تابعنا
عرف المجتمع الموريتاني انتشاراً واسعاً لظاهرة السّمنة قديماً أو ما يُعرف محلياً بـ "لبلوح"، وبالرغم من تراجع تلك الظاهرة وانحسارها، إلا أن سمنة المرأة مازالت معياراً أساسياً لجمالها.

مكانة بارزة تحتلها المرأة في المجتمع الموريتاني، فهي شرف العائلة، وكلما بدت في أحسن حال دل ذلك على مكانة الأسرة مادياً ومعنوياً، وتعمل الأمهات في هذا المجتمع على العناية بمظهر الفتاة في سن مبكرة، من أجل تسمينها، فهي بذلك تبدو أكثر جمالاً وأحسن حالاً من مثيلاتها النحيفات.

التسمين القسري "لبلوح"

تتمثل دوافع ظاهرة السمنة في النظرة النمطية للجسد الأنثوي، حيث من الضروري أن تكسب الفتاة الوزن في سن مبكرة؛ ما يعكس الوضع المادي الجيد من جهة، ويرفع من فرصها في الزواج المبكر من جهة أخرى.

ويترجم المثل الموريتاني الشعبي الذي سارت به الركبان الهوس بالسمنة عند سكان البلاد، وهو مثلٌ يقول إن المرأة تأخذ من القلب ما تأخذ من المكان الذي تجلس فيه، في إشارة لحجمها، وبهذا فعلاً تكون السمنة عند النساء وسيلة وليست غاية في حد ذاتها.

وقد ارتبط الطلاق وهجر الزوجات وكذا العنوسة في المخيال الجمعي بنحول الجسم أو الرشاقة، حيث تزخر الحكايات الشعبية بمواقف طريفة ترويها الأمهات للفتيات لحثهن على اكتساب الوزن الزائد لإرضاء الرجل الموريتاني الذي يفضل المرأة السمينة على غيرها.

وتقول إحدى الحكايات الشهيرة، إن فتاة اشتكت لأمها من سخرية أحد الشباب من جسمها النحيل، فقررت الأم أن تجعل ابنتها بدينه في فترة وجيزة، وفعلاً نجحت في الأمر لدرجة أن ذلك الشاب لم يتعرفها بعد اختفاء دام لفترة وجيزة، وهو ما دفعه لتغيير موقفه وعباراته، وهام عشقاً لها، وأنشد فيها كثيراً من الأشعار الشعبية المتداولة.

ومن الجدير بالذكر أن منظمات حقوقية دولية كانت قد صنفت التسمين القسري ضمن ممارسات العنف ضد المرأة.

طرق ووسائل التسمين قديماً

يختلف النظام الغذائي للفتاة في فترة "لبلوح" أو التسمين القسري من منطقة إلى أخرى في موريتانيا حسب طبيعة كل منطقة، ففي المناطق الزراعية والرعوية يسيطر الحليب ومشتقاته على النظام الغذائي للفتاة، ويتم إعداد وجبات خاصة بالفتاة التي تخضع للتسمين القسري.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الوسيلة الوحيدة لجعل الفتاة تلتهم كل ما يقدم لها، هي الآلة التقليدية التي تعرف محلياً ب "أزيّار"، وهي مكونة من عودَي خشب؛ يلف طرفي العودين برباط؛ ويتم وضع أصابع قدم الفتاة بين العودين؛ ويتم الضغط على الأصابع إلى أن تكمل الوجبات الإضافية المقدمة لها من قبل السيدة التي تكون في العادة إما الجدة؛ أو متخصصة في هذا الأمر، بحيث اشتهرت بالبراعة في إكساب الفتيات الوزن الزائد في فترة وجيزة، وأحياناً بالترغيب وليس الترهيب، كما هو شائع في مناطق محددة من البلاد، وعلى أن تتمتع بالفكاهة، وتكون لها قدرة على تسلية الفتيات بالحكايات الشعبية أو مسامرتهن بالغناء والرقص لإبقائهن مستيقظات أطول وقت ممكن، فالنظام الغذائي للتسمين يتطلب إعطاء ثلاث وجبات هائلة ليلاً.

السمنة في المجتمع الموريتاني اليوم

قد يظن البعض أن الحديث عن السمنة هو جزء من التراث؛ أو أنها مسألة تم تجاوزها بفعل تسارع وتيرة الحياة اليوم، أو بفعل الانفتاح على العالم؛ وأن النظرة النمطية لمعايير الجمال قد تبدلت، إلا أن ذلك لا يجسد حقيقة الواقع، فظاهرة السمنة ما زالت مستساغة اجتماعياً، وأصبحت بإرادة الفتاة رغم أنها لم تعد تمارس عليها عملية التسمين القسري.

ومازالت كثير من الفتيات يسعين اليوم لكسب الوزن الزائد بالعقاقير الطبية، والمنتجات الغنية بالسعرات الحرارية، إيماناً منهن أن السمنة تزيد من فرصهن في الزواج، وتجعلهن جميلات حسب معايير الجمال في موريتانيا.

