تابعنا
في الوقت الذي تخلت فيه الصين عن البرازيل بعد محاولة شراء معدات طبية منها، إثر إعلان الحكومة البرازيلية في 16 يونيو/حزيران فشل الصفقة بسبب مشاكل في سعر وتسليم المعدات، أرسلت تركيا 2072 من أجهزة التنفس المحلية في 18 يونيو/حزيران 2020.

عاشت البرازيل التي يتجاوز عدد سكانها 210 ملايين نسمة أياماً صعبة في مواجهة كورونا، وسرعان ما باتت ثاني أكبر بؤرة لتفشي الوباء في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وشيئاً فشيئاً بدأت المستشفيات البرازيلية تعلن افتقادها المعدات الطبية الرئيسية، لتصبح البرازيل أمام عجز 60٪ من أجهزة التنفس في الوحدات الصحية للمدن البرازيلية.

وفي الوقت الذي تخلت فيه الصين عن البرازيل بعد محاولة شراء معدات طبية منها، إثر إعلان الحكومة البرازيلية في 16 يونيو/حزيران فشل الصفقة معها بسبب مشاكل في السعر وتسليم المعدات، مدت تركيا يد المساعدة للبرازيل لترسل 2072 من أجهزة التنفس المحلية في 18 يونيو/حزيران 2020، وقد تم توزيعها على مستشفيات ساو باولو ومناطق أخرى من البرازيل.

تجسد تركيا بذلك الإنجازات الوطنية التي تحققها على صعيد التكنولوجيا الطبية والقيم الإنسانية التي تتبناها. غرد آنذاك وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى ورانك في يوليو/تموز 2020، عقب وصول أجهزة التنفس المرسلة إلى البرازيل، قائلاً: "رؤية كلمة صُنع في تركيا على بعد 11 ألف كم من هنا أليست مدعاة للفخر بالنسبة إلينا؟"، مشيداً بالإنسانية التي تصدرها تركيا لكل العالم عقب جائحة كورونا.

ومن جهته نشر حاكم ولاية ساو باولو، العاصمة الاقتصادية للبرازيل وكبرى ولايات البرازيل سكاناً وتأثراً بالوباء، جواو دوريا، عبر حسابه على تويتر، صوراً لأجهزة التنفس الصناعية التركية في المستشفيات الحكومية، مشيداً بهذه الأجهزة. وأيضاً عبّر حاكم ولاية بياوي في البرازيل ويلينجتون دياس عن فرحته بوصول الأجهزة قائلاً: "نحن نحتفل الآن عقب وصول أجهزة التنفس الصناعية القادمة من تركيا. هذه الأجهزة ستعزز غرف العناية المركزة".

وفي حوار خاص أجرته TRT عربي مع وزير الصحة السابق والنائب الفيدرالي حالياً في الكونغرس البرازيلي، ألكسندر باديليا، عقب على مساعدة تركيا للبرازيل بالقول: "الشعب البرازيلي، وخاصة شعب ولاية بياوي، ممتن إلى الأبد للشراكة مع تركيا التي جعلت من الممكن فتح أسرّة العناية المركزة في ولاية بياوي باستخدام معدات التنفس التي أرسلتها تركيا".

هذه المساعدة التي قدمتها تركيا للبرازيل ليست مفاجئة بل هي امتداد لعلاقات تاريخية بين البلدين إلى أكثر من 162عاماً، وقد تجلت هذه العلاقات الثنائية بوضوح وعلى أعلى مستوى من خلال زيارة الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا لتركيا في مايو/أيار 2009، ليبادله الزيارة بعدها رئيس تركيا الحالي ورئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان في 2010.

وعلى إثر هذه العلاقات قرر البلدان بالفعل الانخراط في عدد من المجالات، بما في ذلك التعاون التجاري والاستثماري، ومجال الطاقة، ومجال الدفاع، والبيئة والتنمية المستدامة، والعلوم والابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، والتبادل الثقافي والتعليم، والرحلات الجوية المباشرة المتبادلة وافتتاح القنصليات بين البلدين.

