تابعنا
تعرّف على حيّ شوقور بإسطنبول الذي صُوّرَ فيه مسلسل "الحفرة"، وهو أشهر دراما تركية، وينتظره آلاف المتابعين في تركيا والعالم العربي. حيّ شوقور كما لم تعرفوه من قبل، بسكانه وأماكنه الحقيقية.

وحدها كتابات أهالي حي "بلاط" على الجدران الملوّنة القديمة، كانت تدلّني على اقتراب وجهتي الصحيحة. لا يافطات كثيرة هنا، ولا شرطي مرور أسأله.

نزلت من الحافلة في منطقة أيوب سلطان داخل أسوار إسطنبول العتيقة، أحاول الوصول إلى الحي الملاصق لمياه الخليج الذهبي، الذي بات وجهة للسياح بعد تصوير مسلسل "çukur الحفرة" داخل أزقته الضيقة.

اسمه حي "بلاط" في شارع "سبيل" بمنطقة أيوب. هكذا عُرف لزمن طويل قبل أن يُطلق عليه الزوار وأغلبهم من متابعي المسلسل اسم "çukur أو الحفرة".

يستدلون عليه بهذا العنوان الذي يمكن وضعه على Google Maps بسهولة.

Ayvansaray Mahallesi, Sebil Sk. No:13, 34087 Fatih/İstanbul

كلّما كانت البيوت المتراصة والشرفات المزخرفة تظهر أمامي أكثر من كل جانب، كنت أعلم أني اقتربت من الحي.

فهذا ما قرأته عن جمالية المكان الذي اختاره منتجو المسلسل للتصوير فيه.

وعلى مدخل الحي، كانت ضحكات طلاب تجمعوا في ساحة جامعة Ayvansaray تعلو الأرجاء.

وصلت أخيراً. ما إن وطأت قدماي الحي، ومشيتُ أول خطوتين فيه، حتى سارع نحوي صغار أتراك تعلموا بضع كلمات عربية لجذب القادمين، "لوين تروح؟".

مشينا قليلاً، وبقيت إلى جانبي طفلة صغيرة سألتها عن مقهى "عائلة كوشوفالي" الذي كان يجتمع فيه أبطال المسلسل، فأوصلتني إليه.

داخل الأزقة، كان مسنّون أرهقهم الحر الشديد فجلسوا خارج بيوتهم، يبتسمون لكل من يمرّ أمامهم مُرحّبين به بكلمتهم المعتادة: Hoşgeldiniz (أهلاً وسهلاً).

كنت أبتسم لهم، وأنا أحاول قراءة مئات الكلمات التي كُتبت على الجدران، على النوافذ، على الأعمدة، في كل مكان.

كلّها امتلأت بكلمات çukur (وهو اسم المسلسل التركي)، وأسماء الممثلين فيه، وعبارات أخرى كتبها، على ما يبدو، عشاق لبعضهم في الحي.

حين تابعت المسلسل قبل سنة، لم أكن أعلم أن المكان الذي صُوّر فيه بات مقصداً للسياح.

وصلنا إلى الزقاق الشهير، حيث مقهى الحفرة وساحة الأسلحة والأحداث المشوّقة الكثيرة التي دارت فيه.

شكرْت مرافقتي الصغيرة ببضع ليرات، ثم شردْت قليلاً أمام المقهى، وأنا أرى الممثل الوسيم أراس بولوت إينيملي الذي يقوم بدور "ياماش" وهو يدخل الحي، ويتقدّم أمامه والده "إدريس" الذي يؤدي دوره الممثل أرجان كيسال، وهو يحيّي الأهالي المصفوفين على جانب الطرقات بحركة يده المعتادة ونظرته الواثقة.

لم أعِ أن هذه مشاهد كنت أرسمها في مخيلتي، إلا حين سمعت أغنية مسلسل "الحفرة" للمغني التركي Eypio، التي رفع بقال الحي صوتها؛ وكأنه يناديني، "استيقظي، تعالي واشتري من دكاني".

لقد وصلت إلى "بلاط" (الحفرة)

أهلاً وسهلاً بك في حي "الحفرة"، حيث المسلسل الشهير الذي بدأ عرض الموسم الثالث منه، وينتظره آلاف المتابعين في تركيا والعالم العربي.

كانت كل زاوية في الحي كما هي، الصيدلية هناك، والمقهى أيضاً، وأمامها دكان الحلاق "محيي الدين" وابنه "ميكي" الشجاع.

لا ممثلون هنا، إنما أهالي الحي المشهورون بكرمهم، والذين يقطنونه منذ سنوات، بدوا وكأنهم جميعاً يشاركون في المسلسل.

ربما لم يتقنوا التمثيل، لكنّهم بلا شك أتقنوا الترويج للمكان الذي بات وجهة للسياح.

فهنا الساحة التي رُكنت فيها سيارة الأب "إدريس" وعلى بابها، سلاح رشاش لا يختلف شكلاً عن ذاك في المسلسل إلا حين حملته لأكتشف أنه بالطبع ليس حقيقياً.

