تابعنا
لم تتوقف الغارات الإسرائيلية على سكان قطاع غزة منذ بداية التصعيد حتى الآن، وعلى ما يبدو، ومن خلال المؤشرات، فإنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تنوي إيقاف العمليات العسكرية، بل تزداد عمليات الاستهداف والقتل يوماً بعد يوم.

أطلقت حركة "حماس" في غزة وفصائل فلسطينية أخرى عملية عسكرية "طوفان الأقصى"، فجر يوم السبت الموافق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رداً على الاعتداءات المستمرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، لا سيّما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة.

فيما أطلقت إسرائيل عملية "السيوف الحديدية"، التي استهدفت مواقع كثيرة في قطاع غزة المحاصر من قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2006، التي يبلغ عدد سكانه ما يقارب 2.3 مليون نسمة، حيث تستهدف هذه الغارات المناطق المأهولة بالسكان.

ومنذ بداية التصعيد وعدد الضحايا المدنيين في القطاع يزداد كل يوم، وقالت وزارة الصحة في غزة، الأربعاء، إنّ العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 12 يوماً أدى إلى سقوط أكثر من 3300 شهيد وأكثر من 11 ألف جريح، معظمهم من الأطفال والنساء.

ومساء الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن متحدث وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، أنّ "ما يزيد على 500 شهيد" سقطوا في قصف إسرائيلي استهدف المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في القطاع، الذي كان في ساحاته ومحيطه آلاف الفلسطينيين النازحين، في جريمة أُدينت عربياً ودولياً.

تهديد السكان بالتهجير

لم تتوقف الغارات الإسرائيلية على سكان قطاع غزة منذ بداية التصعيد حتى الآن، وعلى ما يبدو، ومن خلال المؤشرات، فإنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تنوي إيقاف العمليات العسكرية، بل تزداد عمليات الاستهداف والقتل يوماً بعد يوم.

وهو ما يؤكده الناشط الحقوقي في الاتحاد الأوروبي باسم حتاحت، لـTRT عربي، قائلاً: "حسب التقارير الواردة من جهات بحثية متعددة، فإنّ الخطة الإسرائيلية تقوم على عملية إنهاك متكامل لقطاع غزة من جميع الاتجاهات، وذلك لتسهيل عملية التفاوض على الأسرى، وأيضاً لوضع رؤية جديدة لمستقبل قطاع غزة".

ولم تكتفِ حكومة إسرائيل باستهداف البيوت والأحياء السكنية داخل غزة، وذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ وجهت إنذاراً إلى سكان شمال القطاع، البالغ عددهم نحو 1.1 مليون فلسطيني بإخلاء منازلهم والنزوح جنوباً خلال 24 ساعة.

الأمر الذي لاقى استنكار الكثير من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، إذ حذّر ملك الأردن عبد الله الثاني، من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ هذه الأعمال من شأنها أن تسبّب موجات لجوء.

فيما قالت الحكومة المصرية في بيان لها، إنّ هذه الخطوة تعد "مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وستعرّض حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني لمخاطر البقاء في العراء من دون مأوى في مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة".

كما استنكرت دول مثل تركيا والسعودية وإيران والكويت، هذا الإنذار وعدّته جريمة حرب تخالف المواثيق والقوانين الدولية. ورأت الجامعة العربية في بيانها الصادر بهذا الشأن، أنّ مطلب إسرائيل هذا "يُعدّ جريمة حرب جديدة"، مؤكداً أنّ اتفاقية جنيف الرابعة تحظر على الاحتلال النقل القسري للسكان.

الإصرار على استمرار القصف

وفي وقت سابق، تحديداً يوم الاثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، تصريحاً أثار الجدل حول سكان غزة، بقوله: "نفرض حصاراً كاملاً على مدينة غزة؛ لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك".

ولاقى هذا التصريح استياء الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية، وعلى رأسها منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي وصفت تصريحات غالانت بأنّها "مقززة، ودعوة صريحة لارتكاب جرائم حرب ضدّ الإنسانية".

وبهذا الخصوص، يقول الباحث في القانون الدولي ياسر فرحان، إنّ "وزير الدفاع الإسرائيلي بتصريحه هذا يقدم دليلاً جديداً يؤكد فيه أنّ الانتهاكات المرتكَبة ممنهجة، بأوامر من حكومة إسرائيل، المعترف بها في الأمم المتحدة كدولة، الأمر الذي يُعد وفق القانون الدولي مسؤولية جماعية، يدخل النظر فيها ضمن اختصاص محكمتَي العدل الدولية والجنايات الدولية".

