تابعنا
في مناخات تسودها الكراهية والإقصاء، يتعرض المسلمون في البلدان الغربية لعمليات استهداف واعتداء مستمرة، لم تتمكن من إيقافها وردعها البلدان التي اتخذت تدابير لمكافحة أشكال التمييز وحظرت دعوات الكراهية الدينية والتحريض على العنف.

ازدادت خلال الفترة الأخيرة الأحداث والهجمات التي استهدفت المسلمين في كندا، وارتفع منسوبها بحوالي 9% وفق الإحصائيات الأخيرة التي نشرتها الدوائر الرسمية. وجرى تسجيل ارتفاع مخيف لجرائم القتل وهجمات متكررة ضد المسلمين.

وإن كان التنوع في البلدان عادة يمثل عامل ثراء ثقافي، فإنه اليوم أصبح مبرراً للعنف والقتل وبالتالي تهديد النسيج الاجتماعي والثقافي لهذه البلدان، وتقويض مبادئ العيش المشترك. ليصبح اليوم المسلمون في هذه البلدان، ومن بينها كندا، يحاولون الموازنة بين إيمانهم وأمانهم، وهي المعادلة الأصعب في ظل تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتي غذتها الهجمات الإرهابية وأهمها أحداث أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، لتغدو بذلك الأقليات المسلمة هي الضحية التي تدفع ثمن أخطاء غيرها.

ومن بين أكثر المستهدفين في خلال حوادث الكراهية في الفترة الأخيرة، دور العبادة والنساء اللاتي لا يمكنهن إخفاء مظاهر انتمائهن الديني كارتداء الحجاب والنقاب، ما أجبرهن على أخذ دروس في الدفاع عن النفس والتزام الحيطة والانتباه، تحسباً لأي اعتداء مفاجئ.

جرائم واعتداءات مستمرة

في حادثة فظيعة، خلال شهر يونيو/حزيران أقدم شاب يدعى ناثانيال فيلتمان ويبلغ من العمر 20 سنة، على دهس عائلة مسلمة من أصول باكستانية، مكونة من أربعة أفراد في مدينة أونتاريو الكندية.

تسببت الحادثة بمقتل أفراد العائلة وإصابة الطفل ذي التسع سنوات بجروح بليغة جرى نقله على إثرها إلى المستشفى.

لتثير بذلك هذه الجريمة و التي اعتبرت الأسوأ منذ حادثة مسجد كيبيك سنة 2017، ضجة كبيرة وتنديداً، وتزايدت مخاوف الجالية المسلمة في كندا من الاستهداف المستمر من المتطرفين والإرهابيين الذين تحركهم مشاعر الكراهية تجاه المسلمين.

وفي وقت سابق كانت قد عبّرت صوماليات كنديات مسلمات عن مخاوفهن من التهديدات المستمرة التي يتعرضن لها بالقتل والتصفية، بدافع الكراهية والعداء لمعتقداتهن.

وفي سياق متصل، نشر المركز الكندي لإحصاءات العدالة وسلامة المجتمع أرقاماً مفزعة تظهر ارتفاع منسوب جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين، والتي ارتفعت من 166 حادثة سنة 2018 إلى حوالي 181 حادثة سنة 2019.

وقد أبلغت الشرطة الكندية بداية العام الحالي بعدة جرائم دهس واعتداء وتنمر ضد المسلمين، لم تتمكن بعض الإجراءات من إيقافها، فيما اعتبر كثيرون أنه لا توجد حقيقة قوانين ردعية توقف هذه الجرائم.

وتتجه أصابع الاتهام في كندا إلى المجموعات اليمينية المتطرفة، التي تغذي خطاباً متطرفاً ومحرضاً على العنف، ويدعو إلى الاعتداء على المسلمين والتضييق عليهم، وكشفت تحقيقات سابقة أن المعتدين لهم ارتباطات مباشرة أو غير مباشرة بهذه الجماعات.

وفي الإطار ذاته، أضافت كندا إلى لائحتها للكيانات الإرهابية، مجموعتي "ثرِي بيرسينتِرز" و"آريان سترايكفورس ذات الأيديولوجية التي تتبنى فكرة تفوق العرق الأبيض.

هل توقف القوانين النزيف المجتمعي؟

صرح وزير السلامة العامة بيل بلير في بيان رسمي قائلاً بأنه "لا مكان للتعصب والكراهية في مجتمعنا، وحكومة كندا ستواصل بذل كل ما في وسعها لحماية الكنديين من جميع التهديدات، بما في ذلك الإرهاب والتطرف العنيف".

وعقب ما كشفت عنه التحقيقات، وفي ظل الضغوط من المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني، فرضت الدوائر الرسمية في كندا عقوبات على منظمات يمينية متطرفة متورطة في سلسلة من الهجمات والاعتداءات، ومن بينها حادثة مقتل ستة مصلين مسلمين في مسجد في كيبيك عام 2017 وهجوم في تورنتو في العام التالي.

كما صرح وزير التعليم في أونتاريو ستيفن ليتشي خلال مؤتمر صحفي افتراضي، أنه سيجري استثمار حوالي 300 ألف دولار لمكافحة الإسلاموفوبيا في المدارس في جميع أنحاء المقاطعة وذلك على خلفية تزايد حوادث جرائم الكراهية ضد الجالية المسلمة في كندا.

وأشار ليتشي إلى أنه جرى استهداف العديد من الطلاب داخل المدارس الكندية بسبب عقيدتهم. وأنه الهدف الذي يقع على عاتقهم تحقيقه اليوم هو إنشاء نظام تعليمي شامل يقف بحزم ضد الكراهية والتمييز ويدافع عن الإدماج والاحترام."

وأوضح وزير التعليم أن الجزء الأكبر من التمويل أي حوالي 225000 دولار سيُدفع إلى جمعية المسلمين في كندا لإنشاء موارد رقمية للمعلمين والطلاب وأولياء الأمور لزيادة الوعي حول الإسلاموفوبيا. فيما سيذهب باقي التمويل إلى المجلس الوطني للمسلمين الكنديين لمساعدة المسلمين الوافدين الجدد على التنقل في بلدهم الجديد ولمساعدة الطلاب الجدد على الاستعداد للمدرسة في الخريف.

وتعليقاً على ارتفاع نسق جرائم الكراهية في كندا، عبر رئيس الوزراء الكندي جستن ترودو في وقت سابق عن تنديده بجرائم الكراهية التي استهدفت المدنيين والمواطنين في كندا قائلاً "سنواصل محاربة الكراهية عبر شبكة الإنترنت وغيرها، ويشمل ذلك اتخاذ مزيد من الإجراءات لتفكيك الجماعات اليمينية".

ما زال المسلمون في أنحاء العالم اليوم ضمن الأوساط الغربية، معرضين لمخاطر تهدد حياتهم وأمنهم وسلمهم، وتبقى القوانين وما أقرته الحكومات من إجراءات غير كافية لإيقاف هذه الوحشية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً