وجاء ذلك بعد تصريحات لافتة على مستوى الخطاب الرسمي من واشنطن وتل أبيب، أعقبتها ردود رسمية لبنانية قاطعة.
أفادت تصريحات باراك في مقابلة تلفزيونية الاثنين بأن "كل ما يفعله لبنان هو الكلام، ولم يفعل شيئاً"، ودعا الحكومة اللبنانية إلى "تحمّل مسؤولياتها" والإعلان صراحةً أنها ستنزع سلاح حزب الله الذي "يعيد بناء قوته".
وفي ذات اليوم، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العام العبري الجديد قد يشهد "القضاء على محور إيران"، في خطابٍ اعتُبر تصعيدياً ويدلّ على نوايا أمنية وسياسية متشددة تجاه طهران وحلفائها الإقليميين.
على الصعيد الداخلي اللبناني، ردت الطبقة السياسية سريعاً، إذ أدان نبيه بري، رئيس مجلس النواب، تصريحات باراك واعتبرها "تحريضاً"، مؤكّداً أن الجيش اللبناني "ليس حرس حدود لإسرائيل"، وأن سلاحه وسلطته موجّهان “لحماية السلم الأهلي”.
بدوره عبّر رئيس الحكومة نواف سلام عن استغرابه من الشكوك التي أثارها المبعوث الأمريكي في جدية الحكومة ودور الجيش، مجددًا التزام حكومته تنفيذ بيانها الوزاري ولا سيما "بسط سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها"، وداعياً المجتمع الدولي إلى دعم الجيش اللبناني والضغط على إسرائيل للانسحاب ووقف الانتهاكات، ومشيراً إلى خطة الجيش التي عُرضت على الحكومة مطلع الشهر الجاري.
تأتي هذه التطورات في ظل سجال سياسي-أمني محلي مستمر حول ملف السلاح منذ إعلان الحكومة اللبنانية في 5 أغسطس/آب الماضي، عزمها على اتخاذ إجراءات عملية لحصر السلاح بيد الدولة وتكليف الجيش بوضع خطة لإتمام ذلك خلال شهر وتنفيذها قبل نهاية 2025، إلا أن القرار قابل اعتراض "حزب الله" و"حركة أمل".
في المقابل أكد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، مراراً أن الحزب "لن يسلم سلاحه" إلا بشروط من بينها انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، ووقف عدوانها، والإفراج عن الأسرى، وبدء عملية إعادة الإعمار.
وفي 5 سبتمبر/أيلول أقرت الحكومة خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، لكنها قررت إبقاء مضمونها وملفّات المداولات "سرية".
يؤكد المراقبون أن أي تحوّل في الخطاب الدولي باتجاه الضغط الفعلي على بيروت لفرض "نزع السلاح" أو تسريع إجراءات مماثلة قد يؤدي إلى تفاعلات إقليمية خطيرة، في وقت لا تزال ثوابت الموقف الداخلي وتوازنات القوى خصوصاً موقف حزب الله وشروطه تشكّل عامل إعاقة أمام تنفيذ قرار حكومي شامل وعلني بهذا الخصوص.
اتجاه تصعيدي مشترك
اعتبر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني يوسف دياب أن تصريحات المبعوث الأمريكي توماس باراك تعكس اتجاهاً تصعيدياً من جانب إسرائيل تجاه لبنان، محذراً من "تداعيات خطيرة" قد يشهدها البلد في المرحلة المقبلة.
وقال دياب، إن الإدارة الأمريكية "تتبنى بوضوح النهج التصعيدي الذي ينتهجه نتنياهو، لا سيما تجاه ما يُعرف بمحور إيران"، لافتاً إلى أن الأخير سبق أن أعلن أن العام المقبل سيكون "عام القضاء على هذا المحور".
وأكد أن "الوضع في لبنان مقلق"، مشيراً إلى أن البلاد "مقبلة على مرحلة من التصعيد" مع احتمال أن تعيد إسرائيل توجيه عملياتها نحو الجبهة اللبنانية.
