آراء
العالم
8 دقيقة قراءة
كيف سيغير الذكاء الصناعي معادلة الردع بين القوى النووية في المستقبل؟
ربما كان التحول في الابتكار التكنولوجي هو المَعْلَم الأكثر بروزاً في العقد الماضي.
كيف سيغير الذكاء الصناعي معادلة الردع بين القوى النووية في المستقبل؟
#KIN03 : Seoul president calls for 'overwhelmingly superior' war preparations after drone incursion / صورة: AFP / AFP
10 مارس 2023

لقد جلب القرن الحادي والعشرون تطورات جديدة مهمة في عملية شن الحروب، سواء بشكل عرضي أو مقصود، وأصبح الذكاء الصناعي (AI) على نحو متزايد وثيق الصلة بالقضايا الاستراتيجية ويغير عالمنا بشكل ملحوظ.

فالجيوش الآن تعمل على استغلال تكنولوجيا الذكاء الصناعي وتطويعها في المجهودات الحربية إذ يعتبر تطبيقه ثورياً مثل اكتشاف البارود تقريباً. فالذكاء الصناعي يسمح للآلات والأسلحة بأداء مهام خاصة مثل التعلم والتخطيط والاستدلال ومن ثم التنفيذ بشكل يحاكي الذكاء البشري.

إن للذكاء الصناعي آفاقاً مثيرة لتبادل المعرفة والابتكار، إلا أنه يثير أيضاً مخاوف جدية فيما يتعلق بآثاره المستقبلية على الأمن القومي والاستقرار الاستراتيجي على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ففي عام 2017، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن "كل من يصل إلى اختراق في عملية تطوير الذكاء الصناعي سيهيمن على العالم". كان بوتين يصرح بما هو واضح لديه، إذ يهدف إلى اللحاق بالولايات المتحدة من الناحية التكنولوجية.

في حالة الذكاء الصناعي، فإن التكنولوجيا هي التي تقود الاستراتيجية.

السباق العالمي على الذكاء الصناعي العسكري

تمثل أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل (LAWS) عديداً من التحديات والتهديدات التي يجب استكشافها في ضوء دخول الذكاء الصناعي في العمليات العسكرية. قد تسبب الأنظمة المدعمة بالذكاء الصناعي حسابات خاطئة لا يمكن أن تؤدي فقط إلى زعزعة الثقة بين الدول النووية، ولكن يمكنها أيضاً أن تؤدي إلى خفض العتبات النووية، وبالتالي زيادة فرص الضربات الاستباقية في أثناء الأزمات لا سيّما بالنظر إلى السباق على هذه الأسلحة المتقدمة.

على سبيل المثال، بين عامي 2017 و2021، بلغ الإنفاق على الطائرات الروسية بلا طيار نحو 3.9 مليار دولار، في حين أنفقت الصين 4.5 مليار دولار، فيما أنفقت الولايات المتحدة 17.5 مليار دولار.

ويُدمَج الذكاء الصناعي في الطائرات بلا طيار (UAVs) وأنظمة الدفاع الصاروخي والغواصات والطائرات.

تركز استراتيجية الأمن القومي الأمريكية 2022 على تطوير القدرات المشتركة وتبادل المعلومات بين الحلفاء جنباً إلى جنب مع النشر المتزامن لهذه التقنيات في الوقت المناسب لحماية التفوق العسكري التكنولوجي المشترك. وفي إطار استراتيجية التعويض الثالثة، أدخلت الولايات المتحدة نظام المراقبة والاستهداف العالمي Global Surveillance and Strike (GSS) لمواجهة انتشار التقنيات التخريبية الحساسة إضافة إلى أمور أخرى تواجهها.

وفي الوقت نفسه، تطمح الصين إلى أن تصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الصناعي بحلول عام 2030. ففي عام 2022، ادعت الصين أنها تنجح في تطوير نموذج نظام دفاع جوي مزود بالذكاء الصناعي للتنبؤ بمسار الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت مع القدرة على شن هجوم مضاد مباشر.

تطوّر الصين أيضاً مجموعة من أنظمة الأسلحة المستقلة. على سبيل المثال، نشرت الصين الروبوتات والأنظمة العسكرية غير المأهولة في البر والجو والبحر والفضاء. بعض هذه الأنظمة مدعوم بالذكاء الصناعي ولكنه ليس مبرمجاً على خاصية الاستهداف العسكري.

