China Sinking Yuan / صورة: AP (Uncredited/AP)
تابعنا

نجحت الصين على مدى العقد الماضي في جعل ''مبادرة الحزام والطريق" التي أطلقها رئيس البلاد شي جين بينغ في عام 2013 ''مشروعاً عالمياً" إذ انضم إليه أكثر من 150 دولة، لكن في السنوات الأخيرة، أصبح ''مشروع القرن'' كما تسميه بكين في مرمى التهديدات والمخاطر بفعل تراكم الديون المحلية والخارجية والركود الاقتصادي داخلياً وعالمياً.

وفي عام 2013، أطلق شي جين بينغ خلال زيارة أداها إلى كازاخستان، مبادرة "البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين".

وتعرف المبادرة اختصاراً باسم "حزام واحد، طريق واحد" و"مبادرة الحزام والطريق''. وبعد سنة من الإعلان، أُدرجت بصفة رسمية ضمن خطة أعمال الحكومة، وتسعى الصين من خلال هذا المشروع، إلى إحياء طريقي الحرير البحري (الحزام) والبري (الطريق) اللذين كانا يربطان الصين تجارياً بالعالم قبل أكثر من ألفي سنة.

وتقول الصين إن عملية التشارك في بناء "الحزام والطريق" تهدف إلى تحقيق الترابط والتواصل بين قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا والبحار المحيطة بها، وإنشاء وتعزيز علاقات الشراكة للترابط والتواصل بين الدول الواقعة على طول الخط. ويتم ذلك عبر حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يصل الصين بإفريقيا وأوروبا.

وبحلول 2019، استطاعت الشركات الصينية إنجاز أكثر من 3120 مشروعاً على طول "الحزام والطريق". وتتعلق المشاريع بالبنية التحتية من موانئ وسكك حديدية وطرقات سريعة، وبتنمية موارد الطاقة وبناء المناطق الصناعية وغيرها. وأصبحت 'كل الطرق، منذ إطلاق المبادرة ''تؤدي إلى بكين'' وفق توصيف مجلة الإيكونوميست.

وفي كلمة ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي الأوراسي الثاني للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أشار إلى أن الهدف النهائي لهذه المبادرة هو استكشاف طرق جديدة تتيح للبلدان من جميع أنحاء العالم تحقيق التنمية المشتركة، وفتح "طريق السعادة" الذي يفيد العالم أجمع.

لكن في سنة 2023، عام الاحتفال بالذكرى العاشرة لإطلاق المبادرة، بدا ظاهراً أن الزخم وراء المشروع يتباطأ بفضل تداعيات القدرة على تحمُّل الديون، وتداعيات جائحة فيروس "كورونا"، والتباطؤ الاقتصادي في الصين، وفق ما ما ذهبت إليه Xue Gong، الباحثة الصينية غير المقيمة بمؤسسة كارنيغي.

وقالت الباحثة، ''بعد ثلاث سنوات من سياسة صفر كوفيد وتسجيل نسبة نمو بـ2.7٪ في الناتج المحلي سنة 2022 وهي الأدنى منذ 1978، فإن أولويات الصين هو تكثيف نمو اقتصادي محلي عالي الجودة، واستعادة ثقة المستثمرين، وتحقيق الاستقرار في سوق العقارات المتعثر، وإحياء قطاع التكنولوجيا الفائقة، وحل أزمة الديون المحتملة للحكومات المحلية. ونتيجة لذلك، فإن جيوب الصين العميقة للإنفاق الخارجي قد تكون مقيدة بالتحول إلى الانتعاش الاقتصادي المحلي".

وذكر تقرير صادر عن معهد التنمية الخارجية (ODI) ومقره المملكة المتحدة، أن أكثر من 15 مشروعاً، بقيمة مجتمعة 2.4 مليار دولار أمريكي، واجهت مشاكل مالية في عام 2022. ومطلع العام الجاري، أنهت أوغندا التعاقد مع شركة صينية (China Harbour Engineering) لبناء خط سكة حديد جديد يربط بين العاصمة كمبالا وحدود أوغندا مع كينيا في صفقة بقيمة 2.2 مليار دولار أمريكي، وذلك بعد أن قررت بكين عدم تمويل الخط البالغ طوله 273 كيلومتراً وسط مخاوف بشأن جدوى المشروع المالية.