ولا ينفي هذا أن الفتاة الموريتانية بدأت تتجه إلى ممارسة الرياضة والمحافظة على اللياقة والرشاقة، لكن هذه الممارسات لا تزال خجولة مقارنة بحجم ظاهرة السمنة في المجتمع الموريتاني.

ورغم التحذيرات الطبية، وحملات التوعية بمخاطر السمنة، تشير استطلاعات رسمية سابقة إلى أن نسبة 61% من النساء الموريتانيات يعتبرن أن السمنة ضرورية للمرأة وجمالها، وتفضل نسبة 75% من الرجال الموريتانيين المرأة السمينة على حساب النحيفة.

أسرار غذائية

تعتمد كثير من الفتيات في المدينة على جدولة أسرار غذائية تعتبر في موريتانيا من بين الوجبات التي تؤدي للسمنة.

وتقول زينت سيدي وهي فتاة موريتانية عشرينية لـTRT عربي، إنها تسعى منذ عدة أشهر لزيادة وزنها طلباً للزواج وتحسين هيئتها، وسرها في ذلك إناء من وجبة "باسي" مع الحليب، تتناولها قبل نومها مباشرة كل مساء، بينما تأخذ مقادير مماثلة من الخبز المجفف كل صباح بعد وجبة الإفطار.

وتضيف زينت أنها تتناول كل ما تجده في زياراتها لبيوت أقاربها وأهاليها، فقط ترفض تناول الليمون أو شرب الشاي الصيني الأخضر، لأنهما يؤديان للنحافة على حد تعبيرها، وهو ما قد يعارضه الرأي الطبي بطبيعة الحال.

وتعتمد بعض النساء في زيادة الوزن على شرب المذق "الزريق" كما يسمى محلياً، وهو مقدار قليل من مسحوق الحليب مع كثير من الماء، يشربن منه كل ربع ساعة تقريباً؛ وأحياناً أقل.

وتعتمد أخريات على تناول بعض الأدوية لفتح الشهية، والمكملات الغذائية، وقد برزت منذ سنوات حبوب مجهولة المصدر تم تحريمها والتحذير منها بشكل رسمي؛ تُعرف بحبوب البقر أو "أدرك أدرك" بجيم مصرية، وقد خلفت هذه الحبوب إشكالات صحية وتشويهاً جسدياً للواتي تناولنها، فهي سريعة التسمين، لكنها قد تزيد وزن عضو من الجسد بشكل مهول دون آخر.

ويؤكد عدد من النسوة أن العمل على زيادة وزن الفتاة أياماً قبل الزواج مازال طريقة متبعة عند كثير من الأسر الموريتانية، وهو ما تعتبره نسوة أخريات أمراً طبيعياً نظراً للراحة والعناية التي تجدها الفتاة قبل زواجها بفترة قصيرة.

هل مازالت السمينة هي المفضلة للرجل؟

نعم، يقول أغلبية الرجال الذين قابلتهم TRT عربي، وكذلك يقول أعمر لوليف وهو مدون وكاتب موريتاني، إن المرأة الموريتانية متمسكة بالسمنة، لأن الزي الذي ترتديه "المحلفة" يُظهر المرأة نحيفة، وبالتالي تسعى لزيادة الوزن دائماً.

ويضيف لوليف إن مسألة تفضيل المرأة البدينة يعود لعوامل النشأة والبيئة، وإن طبيعة الشعوب الصحراوية تميز المرأة البدينة؛ وإن تفضيل الرجل الموريتاني للمرأة السمينة غريزة مغروسة في ذهنه، فحتى ذلك الشاب الموريتاني الذي يدرس في الولايات المتحدة أو أوروبا وعنده شهادات عليا ويحاضر في الجامعات، سيظل بفعل النشأة يميل للجلوس على كثيب رملي، ويبصر تلك المرأة البدينة.

ورغم الانفتاح على العالم الآخر وروافد الحداثة، ورغم تراجع هذه النظرة في الأجيال الجديدة نسبياً، إلا أن أغلب الرجال الموريتانيين اليوم مازال يفضل المرأة السمينة.

بدأت الفتاة الموريتانية تتجه إلى ممارسة الرياضة والمحافظة على اللياقة والرشاقة، لكن هذه الممارسات لا تزال خجولة مقارنة بحجم ظاهرة السمنة (AP)
في المناطق الزراعية والرعوية يسيطر الحليب ومشتقاته على النظام الغذائي للفتاة، ويتم إعداد وجبات خاصة بالفتاة التي تخضع للتسمين القسري (AP)
تتمثل دوافع ظاهرة السمنة في النظرة النمطية للجسد الأنثوي، حيث من الضروري أن تكسب الفتاة الوزن في سن مبكرة (AP)
يؤكد عدد من النسوة أن العمل على زيادة وزن الفتاة أياماً قبل الزواج مازال طريقة متبعة عند كثير من الأسر الموريتانية (TRT Arabi)
TRT عربي