يركز آخرون، مثل روسيا، على استخدام الذكاء الصناعي في المجال البحري، والذي يتضمن سرباً من الطائرات القتالية بلا طيار قادرة على الانطلاق تحت الماء. كما يكشف نظام القبة الحديدية الإسرائيلي المضاد للصواريخ الصواريخ ويسقطها تلقائياً.

في جنوب آسيا، أنشأت الهند مركزاً للذكاء الصناعي والروبوتات (CAIR) تحت إشراف DRDO لقيادة وتوجيه سباق التسلح المدعوم بالذكاء الصناعي لأغراض عسكرية. علاوة على ذلك، في عقيدة الحرب البرية للهند لعام 2018 تركيز كبير على الذكاء الصناعي وإدماجه في الأنظمة العسكرية. فمع شبح الحرب على جبهتَين مع باكستان والصين، فإن الهند لديها الدافع للحصول على دعم اقتصادي ودبلوماسي وعسكري من الولايات المتحدة، والذي يتضمن أيضاً التقنيات الحساسة.

في هذا الصدد، شدد الخبراء العسكريون في الهند على استخدام الذكاء الصناعي في الأنظمة العسكرية قبل فوات الأوان. تعمل الهند على تطوير إطار عمل الروبوتات متعدد الاستخدامات، والذي من المرجح أن يعمل فريقاً من الجنود لمساعدة الجيش الهندي في الحروب المستقبلية. وحصلت الهند أيضاً على 200 روبوت نوع DAKSH ذاتي الحركة الذي يُطلق عليه أيضاً المركبات التي تعمل عن بعد (ROVs)، لنزع فتيل القنابل.

تتعاون الهند أيضاً مع اليابان في مجال الروبوتات والذكاء الصناعي، وفي نفس الوقت تسعى نحو استخدامات أكثر تطوراً للذكاء الصناعي في قطاعي الدفاع العسكري. يتضمن ذلك تحليل الصور، والتعرف على الهدف ومداه، وتقييم منطقة إسقاط الصواريخ، واستخدام الروبوتات في وضعيات قتالية غير مصنفة. كما تشمل مبادرات التكنولوجيا والفضاء والدفاع الأخيرة الهندية الأمريكية المشتركة أيضاً التعاون فيما يتعلق بالذكاء الصناعي والحوسبة الكمية لمواجهة الصين.

يعتقد الخبراء أن زيادة التركيز على التقنيات الحساسة تسبب حاجة إلى إعادة التفكير في المفاهيم التقليدية للردع والاستقرار الاستراتيجي في هذا العصر النووي الثالث. يمكن للأنظمة المدعمة بالذكاء الصناعي معالجة البيانات بشكل أسرع بكثير من البشر، مما قد يساعد في تقصير دورة ما يسمى OODA (مراقبة - توجيه - اتخاذ قرار - تصرف)، وبالتالي تقليل غموض الحرب.

ومع ذلك، حتى الآن لا يمكن برمجة الذكاء الصناعي بالوعي الظرفي الذي يعكس الفهم البشري. في أثناء الأزمة، إذا استخدمت الدول الذكاء الصناعي للكشف والاستهداف، وأدرك الخصم أن عدوه سيتصرف عاجلاً عبر الذكاء الصناعي، فيمكنه إجبار الخصم على اللجوء إلى الضربات الوقائية بسبب الخوف من التعرض للهجوم أولاً.

على صعيد متصل، فإن أي خلل في النظام والبيانات يتطلب مراعاة الوعي بالموقف - وهو ما يفتقر إليه الذكاء الصناعي - يمكن أن يؤدي إلى تحليل البيانات بشكل غير صحيح وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى التصعيد أو حتى اللجوء إلى السلاح النووي.

يمكن استخدام أسراب من المركبات غير المأهولة التي يمكن أن تغوص تحت سطح الماء لتعقب وكشف الغواصات النووية. ومع ذلك، يرى خبراء أنه وبالنظر إلى اتساع المحيط، قد توجد حاجة لمئات وربما آلاف من هذه الأسراب إلى العمل تحت الماء لاكتشاف غواصات الصواريخ الباليستية (SSBNs)، وهي الغواصات التي يجري معظمهما دوريات في البحار المفتوحة.

من هنا، سيكون الخيار الأكثر ملاءمة هو استخدام إمكانات الكشف المدعومة بالذكاء الصناعي في نقاط الالتقاء التي يمكن تحديدها. ومع ذلك، يمكن اعتبار هذه الخطوة نفسها تصعيدية في الأزمنة المعاصرة. على سبيل المثال، جرى نشر الغواصة الهندية SSBN من طراز INS Arihant بالقرب من المياه الباكستانية خلال الأزمة في مايو/أيار 2019، وهي الخطوة التي كان يُنظر إليها على أنها تصعيدية.