ويضيف فرحان لـTRTعربي، أنّ "إسرائيل مستمرة بسياساتها كنظام فصل عنصري، تقتل وتحاصر المدنيين بأعمال عدائية وانتقامية، وهذا عقاب جماعي يستهدف جماعة بشرية بعينها؛ وعليه تنطبق أحكام التجريم الواردة في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وفي نظام روما الأساسي، واتفاقيات جنيف الأربعة".

ويلفت إلى أنّه "يجب على سلطة الاحتلال توفير الحماية لسكان الأراضي الخاضعة لاحتلالها، كما يجب عليها إعمال مبادئ القانون والالتزام باتفاقيات السلام وبالقرارات الدولية، وللفلسطينيين الحق في العودة وتقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة في القدس وغزة وباقي أراضيها".

ما تأثير الضغط الدولي لإنهاء القصف والحصار؟

ويؤكد فرحان أنّ لإسرائيل لوبياً إعلامياً عالمياً كبيراً، استطاع أن يصوِّر الأمور وفق السردية الإسرائيلية حول الأحداث، مضيفاً أنّه يجب أن تكون لهذه النشاطات الإعلامية المضلّلة للحقائق، أنشطة موازية لها، كالخروج في مظاهرات ومسيرات سلمية في عواصم العالم، لكي تتضح الحقائق لدى الشعوب والمجتمعات من جهة، وتشكل ضغوطاً دولية لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية على سكان مدينة غزة المحاصرين.

من جانبه يقول الناشط الغزاوي طلال نصار إنّ "المظاهرات المساندة للفلسطينيين، ترفع المعنويات وتخفف عن الفلسطينيين في الداخل"، داعياً المتضامنين مع القضية إلى أن يستمروا في تنظيم مثل هذه الأنشطة التي تلعب دوراً كبيراً في تخفيف الضغط الداخلي على السكان المحاصَرين، والضغط على الأنظمة الدولية في الوقت ذاته.

ويلفت نصار في حديثه مع TRT عربي، إلى أهمية القيام بأي نشاطات أخرى من شأنها أن تصبّ في مسار مساعي فك الحصار، وتسهم في توفير الدعم والمساعدات اللازمة للمواطنين في غزة.

ويؤكد أنّ "الوضع الإنساني الحالي في غزة، وضع كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى"، مضيفاً أنّ "القصف مستمر من دون توقف، ويستهدف مناطق القطاع كافة، بما فيها المناطق السكنية والمباني المحظورة والمحرّم المساس بها دولياً، كالمستشفيات ودور العبادة، كما حصل في المستشفى الأهلي العربي المعمداني، ومستشفى كمال عدوان، إضافةً إلى قصف البنى التحتية دون استثناء".

ويشير نصار إلى أنّ أبرز ما يعانيه سكان القطاع في الوقت الحاضر إلى جانب ما ذُكر، "هو انقطاع المياه والكهرباء والوقود وبعض الخدمات الأساسية"، داعياً المجتمع الدولي إلى القيام بواجباته، خصوصاً في هذه اللحظة.

ويلفت الناشط الغزاوي إلى أنّه "في حال لم تلاقِ أصوات الغزاويين آذاناً صاغية، فلن يبقى على غزة كائن حي".

أما عن الجانب الرسمي، فيقول الناشط الحقوقي في الاتحاد الأوروبي باسم حتاحت، إنّه يتوجب على السلطة الفلسطينية أن تقوم في هذا الوقت بإجراءات عدّة، من أهمها تقديم طلب رسمي لمحكمة الجنايات الدولية، بعد تجميع الأدلة الجنائية التي تُثبت تورط الجيش الإسرائيلي في ارتكابه جرائم حرب، وأن يكون هناك حشد لدول عدّة تدعم فتح باب التحقيق الجنائي الدولي حول الطلب، بالإضافة إلى التحشيد الدولي من أجل القيام بحملات توقيع من الدول والمنظمات وذوي الاختصاص، للضغط على محكمة الجنايات من أجل النظر في الطلب المقدَّم بعين الاعتبار".

ويضيف أنّ الاتحاد الأوروبي سعى منذ اليوم الأول للعدوان لإصدار بيانات متعدّدة عبر قياداته لوقف الحرب، وبشكل مباشر، وحاول الضغط على الطرفين، إذ تواصل دبلوماسياً مع القيادة في إسرائيل، ومع قيادة حماس عن طريق الدول التي تربطها علاقات بالحركة.

إلّا أنه تبنى المغالطات حول ارتكاب حماس "جرائم" ضدّ المدنيين والأسرى بعد ما نشرته وسائل الإعلام العالمية، الأمر الذي شجع بعض الأنظمة الأوروبية على إجراء زيارات إلى إسرائيل، وبالأخص الدول التي يوجد بعض مواطنيها فيها، حسب حتاحت.

TRT عربي