فوضى الديون المحلية

سلّطت وكالة ''بلومبيرغ'' في تقرير نشرته 22 أيار/مايو، الضوء على ما وصفتها بـ ''حالة من الفوضى'' تتعلق بالديون المحلية في الصين، إذ بلغت الديون 23 تريليون دولار بناءً على تقديرات مجموعة "غولدمان ساكس" ما قد يجعلها تتحول إلى عبء اقتصادي طويل المدى.

وعلى الرغم من أنّ فرضية التخلف عن سداد الديون منخفض نسبياً، فإن هذا الارتفاع الكبير للديون المحلية، سيجبر سلطات المدن وحكومات المقاطعات على تخفيض حجم الإنفاق.

بدورها قالت وكالة "رويترز"، في تحليل إن جهود الصين لإنعاش الاقتصاد هذا العام من خلال زيادة الإنفاق على البنية التحتية مع تجنُّب المخاطر المالية، تواجه رياحاً معاكسة جراء ديون الحكومة المحلية الهائلة.

''آليات التمويل الحكومية المحلية'' التي تسمى اختصاراً (LGFVs) وهي مؤسسات تلعب دوراً رئيساً في تمويل مشاريع البنية التحتية، وهي واحدة من أكبر محركات النمو في الصين، تمتلك ما قيمته 790 مليار دولار من السندات الداخلية المستحقة هذا العام، وهو أعلى مستوى منذ عام 2021.

وأشارت "رويترز" إلى أن الانخفاض الحاد في الدخل من مبيعات الأراضي وقلة الخيارات لجمع تمويلات جديدة أدى إلى إثارة المخاوف بشأن قدرة LGFVs على الوفاء بالتزامات الديون وتأثيرها في القطاع المصرفي والأسواق الأوسع.

ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، صدر في شهر شباط/فبراير الماضي، فإن إجمالي ديون "LGFVs" الصينية تضخم إلى مستوى قياسي بلغ 66 تريليون يوان (9.5 تريليون دولار)، أي ما يعادل نصف اقتصاد البلاد، من 57 تريليون يوان العام الماضي. بينما تحدثت "رويترز" عن مخاوف بشأن تدهور ملفهم الائتماني في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة رفع الاقتصاد من قبضة أزمة الديون العقارية في العامين الماضيين.

وتقول وانغ تاو، كبيرة الاقتصاديين الصينيين في بنك UBS الاستثماري لـ"رويترز" إن "LGFVs" تتعرض إلى ضغوط كبيرة على سداد الديون هذا العام، لأن دخلها يرتبط غالباً بالعقارات ومبيعات الأراضي، بينما يرى أندرو كوليير العضو المنتدب بمؤسسة "أورينت كابيتال ريسيرش" (Orient Capital Research) أن LGFVs هو ''الثقب الأسود للنظام المالي الصيني، ولا يمكنها سداد ديونها نظراً إلى ربحها الضئيل أو المعدوم".

إنفاق قروض ضخمة على الإنقاذ المالي للدول النامية

تشير دراسة مشتركة أجراها باحثون بكلية 'كينيدي'' ومعهد "كيل" للاقتصاد العالمي، ومختبر الأبحاث ''إيد داتا'' ومقره الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن الصين قد منحت على مدى العقد الماضي مبالغ ضخمة للحكومات في جميع أنحاء آسيا وإفريقيا وأوروبا، وأن بكين أصبحت أيضاً مقرضاً رئيساً للإنقاذ في حالات الطوارئ لتلك البلدان، إذ أنفقت بين 2008 و2021 قرابة 240 مليار دولار لإنقاذ 22 دولة "بشكل شبه حصري" في مشروع البنية التحتية لـ"الحزام والطريق".

وفق بيانات الدراسة، فإن مبلغ 170 مليار دولار (من إجمالي 240 مليار دولار قروض الإنقاذ)، قد جاء من شبكة خطوط المبادلة لبنك الشعب الصيني، كما أُقرضت 70 مليار دولار الأخرى من البنوك والشركات الصينية المملوكة للدولة، بما في ذلك شركات النفط والغاز.

لكنَّ منجزي الدراسة اعتبروا أن عمليات الإنقاذ الصينية مكلفة الثمن، إذ إن بنك الشعب الصيني يطلب سعر فائدة بنسبة 5٪، مقارنة بـ 2٪ لقروض الإنقاذ من صندوق النقد الدولي ''ما يعني أن بكين تحاول في نهاية المطاف إنقاذ بنوكها عبر الإقراض، وهو ما يفسر أسباب دخولها في الأعمال المحفوفة بالمخاطر مثل قروض الإنقاذ المالي الدولي''، على حدّ قول رئيسة الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي، كارمن راينهارت والمشاركة في إنجاز الدراسة.