تلجأ الهند أيضاً إلى أنظمة الرصد في المجال البحري الإقليمي التي من خلالها تتمتع بميزة تتعلق برسم البيانات في المحيط الأفرو-آسيوي عبر تقنيات الذكاء الصناعي إذ يمكن استخدامها في سيناريوهات ما قبل الصراع. يمكن أن يؤدي هذا إلى حرب كبيرة بسبب التحليل السريع للبيانات الأمر الذي يقود إلى أخطاء غير مقصودة تؤثر على حالة الاستقرار الاستراتيجي بين الهند وباكستان.

وكما حدث مع الأسلحة النووية، فإن احتكار الدول الكبرى للأنظمة العسكرية المعززة بالذكاء الصناعي قد لا يدوم. فمع مرور الوقت، إذا لم يُعمل على تنظيم هذه التقنيات بموجب القانون الدولي، فسوف نشهد انتشاراً لها وتصبح غير محصنة على اللاعبين دون مستوى الدولة وهو ما يشكل مصدر قلق كبير.

إن فرض حظر استباقي على تطوير أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل سيكون خطوة مثالية بدلاً من الاكتفاء بمحاولة تنظيم انتشارها واستخدامها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تدابير الشفافية وبناء الثقة (TCBMs) غير الملزمة قانوناً ما هي إلا إجراءات مؤقتة، وتشكل أنصاف حلول للتعامل مع التهديد الخطير الذي يواجهه العالم اليوم. توجد حاجة إلى موقف جماعي للتعاطي مع استخدام الذكاء الصناعي للأغراض العسكرية من أجل التوصل إلى اتفاقية دولية ملزمة قابلة للتطبيق.

يكمن مفهوم الردع برمته في حقيقة أن هذه الأسلحة تستخدم لردع الخصم. إذا تُرك، بأي حال، اختيار الهدف واتخاذ القرار لأسلحة معززة بالذكاء الصناعي، فقد يفقد "الردع" مصداقيته، إذ من المرجح كسر المحرمات النووية، التي حوفظ عليها منذ الاستخدام النووي الأول من الولايات المتحدة، وذلك إذا قررت الآلات أنه من الملائم استخدام هذه الأسلحة.

يوضح هذا المثال أن الذكاء الصناعي سيغير ديناميكيات الردع والإكراه بين النووية بطرق غير مسبوقة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

مصدر:TRT عربي
اكتشف
توغل إسرائيلي بعدة قرى جنوبي سوريا والطيران الحربي يحلق على علو منخفض في أجواء القنيطرة
قوات الاحتلال الإسرائيلي تجدد توغلاتها واعتداءاتها في الجنوب السوري
واشنطن تقترح إنشاء "منطقة اقتصادية حرة" شرقي أوكرانيا وكييف تصرّ على جيش قوامه 800 ألف جندي
غوتيريش: اجتماعات مرتقبة في جنيف بين طرفي النزاع في السودان
كأس العرب.. السعودية تنتزع التأهل بعد فوز صعب على فلسطين وسوريا تغادر البطولة
إصابة طبيب فلسطيني برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين شمالي الضفة
مئات الشهداء منذ وقف النار وانهيار مبانٍ بفعل العاصفة "بايرون".. وحكومة غزة ترد على مزاعم المساعدات
لافروف: روسيا مستعدة إذا اتخذت أوروبا قراراً بخوض حرب
TRT تشارك في الجمعية العامة الـ45 لاتحاد إذاعات الدول العربية بعد انتخابها عضواً شريكاً
33 قتيلاً في غارة شنها الجيش على مستشفى في ميانمار
الشيباني: إلغاء عقوبات "قيصر" إنجاز تاريخي وتجسيد لنجاح الدبلوماسية السورية
"تعدٍّ غير مسبوق على الحرمات".. حماس تدين تهديد بن غفير بهدم قبر القسام قرب حيفا
إعلام عبري: واشنطن تمنع دبلوماسيين أوروبيين من دخول مركز التنسيق بشأن غزة بطلب من إسرائيل
اجتماع سوري-فرنسي لمناقشة التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب
بولاط في واشنطن لبحث رفع التجارة التركية-الأمريكية إلى 100 مليار دولار