وأمام الساحة الصغيرة، كان صاحب "البسطة" يتحايل عليّ بما يعرفه من كلمات إنجليزية. يحاول أن يُقنعني بالدخول للساحة كي يلتقط لي ما أشاء من الصور داخل سيارة الممثل "إدريس".

لمَ لا؟ اقتربْتُ أكثر، فوقف أمامي مبتسماً: اشترِ أولاً، ثم نلتقط الصور.

دعاني لشراء سلسلة عليها شعار "الحفرة" أو مسبحة كتلك التي كان يحملها الممثل "فارتولو" في المسلسل.

هذه هي المعادلة ببساطة. إما أن تقبل وتشتري منه ما تريد ثم تدخل لتحظى بصورة لك، أو تكمل لبسطة أخرى وعرض آخر من بائعين كُثر.

توافد السياح على حي "الحفرة"

القمصان، السلاسل والخواتم وغيرها، ملأت البسطات في حي "الحفرة"، وكما لفتتني لشراء بعض منها، كانت تستوقف سياحاً جاءوا خصيصاً للمكان.

ولم يكن إقناع أحدهم بشراء تذكار عليه شعار مسلسلهم المفضل أمراً صعباً. فكان "علي بالدا"، البائع التركي الشاب، يفعل كل ما بوسعه لرسم الابتسامة على وجه زواره.

كان يعلم تماماً أنها ستحقق له ما يريد في النهاية.

وحين اقتربت من عربته الصغيرة، سألني Memleketin neresi، وما إن أجبته أني من فلسطين رغم أني لست بسائحة، حتى بدأ الغناء لي مع حركات رقص غريبة.

كان يردد جملة المسلسل الشهيرة çukur evimiz idris babamız، ولكن مستبدلاً كلمة بابا إدريس بفلسطين عائلتنا.

فما كان مني إلا أن اشتريت كل ما عرضه عليّ وأنا أبتسم لذكاء حيلته.

أما الطفل الأشقر "سليم" الذي كان يرمقني بنظرات عتاب من الجهة المقابلة لأني لم أعطه "الخرجيّة" حين طلبها مني عند مدخل الحي، عاد مجدداً وكأنه يبحث في عيني عن لهفة لشيء ما أعجبني في المسلسل، علّه يقنعني هذه المرة بعرض جديد.

"بيت فارتولو سعد الدين؟؟"، بمصطلحات عربية قليلة بدا واضحاً أنه تعلّم لكنتها من سائح لبناني، كان "سليم" يسألني إن كنت أود التجول في منزل بطل المسلسل "فارتولو" مقابل 100 ليرة، وصلنا في النهاية إلى 50 ليرة وتم الاتفاق.

قبل أن أغادر الحي النظيفة أزقتّه بشكل لافت، كانت جملة واحدة تراودني رددّها بطل المسلسل "إدريس" وهو يحدّث أبناءه الـ4 داخل مقهى الحي، "نحن نعتني بالحفرة والحفرة تعتني بنا".

وبدا لي أن سكان الحي، لم تنته أدوارهم عند مشاهدة المسلسل فقط، فكانوا يعتنون بـ"الحفرة" أيضاً (الحي)، والحفرة تعتني بهم وتعود إليهم بمردود مالي من السياح.

هذا المنزل أو ساحة السيارة تلك أو حتى المقاهي، تستقطب يومياً عشرات الزوار كما قال لي البائع التركي علي؛ يأكلون في مطعم الشاورما الصغير بالحي نفسه، واسمه çukur وأسفله صورة كبيرة للممثلين المشاركين في "الحفرة".

أو ربما يشربون الشاي أو القهوة التركية في المقاهي الكثيرة المنتشرة، ويلتقطون صوراً كثيرة في المكان.

"الحفرة".. الأكثر تحقيقاً للأرباح

ووفق مجلة "فوربس التركية"، تصدّر مسلسل "الحفرة" القائمة كأكثر مسلسل تحقيقاً للأرباح المادية، الأمر الذي سبّب مفاجأة كبيرة كونه تفوّق على مسلسل "قيامة أرطغرل" الذي حلّ في المرتبة الثالثة ضمن القائمة، رغم أن "الحفرة" بدأ عرضه بعد "قيامة أرطغرل" وقُدّم منه موسمان فقط.

وبدأ عرض "الحفرة" في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2017. وتدور أحداثه في أحد أحياء مدينة إسطنبول وهو أكثرها خطورة، حيث تسيطر عليه عائلة كوشوفالي، وتفرض قوانينها على سكان هذا الحي كعدم المتاجرة بالمخدرات.

حي "بلاط": كنيسة تاريخية

لكن الزائر لحي "بلاط" لا يكتفي بالتجول في موقع تصوير "الحفرة" فقط، إذ يضم الحيّ أيضاً الكنيسة الحديدية التي تستقطب الكثير من الزائرين الأتراك والأجانب، وهي كنيسة كبيرة تحوي تماثيل ترمز للسيدة مريم، وابنها النبي عيسى.

