تابعنا
تطالب تركيا حالياً بإجراء مفاوضات لتحديد مصير كثير من الجزر، والجزر الصغيرة التي لم تنقل تبعيتها إلى أي دولة بموجب الاتفاقيات السابقة، في حين تزعم اليونان أحقيتها في كل جزر بحر إيجة، باستثناء الجزر التي أعيدت إلى تركيا بموجب معاهدة لوزان فقط.

تعد مسألة الجزر سواء جزر البحر المتوسط أو جزر بحر إيجة من أهم الأسباب وراء احتدام الصراع حالياً في منطقة شرق المتوسط. ويحمل النزاع القائم حالياً بين تركيا واليونان بعدين رئيسين: أولهما، نزاع حول السيادة على بعض الجزر الصغيرة، والتجمعات الصخرية في بحر إيجة التي لم يتم البت في تبعيتها السياسية لأي من الدولتين منذ توقيع اتفاقية لوزان عام 1923، وظلت محل خلاف وتسببت في نشوب أزمات دبلوماسية بين البلدين كادت أن تتطور إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة كما حدث في أزمة جزيرة قارداق عام 1995.

أما البعد الآخر للأزمة فيتعلق بالحقوق المترتبة على تلك السيادة، والمتمثلة في مناطق النفوذ البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة، والحق في التنقيب عن موارد الطاقة بالقرب من هذه الجزر، وتقع تلك الجزر في شرقي البحر المتوسط.

جزر بحر إيجة

تظهر معطيات المؤسسات الرسمية اليونانية أرقاماً مختلفة بخصوص أعداد الجزر ومساحاتها في بحر إيجة عن تلك المعطيات التابعة لرئاسة هيئة المسح البحري وعلوم المحيطات التابعة للقوات البحرية التركية التي تشير إلى أن بحر إيجة يضم نحو 1800 جزيرة، مُشكّلة من جزر، وجزر صغيرة، وتشكيلات صخرية مختلفة المساحات. نحو 100 جزيرة منها مأهولة بالسكان، و24 جزيرة فقط تبلغ مساحتها أكثر من 100 كم2.

يمكن تقسيم الجزر في بحر إيجة بخلاف جزيرة كريت إلى 5 أقسام رئيسية بحسب موقعها وخصائصها الجغرافية أو التاريخية:

- جزر تراقيا،وتسمَّى في تركيا جزر مدخل المضيق.

- جزر سبوراديس الشرقية،وتسمَّى في تركيا جزر ساروهان.

- جزر سبوراديس الشمالية،وتسمَّى في تركياجزر الشيطان.

- جزر سيكلاديس،وتسمَّى في تركياجزر كيكلاد.

- جزر سبوراديس الجنوبية Dodace-Nissas، وتسمَّى في تركياجزر منتشه. ويُطلق عليها في الإعلام جزر الاثني عشر، وغالباً ما يُطلق عليها خطأًالاثنتا عشرة جزيرة ظناً أن عددها 12جزيرة، إلا أنها في الحقيقة عبارة عن14جزيرة، إضافة إلى عشر جزر صغيرة وتجمعات صخرية.

وكانت كل جزيرة تضم مجلساً محلياً مكوناً من12شخصاً يهتمون بالأمور الإدارية الداخلية للجزرعلى رأسها التعليم والأمور الدينية،وقد واصل العثمانيون تطبيق هذا بعد فتحهم الجزر، ومن هنا جاءت تسمية جزر الاثني عشر.ويطلق عليها اليونانيون اسم Dodace-Nissas .

الخلفية التاريخية

تعاقبت دول كثيرة على حكم الجزر الواقعة في بحر إيجة إلى أن سيطرت الدولة العثمانية عليها، ويمكن تقسيم فترة سيطرة الدولة العثمانية على جزر بحر إيجة إلى ثلاث مراحل.