يقول وزير الخارجية والدفاع البرازيلي الأسبق سلسيو أموريم الذي كان شاهداً على أوج هذه الحقبة من العلاقات الثنائية بين تركيا والبرازيل، في حواره مع TRT عربي: "شهدت العلاقات التركية البرازيلية تطوراً كبيراً في الأعوام العشرين الماضية، ويمكنني القول بشكل خاص خلال الأعوام الخمسين الماضية. كان ذلك واضحاً في الزيارات المتبادلة، قمنا بالعديد من الزيارات ووقعنا العديد من الاتفاقيات المهمة، ثم قمنا بعمل روابط جوية بين البلدين كان لها له أثر واضح في علاقاتنا".

أما وزير الصحة السابق ألكسندر باديليا فقال: "البرازيل تراهن وتعمل بجد من أجل عالم متعدد الأقطاب. لذلك عندما زار رئيسا الجمهورية لولا وديلما روسيفتركيا، أقاما شراكات مهمة للغاية مع الشعب التركي، ولديهما إجراءات تكميلية مهمة للغاية بين البرازيل وتركيا، لا سيما في الصناعات الزراعية والغذائية، والآن نتلقى بفرح كبير دخول تركيا بقوة أكبر في مجال المعدات الصحية".

في عام 2010 قادت تركيا والبرازيل وساطة مشتركة لحل الخلاف الإيراني مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي، ووقعت الدول الثلاث اتفاقاً عُرف بـ"إعلان طهران". هذا الاتفاق أحدث اختراقاً في المواقف الدولية، حتى وصفه الرئيس البرازيلي آنذاك لولا دا سيلفا بالقول: "لا أعرف إن كانت بعض الدول في ذلك الوقت "منزعجة" من حقيقة أن دولاً مثل البرازيل وتركيا، العضوتين غير الدائمتين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قد حققت شيئاً ما هم أنفسهم لم يفعلوه".

كانت اتفاقية طهران عام 2010 نتيجة ذروة العلاقات الثنائية بين تركيا والبرازيل، ومبادرة دبلوماسية للبلدين في السياسة العالمية. وفي هذا الصدد يقول سيلسو أموريم: "اكتشفنا في عام 2010 بطبيعة الحال أن لدى البلدين البرازيل وتركيا نقاطاً مشتركة وجهوداً مماثلة، وعلى إثر ذلك قمنا بالعديد من المفاوضات التي تكللت بعدها بإعلان اتفاقية طهران عام 2010".

أما على صعيد التعاون العسكري فقد زار وزير الدفاع التركي السابق عصمت يلدز البرازيل في عام 2012، والتقى نظيره البرازيلي آنذاك سيلسو أموريم، وأجريا محادثات حول إنتاج معدات عسكرية بين البلدين، وتم خلال الزيارة التوقيع على خطاب النيات بين البلدين لتبادل الخبرات في المجال العسكري، كما عززت البرازيل وتركيا التعاون الثنائي في مجال الدفاع من خلال إنشاء خمس مجموعات في مجال البحرية والملاحة الجوية والفضاء والقيادة والسيطرة والدفاع الإلكتروني. وعقب الوزير التركي وقتها على هذا الاتفاق "بأنه من المهم للغاية تعزيز هذا التعاون".

انطلاقاً من هذه العلاقات التاريخية والتعاون الاستراتيجي بين البلدين تقيم البرازيل سنوياً "اليوم التركي"، تأكيداً لاستمرارية العلاقات بين البلدين التي وصفتها وزارة الخارجية التركية بأن "البرازيل هي الشريك الاستراتيجي الأول لتركيا وأكبر شريك تجاري في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي". لذلك لم يكن غريباً أن تكون تركيا من أولى الدول التي مدت يدها إلى البرازيل لتجاوز أزمة كورونا، وهو ما ختم به وزير الخارجية والدفاع البرازيلي الأسبق سلسيو أموريم حواره مع TRT عربي قائلاً: "كان من الطبيعي أن تمد تركيا يدها إلى البرازيل، فهذا امتداد لعلاقات تاريخية بين البلدين".

وزير الصحة السابق والنائب الفيدرالي حاليا في الكونغرس البرازيلي في 2019( المصدر: لولا ماركيوس، الكونغرس البرازيلي )
وزير الخارجية البرازيلي الأسبق سيلسو أموريم
TRT عربي