يترقب الجزائريون في الأيام القادمة خروج أول سيارة محلية الصنع تتبع علامة "فيات". بعدما أكد وزير الصناعة أحمد زغدار هذا الأسبوع منح الاعتماد لثلاثة وكلاء للسيارات، بينهم السيارة الإيطالية الشهيرة، وفق الشروط الجديدة.
ويأمل الجزائريون أن تجنّب الإجراءات الجديدة الأخطاء التي وقعت في هذا المضمار سابقاً وتمخض عنها عديد من قضايا فساد.
ولا يتعلق ملف تصنيع السيارات في الجزائر بتنويع الاقتصاد والصادرات فقط، إنما يرتبط أيضاً بتلبية الطلب المحلي المتزايد بسبب وقف الاستيراد منذ 2017.
إجراءات جديدة
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أفرجت الحكومة الجزائرية عن الشروط الجديدة لممارسة نشاط تصنيع السيارات واستيرادها من وكلاء محليين بعد انتظار دام نحو ثلاث سنوات.
وحسب ما تضمنته الجريدة الرسمية الجزائرية، فإن الشروط الجديدة لتصنيع السيارات تنص على ضرورة أن يخضع المصنع حتى ولو كان علامة سيارات معروفة للإجراءات التي يحددها القانون الجزائري.
واشترط القانون الجديد أن يحدد المستثمر في صناعة السيارات وتركيبها بالجزائر مبلغ الاستثمار المزمع، وأنواع المركبات التي ستصنع محلياً، وتقديم استراتيجية حول بلوغ نسب الإدماج المحددة قانوناً والمقاولين المحليين الذين سيعتمد عليهم في عملية التصنيع.
ولتحقيق تصنيع محلي فعلي للسيارات، يلزم القانون المصنعين اعتماد نسبة الإدماج المحلي التي حددت بـ10% عند نهاية السنة الثانية من الاستثمار، التي سترتفع إلى 20% عند نهاية السنة الثالثة، لتبلغ 30% عند نهاية السنة الخامسة.
وتنص لائحة الشروط الجديدة على أنه حال عدم تحقيق المصنّع نسبة الإدماج المتوقعة، يجرى تجميد برنامج التوريد الخاص به إلى تحقيق نسبة الإدماج المطلوبة.
وتقدم الحكومة تسهيلات للمستثمرين تتعلق بالاستفادة من النظام الضريبي التفضيلي بشأن المواد الأولية المستوردة أو المنتجة محلياً وكذلك للمجموعات الفرعية واللواحق المستوردة التي تدخل في عملية التصنيع.
وقال الخبير الاقتصادي المهتم بقطاع السيارات أيمن شريط لـTRT عربي، إن ما يلفت النظر في اللوائح الجديدة الخاصة بتصنيع السيارات أنه يشير إلى "استراتيجية متكاملة محددة بفترة زمنية، تعمل على إشباع السوق الوطني للقضاء على المضاربة والندرة، ومنح الوقت للمصنع لتنفيذ استثماره بإمكانية الاستيراد في البداية لأخذ مكانة في السوق الجزائرية".
وبدوره، يقر الخبير الاقتصادي جلال بوسمينة أن لائحة الشروط الخاصة بتصنيع السيارات "يحمل كثيراً من البنود الإيجابية، وبالخصوص التدرج في نسبة الإدماج، وهو ما يدل على نية الحكومة تشجيع اليد العاملة المحلية والشركات الصغيرة والمتوسطة التي تنشط في القطاع"، لكنه نبه في حديثه مع TRT عربي إلى أن "اللوائح لن تكون وحدها كافية لخلق صناعة سيارات حقيقة بالجزائر، لأن عملية التصنيع أكبر من مجرد تشريع قانوني رغم أهمية مرونة النصوص التنظيمية في تسريع الاستثمارات الاقتصادية" على حد قوله.
أولى الثمار
بعد مرور أكثر من شهرين على دخول اللوائح الجديدة حيز التنفيذ، أعلنت الحكومة أخيراً أولى علامات المركبات المعنية بالتصنيع والاستيراد في الجزائر.
وكشف وزير الصناعة أحمد زغدار يوم الاثنين 6 مارس/آذار أن مصالحه سلمت الاعتمادات الخاصة بممارسة نشاط وكلاء السيارات الجديدة لفائدة ثلاثة متعاملين، هم شركة "فيات-الجزائر" وكيل علامة "فيات" الايطالية، وشركة "أمين أوتو" وكيل علامة "جاك" الصينية بالجزائر، وشركة حليل للتجارة والصناعة وكيل علامة "أوبل" الألمانية بالجزائر.
وأضاف زغدار أن وزارته منحت ما يزيد عن 35 رخصة مسبقة للمتعاملين الراغبين في ممارسة هذا النشاط منذ تنصيب اللجنة التقنية متعددة القطاعات، مؤكداً أن "تصنيع المركبات من أولويات القطاع المستعجلة"، إذ تعكف اللجنة التقنية على دراسة الملفات المودعة لديها، والتي تتعلق أغلبها بمصانع جاهزة لانطلاق تصنيع المركبات، خصوصاً النفعية منها، من جرارات فلاحية وشاحنات وحافلات ومقطورات ونصف المقطورات ودراجات نارية".