وأوضح دياب أن "لبنان يعيش مرحلة ترقب خطيرة"، لافتاً إلى أن إسرائيل لم تعد تميز بين الأهداف المدنية والعسكرية، في إشارة إلى الغارة الأخيرة التي أسفرت عن مقتل عائلة لبنانية كاملة.
وكانت وزارة الصحة اللبنانية قد أفادت الأحد بأن غارة إسرائيلية بطائرة مسيّرة على قضاء بنت جبيل أدت إلى سقوط خمسة شهداء، بينهم ثلاثة أطفال، إضافة إلى إصابة شخصين آخرين.
واعتبر دياب أن "المرحلة القادمة قد تكون من أصعب ما مرّ به لبنان، مع احتمال تصعيد كبير خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، كما حدث في عام 2024".
وأضاف أن الوضع يتطلب مراقبة ما قد يُقدم عليه "حزب الله" في ذكرى اغتيال أمينه العام السابق حسن نصر الله وخلفه هاشم صفي الدين، ملمحاً إلى أن إسرائيل قد تلجأ إلى ضربة استباقية في هذا التوقيت لمنع الحزب من تعزيز حضوره.
من جهته، انتقد الخبير العسكري اللبناني هشام جابر تصريحات باراك، معتبراً أنها تتضمن "تهديدات مباشرة" للبنان وتعكس موقف "دولة عظمى تنسى حدود مسؤولياتها".
وقال جابر إن باراك "يواصل يومياً إطلاق تهديدات للبنان وينقل رسائل إسرائيلية"، واصفاً تل أبيب بـ"الثور الجموح الذي لا يعرف حدوداً ولا خطوطاً حمراء".
وأضاف أن حديث باراك عن "تخاذل الحكومة اللبنانية" مرفوض على المستويين الرسمي والشعبي، مشدداً على أنه "ليس من حقه تحديد دور الجيش اللبناني أو دفعه إلى صدام مع المقاومة".
ورجّح جابر توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان، مؤكداً أن "المنطقة تدور في حلقة مفرغة بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي اليومي".
وأوضح أن المجزرة الأخيرة في بلدة بنت جبيل الجنوبية، التي أثارت استنكاراً دولياً واسعاً، جاءت "بدافع متعمد ضمن سياسة الترهيب"، لافتاً إلى أن إسرائيل "تتباهى بقدراتها الاستخباراتية عبر الأقمار الصناعية ووحدة 8200، وبالتالي فإن استهداف عائلة كاملة لا يمكن اعتباره جهلاً استخباراتياً، بل هو عمل حربي وإرهاب منظم".
وحول المسارات المقبلة، أشار جابر إلى "احتمال لتوسيع العدوان الإسرائيلي ورفع وتيرته عبر هجوم بري محتمل من الأراضي السورية باتجاه البقاع الأوسط، في محاولة لفصل البقاع الشمالي عن الأوسط والجنوب وفرض واقع ميداني جديد".
واعتبر جابر أن "دور المقاومة قد يعود إلى جنوب الليطاني كما كان قبل عام 2000، ما قد يدفع الأمور إلى تصعيد غير محسوب، وربما إلى إطلاق صواريخ ومسيرات من باطن الأرض، في سيناريو يصعب التنبؤ بنتائجه".
يشار إلى أن إسرائيل كانت حولت عدوانها المتواصل على لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى حرب شاملة في سبتمبر/أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح.
ورغم التوصل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن إسرائيل خرقت الاتفاق أكثر من 4 آلاف و500 مرة، ما تسبب في مقتل 276 شخصاً وإصابة 613 آخرين، وفق بيانات رسمية. كما أنها لا تزال تحتل خمس تلال لبنانية سيطرت عليها خلال الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق أخرى تحتلها منذ عقود.