المرحلة الأولىوبدأت في عهد السلطان محمد الفاتح اعتباراً من عام 1456، بالسيطرة على جزر تاشوز/ تاسوس، ليمني/ ليمنوس، سماديرك/ساموثراكي، غوكتشه أدا، بوزجه أدا.

وفي عام 1462 تم فتح جزيرة ميديللي/ ليسبوس، وفي 1470 تم فتح جزر آيريبوز/ وابيه، وجزر الشيطان/ جزر سبوراديس الشمالية، ثم بعدها فتحت جزيرة سيسام/ساموس عام 1479.

المرحلة الثانية كانت من عام 1522 إلى 1566، وتم خلالها فتح جزر رودس وجزر منتشه، كيربه/كيرباثوس، تشوبان/كاثوس، وكل جزر كيكلاد/سيكلاديس، صاقيز/كيوس والجزر المجاورة لها.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة من سيطرة الدولة العثمانية على جزر بحر إيجة فقد بدأت عام 1669 بفتح جزيرة كريت في عهد السلطان العثماني محمد الرابع. وبحلول عام 1718 وعقب معاهدة باساروفجا (بين الدولة العثمانية وكل من النمسا وجمهورية البندقية) كانت الدولة العثمانية قد سيطرت على كامل الجزر الواقعة في بحر إيجة الذي كان يُطلق عليه آنذاك"بحر الجزر"،بالإضافة إلى سيطرتها على أراضي دولة اليونان الحالية، باستثناء جزيرة كيثيرا (تشوها) التي بقيت للبندقية.

وكانت الدولة العثمانية قد سيطرت، في وقت سابق، على جزيرة قبرص بالبحر المتوسط بعد فتحها عام 1571.

اليونان والسيطرة على الجزر

عقب إعلان استقلال اليونان في أبريل/نيسان 1830 وقبول الدولة العثمانية باستقلالها، انتقلت إلى اليونان تبعية جزر سبوراديس الشمالية، وجزر سيكلاديس وبعض الجزر "المذكورة بالاسم"، في حين استمرت السيادة العثمانية على بقية الجزر.

وفي عام 1912 وفي أثناء الحرب العثمانية الإيطالية في طرابلس غرب (ليبيا) احتل الأسطول الإيطالي جزر منتشه. ومع اندلاع حروب البلقان في العام نفسه اضطرت الدولة العثمانية إلى توقيع معاهدة أوتشي (لوزان الأولى)، واتفق الطرفان على انسحاب الجنود العثمانيين من طرابلس وبنغازي مقابل انسحاب الإيطاليين من الجزر التي احتلوها.

إلا أن إيطاليا لم تنسحب من الجزر بذريعة أن انسحابها سيعطي فرصة لليونان لاحتلالها، ورأت الدولة العثمانية أن بقاء إيطاليا في الجزر إلى حين انتهاء حرب البلقان أفضل من احتلال اليونان لها.

وفيأثناء انشغال الدولة العثمانية بحروب البلقان ضد كل من اليونان وبلغاريا وصربيا والجبل الأسود استغلت اليونان الفرصة، وسيطرت على جزيرة ليمني/ ليمنوس في أكتوبر/تشرين الأول 1912، ثم استمرت في احتلال الجزر التابعة للدولة العثمانية في بحر إيجة.وحتى ديسمبر/كانون الأول 1912كانت اليونان قد سيطرت على جزر تراقيا، ميديللي، وإيسبارا، وآهيكاريا، وصاقيز من ضمن جزر ساروهان.

عقب توقيع هدنة تشاتالجا بين الدولة العثمانية ودول البلقان في ديسمبر/كانون الأول 1912 عقد مؤتمر السفراء في لندن لتوقيع معاهدة سلام بين الأطراف. ومع تعثر المفاوضات وتعليق المؤتمر قبلت الدولة العثمانية بوساطة الدول الست الكبرى وهي إنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا-المجر، وروسيا، وإيطاليا. إلا أن اليونان قامت بالرغم من ذلك باحتلال جزيرتي ميس/ كاستيلوريزو، وسيسام/ساموس في مارس/آذار 1913.