وستكون الانطلاقة بمجال تصنيع المركبات السياحية والنفعية الخفيفة، وفق الوزير زغدار الذي كشف أن أشغال بناء مصنع "فيات" بولاية وهران غربي الجزائر تشهد "تقدماً كبيراً، ومن المنتظر تسليمه مجهزاً بنهاية شهر أغسطس/آب المقبل، فيما يشهد مصنع "رونو" ديناميكية جادة لضبط تجهيزاته وجعله يتماشى مع دفتر الشروط الجديد ليستأنف نشاطه عند الانتهاء من هذه العملية قريباً".
تأثير الاستيراد
تزامن الإفراج عن اللوائح الجديدة لتصنيع وتركيب السيارات، مع صدور مرسوم آخر ينظم عملية استيراد المركبات بمختلف أنواعها والتي وقفت عام 2017، ليضاف إلى ما تضمنه قانون مالية 2023 من السماح باستيراد المركبات التي يقل عمرها عن ثلاث سنوات والتي صدر المرسوم المنظم لها هذا الأسبوع، وهو ما قد يشوش على السير الحسن لإعادة بعث صناعة السيارات في الجزائر، بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بإمكانية عدم قدرة المنتَج المحلي على منافسة بعض الأنواع المستوردة.
لكن أيمن شريط الخبير المتابع لتطورات سوق السيارات لا يتفق مع هذا الرأي، ويؤكد أن "السماح باستئناف الاستيراد من جديد لن يؤثر على إرساء صناعة حقيقية للمركبات بالجزائر، في حال تنفيذ الاستثمارات في هذا المجال وفق دفتر اللوائح الجديدة، إذ ستتحول الأولوية بعد ثلاث سنوات إلى المركبات المصنعة محلياً، وهو ما سيخلق منافسة مع السيارات المستوردة".
ويلفت الخبير الاقتصادي جلال بو سمينة إلى أن "فتح الاستيراد للوكلاء سيكون بشروط، ومن أهمها التوجه نحو التصنيع مستقبلاً، ما يعني أن الغاية أولاً توفير السيارة للجزائري، ثم التوجه بعد ذلك نحو التصنيع".
وأضاف بو سمينة "أعتقد أن دفتر الشروط أخذ بعين الاعتبار هذا الأمر، وبالتالي لن يؤثر الاستيراد في التصنيع، إضافة إلى أنه من الواجب فتح المنافسة ومنح الخيار للمستهلك سواء باستيراد السيارة أو اقتنائها مصنعة محلياً، مع منح أفضلية للتصنيع المحلي من خلال إجراءات حكومية تكون بفرض تعريفات جمركية على المركبات المستوردة".
خفض الأسعار
لا تزال الأسعار بسوق السيارات في الجزائر حتى الآن مرتفعة، بالنظر إلى أن ثمار الإجراءات الجديدة التي تضمنها اللوائح الجديدة الخاصة بتصنيع واستيراد السيارات لم يقطفها الجزائريون بعد، فوزارة الصناعة لم تكشف سوى عن أسماء ثلاثة وكلاء للسيارات الذين منحت لهم رخص الاستيراد، ولم تحدد بعد الكميات المسموح باستيرادها.
ولذلك، يرى الخبير الاقتصادي جلال بو سمينة أن الهدف الأساسي من الإجراءات الجديدة المتخذة يتعلق بالمساهمة في خفض الأسعار بتقديم عدد أكبر من العروض للمستهلك الجزائري، وبالتالي ستختفي الأسعار الملتهبة المسجلة اليوم سواء بالنسبة للمركبات الجديدة أو المستعملة، والتي كان سببها تراجع العرض بعد وقف الاستيراد.
وأوضح بوسمينة لـTRT عربي أنه لا يجب أن نغفل أن أسعار المركبات ارتفعت أيضاً على المستوى العالمي، جراء تضخم الاقتصاد ونقص الرقاقات، لذلك فإن التراجع المرتقب في أسعار المركبات بالجزائر لن يكون بالنسب التي يتخيلها البعض.
وقال وزير الصناعة أحمد زغدار شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي إن أسعار السيارات ستعرف تراجعاً في السوق الجزائرية مع بداية التصنيع والاستيراد للمركبات التي ستؤدي إلى وفرة في العرض، لا سيما من خلال التحكم في التكاليف وهوامش الربح التي ستكون مدروسة.
ويوضح أيمن شريط في حديثه مع TRT عربي أن "المزج بين استئناف الاستيراد للوكلاء وتشجيع الصناعة المحلية والترخيص لاستيراد السيارات أقل من 3 سنوات سيعطي ديناميكية ووفرة ومنافسة في السوق الذي يحتكم إلى قانون العرض والطلب، لأن الوفرة هي التي ستُخفّض الأسعار".