كما يحظى عشاق الأشياء القديمة “الأنتيكا” بنصيب في حي “بلاط”، الذي يشهد بيع أشياء ومستلزمات قديمة، بعد الساعة الثالثة عصراً في مكان مخصص للمزاد العلني، يمارس فيه عشاق اقتناء الأدوات القديمة هوايتهم بكل متعة وأريحية.

وحسب المعلومات التاريخية التي تسردها وكالة "الأناضول"، فقد كان حي “بلاط” قديماً يسكنه المسيحيون مع أقلية يهودية، ومع الفتح العثماني للمدينة وسقوط الأندلس، دعا السلطان العثماني بايزيد الثاني اليهود الذين بقوا بلا مأوى إلى إسطنبول، وأسكنهم في هذا الحي.

وعلى مدار قرون تالية، سكن في هذا الحي مسلمون ومسيحيون ويهود ومن الممكن حالياً رؤية الكنائس والجوامع القديمة ما زالت حتى الآن مفتوحة للزائرين والعبادات.

وبعد عام 1948 تراجع عدد اليهود بحي “بلاط”، ومع توسع المدينة قلّ الاهتمام بالحي لفترة زمنية، إلا أنه عاد وشهد إعادة ترميم منازله وأزقته، فعاد لحيويته السابقة.

كيف تحوّلت مواقع تصوير المسلسلات إلى مراكز استقطاب للسياح؟

"الحفرة" الذي يُصوَّر في حي بلاط، "الحب الأسود"، "الغراب" وغيرها.. مسلسلات تركية لم تعد تعتلي عرش الأعمال الأكثر متابعة في الوطن العربي فحسب، بل أصبحت الآن معظم المواقع التي تُصوَّر فيها هذه المسلسلات، تستقطب السياح العرب إلى تركيا وتساهم بدعم السياحة فيها.

وكان مسلسل "العشق الممنوع" الذي عُرض قبل 9 سنوات، قد حظي بمتابعة كبيرة في البلدان العربية، وتحوّلت الفيلا المطلة على البحر، والتي صُوّرت فيها أبرز أحداث العمل الدرامي إلى مقصد للسياح أيضاً خلال الأعوام الماضية.

وتعمل شبكة نتفليكس الآن على إنتاج فيلم جديد يستكمل قصة مسلسل "العشق الممنوع"، ويجمع بطَليه بيرين سات وكيفانج تاتلينوغ واللذان حظيا بشهرة كبيرة ونالا جوائز في العالم العربي.

أما مسلسل "حريم السلطان"، فقد تم تصويره في قصر توبكابي، واحد من أكبر قصور مدينة إسطنبول.

اليوم، يعدّ القصر بمثابة متحف مفتوح، يحوي التحف والوثائق النادرة ويقع في منطقة سراي بورنو Sarayburnu.

ومن ينسى أول مسلسل تركي عُرض على الشاشات العربية "نور"؟ صُوّر في قصر عبود أفندي المؤلَّف من طابقين، وأصبح يُفتح كمزار سياحي، فإما أن تراه من السفينة وأنت تقوم بجولة في مضيق البوسفور، أو تتجه إليه خصيصاً للتجول في القصر الكبير.

وفق مجلة "فوربس التركية"، تصدّر مسلسل "الحفرة" القائمةكأكثر مسلسل تحقيقاً للأرباح المادية (TRT Arabi)
كتابات حيّ بلاط على الجدران تؤكد على الاقتراب من حيّ شوقور (TRT Arabi)
 أصبحت الآن معظم المواقع التي تُصوَّر فيها المسلسلات، تستقطب السياح العرب إلى تركيا وتساهم بدعم السياحة فيها (TRT Arabi)
القمصان، السلاسل والخواتم وغيرها، ملأت البسطات في حي "الحفرة"، وكما لفتتني لشراء بعض منها، كانت تستوقف سياحاً جاءوا خصيصاً للمكان (TRT Arabi)
سكان الحي، لم تنته أدوارهم عند مشاهدة المسلسل فقط، فكانوا يعتنون بـ"الحفرة" أيضاً (الحي)، والحفرة تعتني بهم وتعود إليهم بمردود مالي من السياح (TRT Arabi)
داخل الأزقة، كان مسنّون أرهقهم الحر الشديد فجلسوا خارج بيوتهم، يبتسمون لكل من يمرّ أمامهم (TRT Arabi)
لا ممثلون هنا، إنما أهالي الحي المشهورون بكرمهم، والذين يقطنونه منذ سنوات، بدوا وكأنهم جميعاً يشاركون في المسلسل (TRT Arabi)
كانت كل زاوية في الحي كما هي، الصيدلية هناك، والمقهى أيضاً، وأمامها دكان الحلاق"محيي الدين" وابنه "ميكي" الشجاع (TRT Arabi)
TRT عربي