ومع قبول الدولة العثمانية وساطة الدول الست الكبرى، وموافقتها على شروطها، وقعت معاهدة لندن بين الدولة العثمانية ودول البلقان في مايو/ أيار 1913، وبموجبها تنازلت الدولة العثمانية عن كامل حقوقها السيادية في جزيرة كريت. كما تُرك تحديد مصير الجزر الأخرى لقرار الدول الستة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1913 وقع اتفاق أثينا بين الدولة العثمانية واليونان، وتعهد الطرفان في الاتفاق بالالتزام بأحكام معاهدة لندن.

وفي فبراير/ شباط 1914أبلغت الدول الست الكبرى كلاً من الدولة العثمانية واليونان بقراراتها بخصوص جزر بحر إيجة.ونصت تلك القرارات على عودة جزر غوكتشه أدا، وبوزجه أدا، وميس للدولة العثمانية، ومنح باقي الجزر الواقعة تحت الاحتلال اليوناني إلى دولة اليونان.

كما نصت القرارات على عدم تسليح تلك الجزر أو إقامة تحصينات عسكرية فيها أو استخدامها لأي أغراض عسكرية، وهو على خلاف ما تقوم به اليونان حالياً.

وقد أعلنت اليونان قبولها قرارات الدول الكبرى، في حين أعلنت الدولة العثمانية قبولها عودة الجزر الثلاث المذكورة، إلا أنها ستواصل المطالبة بحقوقها في الجزر الأخرى.

ورأت الدولة العثمانية الاتجاه إلى مفاوضات ثنائية مباشرة مع اليونان بخصوص الجزر بدلاً من التفاوض عبر دول أخرى. إلا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى أعاق تلك المفاوضات، واستمرت الجزر تحت الاحتلالين اليوناني والإيطالي.

وضع الجزر إبان الحرب العالمية الأولى

في أبريل/نيسان 1915 وقعت دول الاتفاق الثلاثي وهي إنجلترا، وروسيا، وفرنسا اتفاقاً سرياً عرف باتفاق لندن مع إيطاليا، تنضم بموجبه إيطاليا إلى الحرب في صف الاتفاق الثلاثي، مقابل وعود بأراضٍ كثيرة منها المستعمرات الألمانية في إفريقيا، والاعتراف بأحقيتها في جزر منتشه العثمانية، ومنحها منطقة نفوذ في أنطاليا.

وبقبول إيطاليا الاتفاق دخلت الحرب ضد ألمانيا والدولة العثمانية والنمسا-المجر، وأعلنت فسخ اتفاق أوتشي الذي وقعته مع الدولة العثمانية عام 1912 وتعهدت فيه بالانسحاب من الجزر المحتلة.

عقب انتهاء الحرب وهزيمة الدولة العثمانية تم إجبارها على توقيع معاهدة سيفر في 10 أغسطس/آب 1920، وبموجبها أجبرت الدولة العثمانية على التنازل عن كثير من أراضيها، وغالبية حقوقها بالجزر المحتلة من قبل إيطاليا، والاعتراف بسيادة اليونان على الجزر التي احتلتها، بالإضافة إلى التخلي عن الجزر التي تُركت لها قبل ذلك بموجب قرار الدول الست الكبرى.

لم يقر مجلس المبعوثان التركي المعاهدة ولم تدخل حيز التنفيذ، كما بدأت مرحلة حرب الاستقلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ضد القوات المحتلة. ومع انتصار الأتراك وتحسن وضع تركيا أصبح بمقدورها التفاوض على شروط أفضل من سيفر، وهو ما تم بمعاهدة لوزان الثانية في 24 يوليو/تموز 1923.