وفي المقابل، تنفي الصين صحة ما ذهبت إليه كارمن راينهارت رغم إقرارها بارتفاع حجم الديون، إذ قال متحدث باسم سفارة الصين في سنغافورة لشبكة CNBC: "صحيح أن مخاطر الديون التي تواجه البلدان النامية قد ارتفعت مؤخراً بشكل كبير، ولكن هناك عوامل خارجية مختلفة. نحن لا نجبر الآخرين على الاقتراض منا''. وأضاف: "نحن لا نربط أبداً أي قيود سياسية باتفاقيات القروض، أو نسعى إلى أي مصالح سياسية أنانية.. لقد بذلنا دائماً قصارى جهدنا لمساعدة البلدان النامية على تخفيف عبء ديونها".

وفي تقرير، تقول صحيفة ''فاينانشال تايمز''، إن القيمة الإجمالية للقروض من المؤسسات المالية الصينية لمشاريع في بلدان مبادرة "الحزام والطريق" التي تحتاج إعادة التفاوض حولها قد بلغت في عامي 2020 و2021 نحو 52 مليار دولار، ما يجعل المشروع الصيني يواجه أزمة ديون خارجية. وأشارت إلى أن عمليات إعادة التفاوض التي تضمنت في الأغلب شطب ديون، جداول سداد مؤجلة، وتخفيضات في أسعار الفائدة كانت ضرورية بسبب تدهور الأوضاع المالية في البلدان المدينة إضافة إلى مشاكل خاصة بالمشروع.

وتشير فاينانشل تايمز، في تقرير آخر، إلى أنّ القروض ''المعدومة'' التي تزيد قيمتها على 78 مليار دولار قد أضرّت ببرنامج تمويل البنية التحتية لمبادرة "الحزام والطريق"، وأن المؤسسات الصينية أعادت التفاوض أو ألغت قروضاً بقيمة 78.5 مليار دولار لمشاريع البنية التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات على مستوى العالم بين سنتي 2020 ومارس/آذار 2021، ووفق التقرير فإن البلدان المقترضة من مبادرة "الحزام والطريق" تتجه إلى الإفلاس بسبب تباطؤ النمو العالمي، وارتفاع أسعار الفائدة، ومستويات الديون المرتفعة.

أرقام مبادرة الحزام والطريق عام 2022

في مقابل الصعوبات المالية وارتفاع حجم الديون، تؤكّد الصين تواصل تحقيق إنجازات مهمة ضمن مبادرة الحزام والطريق عالية الجودة وبنسق سريع ومطّرد.

في العام الماضي وقعت 5 دول أخرى وثائق تعاون مع الصين في إطار مشروع "الحزام والطريق". وتشير البيانات الرسمية الخاصة بالفترة من كانون الثاني/يناير إلى تشرين الثاني/نوفمبر عام 2022، إلى إطلاق ما مجموعه 15162 رحلة من قطارات الشحن بين الصين وأوروبا وإرسال 1.475 مليون حاوية معيارية، بزيادة مقدارها 1610 و9611 على التوالي على أساس سنوي.

وبحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خُطّط ما مجموعه 82 مسار نقل على امتداد السكك الحديدية بين الصين وأوروبا لربط الصين مع 204 مدن في 24 دولة أوروبية.

كما بلغ حجم الاستيراد والتصدير بين الصين والدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" خلال الفترة نفسها 12.54 تريليون يوان بزيادة مقدارها 1620.4 على أساس سنوي. وكان معدل نموّه أعلى من معدل النمو الإجمالي للتجارة الخارجية للصين بنسبة 11.8 نقطة مئوية، ما دفع النمو الإجمالي للواردات والصادرات في البلاد بمقدار 6 نقاط مئوية.

أما حجم الاستثمار المباشر غير المالي في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق فقط 19.16 مليار دولار أمريكي بزيادة مقدارها 6.5% على أساس سنوي محتلاً 18.7% من إجمالي حجم الاستثمار في الفترة نفسها. كما بلغ حجم الأعمال المنجزة لمشاريع المقاولات التي تقوم الصين ببنائها في دول المباراة 71.95 مليار دولار أمريكي، وبلغت قيمة العقود الجديدة 98.19 مليار دولار أمريكي بنحو 54% و50.2% من الحجم الإجمالي على التوالي.

TRT عربي