بوتين معتلياً ظهر حصان وهو يرتدي الزي العسكري في إحدى الغابات الروسية. (Reuters)
تابعنا

ماشياً على نفس الطريق التي سلكها جده بطرس الأكبر قبل أكثر من ثلاث قرون باتجاه دول البلطيق، يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جاهداً استعادة أمجاد روسيا العظمى وجعلها نداً للولايات المتحدة والغرب، لكنه قرر البدء من أوكرانيا قبل أن يصل إلى السويد كما فعل بطرس الأكبر بداية القرن الـ 18.

فمن خلال نشر قواته فوق الأراضي الأوكرانية ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع، يسعى بوتين لتسويق روسيا على أنها قوة عظمى وقطباً رئيسياً في عالم متعدد الأقطاب تفقد فيه الولايات المتحدة سيطرتها المطلقة التي استمرت لسنوات عقب انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي.

ومثلما نقل بطرس الأكبر روسيا من الهزيمة إلى النصر على السويديين في غضون سنوات وحقق مكانة دولية قوية لبلاده، بالإضافة إلى أنه يُنظر إليه على أنه مصلح فتح "نافذة على الغرب" وساهم في إنشاء العصر الذهبي للإمبراطورية، كذلك يُنظر إلى بوتين على أنه المدافع عن استقلال روسيا كقوة عظمى، والمساهم الأبرز في خروجها من "فترة الإذلال الوطني"، كما أطلق عليها البعض في التسعينيات.

القيصر الروسي بطرس الأكبر (1672-1725)

القيصر الروسي بطرس الأكبر (1672-1725). (wikipedia) (Others)

وُلد بطرس ألكسييفيتش ميخائيل رومانوف، خامس قياصرة روسيا، في موسكو عام 1672. وهو وريث سلالة القياصرة رومانوف التي حكمت روسيا دون انقطاع منذ عام 1613 وحتى سقوطها بقيام الثورة البلشفية عام 1917. عُرف خلال سنوات حكمه التي استمرت لما يقرب من 3 عقود باسم بطرس الأكبر أو "الأعظم"، إذ اتبع سياسة حازمة هادفة لتحديث بلاده وتوسعة رقعتها، بالشكل الذي جعل منها قوة أوروبية كبرى.

وعلى الرغم من أن جده إيفان الرابع المشهور باسم إيفان الرهيب وحد إمارات الروس المتصارعة والمتفرقة بين موسكو وكييف، فإن ذلك لم يمنع أن تبقى روسيا غارقة في البدائية والهمجية. وبقي الأمر كذلك حتى وصل بطرس القيصر الطموح إلى سدة الحكم.

ومباشرة، شرع بطرس في بناء عاصمة جديدة لامبراطوريته على الطراز الغربي، ووجد في مدينة سان بطرسبرغ (القريبة من بحر البلطيق) مطلبه ومبتغاه، كانت العاصمة الجديدة بمثابة رسالة واضحة تشير إلى رغبة بطرس بتحويل روسيا من إمبراطورية برية إلى بحرية لها أسطولها الخاص على غرار دول أوروبا العظمى وقتذاك.

طريق سلكها بطرس من قبل

رغبةً منه في السيطرة على أراضٍ تُطِلّ على البحار الدافئة المتمثلة في بحر البلطيق شمالاً والبحر الأسود الذي كان يسيطر عليه العثمانيون جنوباً، وضع القيصر الروسي بطرس الأكبر، خططاً لمهاجمة مملكة السويد أولاً، لكونها الحلقة الأضعف في الصراع إذا قورنت بالدولة العثمانية، وعليه بدأ بين عامَي 1700 و1721 صراع طويل وصعب سُمّي "حروب الشمال الكبرى" بين روسيا القيصرية من طرف، والسويد وبولندا من طرف آخر.

وتباعاً، استطاع بطرس أن يُخضع مناطق شاسعة من ممالك السويد ولاتفيا وفنلندا وإستونيا لسيادة الإمبراطورية الروسية، ولم يكتفِ بإعلان روسيا قوة عظمى وحسب، بل منحها ميناءً على بحر البلطيق تنطلق منه أساطيل إمبراطوريته العسكرية والتجارية.

قُبيل اندلاع الحرب قبل أكثر من أسبوعين، قال الجنرال البريطاني المتقاعد روبرت فراي في تقييم عسكري لموقع The Article، إن مدينة بولتافا الواقعة على الطريق إلى كييف، والتي كانت شاهدة على صراع شرس بين القوات الروسية والأوكرانية، هي نفس المدينة التي شهدت في عام 1709 خطوات بطرس الأولى نحو نيله لقب "الأعظم" خلال الحرب الروسية السويدية التي استمرت حتى عام 1721.

ويشير فراي إلى أن هذه هي الطريق التي قد يطمح الرئيس الروسي في اتباعها خلال مغامرته الجديدة في أوكرانيا.

هل ينجح بوتين في مساعيه؟

لم يغلق بوتين بغزوه للأراضي الأوكرانية النافذة التي فتحها جده بطرس الأكبر قبل أكثر 3 قرون وحسب، بل وضع روسيا في مآزق سياسية واقتصادية قد توصد عليها الأبواب وتبقيها حبيسة نفسها، وقد يتطور الأمر بشكل سريع ليطيح بنظام حكم الرئيس فلاديمير بوتين، بحسب بعض المراقبين.

لكن البعض يرى أن بوتين لا يحارب الأوكرانيين، بل هو يلعب لعبة شطرنج معقدة على الأراضي الأوكرانية وعلى الطرف الآخر من الرقعة أمريكا رفقة حلفائها الذين يرغبون بتطويق روسيا وخنق طموحها بالتوسع نحو الغرب باتجاه دول البلطيق بدءاً من أوكرانيا.

وعلى الرغم من توحد الدول الأوروبية صفاً واحداً خلف الولايات المتحدة التي تقود الناتو لصد الطموحات التوسعية التي تحرك سياسة بوتين الخارجية، فإن ذلك لا يعني بعد فشل بوتين وخططه، خصوصاً وأن الصراع الروسي الأوكراني بصدد دخول مسار حرب استنزاف طويلة قد تثقل كاهل بوتين وبالتالي تدفعه إلى استخدام القوة بشكل مفرط سواءً في أوكرانيا أو الدول المجاور لها، كيف لا وقد هدد قبل أسبوع باستخدام السلاح النووي؟

TRT عربي