وضع الجزر بمعاهدة لوزان

خلال مفاوضات لوزان حاولت تركيا استرجاع ما فقدته من الجزر في بحر إيجة وشرقي المتوسط. وفي كلمة خلال المفاوضات أكد رئيس الوفد التركي عصمت باشا إينونو ضرورة منح تركيا جزر غوكتشه أدا، وبوزجه أدا، وسماديرك لأهميتها الشديدة لتركيا من الناحية الاستراتيجية والأمنية لكونها قريبة جداً من سواحل الأناضول، كما طالبت تركيا خلال المفاوضات بإنشاء كيان سياسي محايد ومستقل في بعض الجزر الأخرى، مؤكدة ضرورة حظر أي أنشطة عسكرية على تلك الجزر.

وحددت معاهدة لوزان في موادها 6، 12، 15، 16 وضع بعض الجزر بالتحديد. إذ نصت الفقرة الأخيرة من المادة 6 على أن الحدود البحرية تتضمن الجزر والجزر الصغيرة الواقعة على بعد أقل من ثلاثة أميال من الساحل، ما لم تُذكر بالمعاهدة أحكام بخلاف ذلك.

كما أقرت المادة 12 من المعاهدة بنود معاهدتي لندن وأثينا بشأن سيادة اليونان على جزر شرقي البحر المتوسط، كما نصت على سيادة تركيا على جزر بوزجه أدا، غوكتشه أدا، وجزر الأرانب. وحددت المادة بالاسم الجزر الواقعة تحت السيادة اليونانية وهي: ليمني، سماندريك، ميديللي، صاقيز، سيسام، نكاريا. بشرط عدم إقامة أي تحصينات أو قواعد عسكرية في تلك الجزر.

كما نصت المادة 15 على تنازل تركيا لإيطاليا عن جميع الحقوق السيادية في الجزر المذكورة بالاسم والواقعة تحت الاحتلال الإيطالي وهي: رودوس، هاركه (خالكي)، إستانبوليا (أستيباليا)، كيربه (سكاباثوس)، تشوبان (كاثوس)، إلياكي (تيلوس)، إنجيرلي (نسيروس)، كاليمنوس، إيلريوز (ليروس)، باتنوز (باتموس)، ليبسوس، سومبكي (سيمي)، إستانكوي (كوس) والجزر الصغيرة التابعة لها، إضافة إلى جزيرة ميس/كاستيلوريزو.

في أثناء الحرب العالمية الثانية استخدمت ألمانيا جزر منتشه التي تسيطر عليها حليفتها إيطاليا لشن هجماتها، كما احتلت جزيرة كريت عام 1941. ومع انسحاب إيطاليا من الحرب واستسلام ألمانيا بعد ذلك، سلمت ألمانيا كل الجزر التي سيطرت عليها في بحر إيجة إلى بريطانيا.

وفي فبراير/شباط 1947 وقعت اتفاقية السلام بين إيطاليا والحلفاء، ونصت المادة 14 منها على تسليم إيطاليا جزر منتشه والجزر الصغيرة التابعة لها، وجزيرة ميس المتاخمة للسواحل التركية إلى اليونان. وبذلك أصبحت جزيرة ميس التي تبعد عن السواحل التركية أقل من ثلاثة كيلومترات، في حين تبعد عن أقرب ساحل يوناني نحو 500كم، تحت السيادة اليونانية، وهو الأمر الذي لم تقبله تركيا ولم تعترف به.

وتطالب تركيا حالياً بإجراء مفاوضات لتحديد مصير كثير من الجزر، والجزر الصغيرة التي لم تنقل تبعيتها إلى أي دولة بموجب الاتفاقيات السابقة، في حين تزعم اليونان أحقيتها في كل جزر بحر إيجة، باستثناء الجزر التي أعيدت إلى تركيا بموجب معاهدة لوزان فقط.

خريطة المسح الزلزالي لسفينة أوروتش رئيس بالمتوسط (TRT Arabi)
الاتفاقية بين تركيا وليبيا لترسيم الحدود البحرية (TRT Arabi)
TRT عربي