصلت في أبشع صورها إلى جرائم قتل شنيعة.