كيف تستغل فرنسا عمالاً غير نظاميين بمواقع الألعاب الأولمبية؟ / صورة: AP (Francois Mori/AP)
تابعنا

في سبتمبر/أيلول 2017 وخلال المؤتمر 131 للجنة الأولمبية الدولية وقع الاختيار على العاصمة الفرنسية باريس لاحتضان الألعاب الصيفية عام 2024 بعد انسحاب منافستها لوس أنجلوس الأمريكية. وبعدها بثلاث سنوات أطلقت الحكومة الفرنسية ورش التحضيرات لاحتضان الحدث الرياضي الدولي الأكبر، بـميزانية بلغت 4.38 مليار يورو.

ومن بين أعمال البناء الجارية للمرافق الرياضية والفندقية التي ستضمها القرية الأولمبية بضاحية ساندوني الباريسية تحدث مأساة إنسانية عنوانها عمالة المهاجرين غير النظاميين، أو الـ"بلا أوراق" كما يصفهم اللفظ الفرنسي، الذين يُجبرون على الاشتغال في ظروف قاسية، دون حماية لازمة وبمقابلات مالية زهيدة. في أحد أشكال "العبودية الحديثة" كما تعرفها الأمم المتحدة، إذ لا يملك هؤلاء العاملون حق الشكوى بسبب وضع إقامتهم غير القانوني.

بالمقابل يكشف هذا الملف نفاق النخبة الفرنسية، بصمتها عن هذه الانتهاكات الإنسانية التي يشهدها التحضير للدورة الأولمبية، وكذلك بشنها حملة تحريضية شنيعة ضد مونديال قطر بدعوى انتهاك حقوق العمال، إذ كانت باريس إحدى المدن الأوروبية التي أعلنت مقاطعة المونديال لذات السبب، وهو ما اعتبره البلد العربي "دعاية مسيّسة وتستند إلى معلومات خاطئة ومضللة".

استغلال بمواقع الألعاب الأولمبية

يعود أول انكشاف لقضية استغلال العمال المهاجرين غير النظاميين إلى مايو/أيار الماضي حين قررت مجموعة من 12 مهاجراً غير نظامي من مالي التوجه بشكواهم إلى نقابة "الكونفدرالية العامة للشغل" الفرنسية، طالبين منها الوقوف إلى جانبهم والدفاع عنهم ضد مستغليهم.

من بينهم شاب ثلاثيني يدعى موسى، قرر بعد شهور من العمل في ظروف سيئة بأحد ورش البناء الخاصة بالأولمبياد التوجه إلى هيئة تفتيش الشغل، وإخبارهم بأنه يعمل دون عقد. فيما أتى هذا القرار بعد وقت طويل من التخبط، والمخاوف المريرة بأن يجري ترحيله إلى مالي إن هو كشف عن نفسه للسلطات.

وفي حديث له لصحيفة "ليبيراسيون" يحكي موسى عن معاناته قائلاً: "ليس لدينا حقوق، ليس لدينا ملابس عمل، ولا أحذية أمان متوفرة، ولا نتقاضى بدلاً مقابل بطاقة النقل، وليس لدينا فحص طبي ولا حتى عقد. إذا مرضت أو أصبت، فسيعوضك المدير بعامل آخر في اليوم التالي".

وتكشف الصحيفة الفرنسية في تحقيق نشرته مؤخراً عن القضية أن استقطاب هؤلاء العمال يحدث غالباً سراً عبر عمال مثلهم، إذ يستغل أرباب العمل حاجتهم للعمل وضعهم الذي يجردهم من كل الحقوق، ما يجعل منهم يداً عاملة رخيصة ويعفي المشغلين من دفع كل الالتزامات القانونية إزاءهم. هذا وفق شهادة هؤلاء العمال، لا يتعدى راتب الواحد منهم 80 يورو في اليوم.

ويورد موسى في حديثه كاشفاً أحد وسائل التلاعب التي يستخدمها أرباب العمل، قائلاً: "بعد أن طفح الكيل، هددنا بالإضراب. طبعاً هذا لم يرق للمدير المباشر لنا، لكنه كان مرغماً على الاستجابة. في النهاية وقعنا عقود عمل دائمة معهم، لكننا اكتشفنا لاحقاً أنها بلا قيمة، هي مجرد أوراق تقدمها الشركة للضمان الاجتماعي".

ويضيف تحقيق "ليبيراسيون" في كشف تلك التلاعبات، نقلاً عن الأمين العام المحلي لـ"الكونفدرالية العامة للشغل" في بوبيني، جان ألبرت غيدو، قوله إن "الشخص الذي يدفع ليس بالضرورة هو الشخص الموجود على الموقع.. لدرجة أنه من المستحيل التأكد من هوية المسؤول الذي يوظفهم حقاً".

نفاق وعبودية حديثة

تُعرّف العبودية الحديثة بأنها استغلال غير قانوني للأشخاص من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو تجارية، وتغطي مجموعة واسعة من الانتهاكات والاستغلال بما في ذلك السخرة والعمل القسري. وهما أمران يبرزان جلياً في حالة العمال غير النظاميين بمواقع الألعاب الأولمبية، وكذلك مئات العاملين الآخرين بمثل ظروفهم.

وبالإضافة إلى هذا تجمع تقديرات وزارة الداخلية الفرنسية على وجود ما بين 700 و600 ألف مهاجر غير نظامي في البلاد، معظمهم من البلدان المغاربية وإفريقيا جنوب الصحراء. هؤلاء الذين يجري استغلال قطاع واسع منهم في هذا النوع من العمل غير القانوني وتحت ظروف قاسية وبأجور زهيدة.

فيما يبرز هنا نفاق النخبة الفرنسية، وعلى رأسها مجلس مدينة باريس، الذين سارعوا إلى شن حملة عدائية تحريضية ضد قطر بدعوى انتهاكها حقوق العمال في أثناء التحضير للمونديال. بل وعمدت العاصمة إلى مقاطعة بث الحدث الرياضي ضمن مدن أخرى أوروبية.

هذا وتعتبر قطر أن هذه الدعاية مسيّسة وتستند إلى "معلومات خاطئة ومضللة".

TRT عربي