المركبة الأمريكية من طراز سترايكر التي سترسلها واشنطن  إلى أوكرانيا / صورة: AP (AP)
تابعنا

ما إن بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا حتى أرسلت الولايات المتحدة بشكل متلاحق حُزَم دعم عسكري إلى كييف، بما يتناسب مع استراتيجيتها المعلنة بتجنُّب الدخول في صراع مباشر، والتزام زيادة خسائر روسيا ودفعها إلى التراجع عن الهجوم.

مرحلة منع سقوط كييف والإطاحة بزيلينسكي

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بداية الحرب، أن هدف بلاده هو نزع سلاح أوكرانيا، واجتثاث ما وصفه بـ“النازية” منها، فيما أكّد مسؤولون في البنتاغون أن لدى موسكو خططاً لدخول كييف وإسقاط الحكومة الأوكرانية وتعيين حكومة أخرى موالية لها. وقد وصلت بالفعل القوات الروسية إلى ضواحي كييف، وسيطرت على مطار أنتونوف الحيوي في غوستوميل، في فبراير/شباط 2022.

في هذه المرحلة ركزت واشنطن على تزويد الجيش الأوكراني بأسلحة دفاعية منعاً لمزيد من التوغل البري الروسي. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في فبراير 2022 أن بلاده خصصت حزمة مساعدات دفاعية لأوكرانيا بقيمة 350 مليون يورو، بهدف تمكينها من صد الغزو الروسي. بعدها مُنحت كييف صواريخ مضادة للدروع من طراز جافلين، وصواريخ ستينغر مضادة للطائرات، وبدا أن الهدف من هذه الخطوة هو منع استمرار الهجوم على العاصمة كييف من خلال مواجهة أرتال المدرعات والدبابات التي تزحف إلى المدينة، وإضعاف قدرات سلاح الجو الروسي الذي يقدّم الغطاء الجوي للقوات البرية.

في هذا الصدد يقول الخبير العسكري المقيم في فرنسا عبد الباسط الطويل لـTRT عربي، إن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية كانت تركز في البداية على منع انهيار الحكومة الأوكرانية أمام الهجوم الروسي، فقدمت أسلحة دفاعية لكسب مزيد من الوقت الذي تستطيع من خلاله رسم استراتيجية واضحة بالتنسيق بين دول حلف شمال الأطلسي.

كذلك قدّم الجيش الأمريكي مساعدات لأوكرانيا في مجال الحرب الإلكترونية والتشويش، عن طريق إرسال فرق متخصصة في مجال الهجمات السيبرانية، مما أفقد وحدات الجيش الروسي المهاجِمة في بعض الأحيان القدرة على التواصل، وساهم في عرقلة الهجوم.

بالإضافة إلى ذلك، زوّدَت الولايات المتحدة الأمريكية أوكرانيا في مايو/أيار 2022 بصواريخ مضادة للسفن من طراز هاربون، ونافال سترايك، لتمكينها من مواجهة الأسطول الروسي الذي عمد إلى تنفيذ إنزالات على الشواطئ الأوكرانية في البحر الأسود.

وفي 23 يونيو/حزيران 2022 وصلت الدفعة الأولى من صواريخ “هيمارس” الأمريكية إلى الجيش الأوكراني، فأضافت هذه المنظومة المحمولة على عربة سريعة الحركة ميزة جديدة للدفاعات الأوكرانية، هي القدرة على استهداف مرابض المدفعية الروسية المستخدمة في الهجوم البري، على اعتبار أن “هيمارس” صواريخ موجهة بدقة عبر نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس“.

كذلك أتبعت واشنطن هذه الصواريخ بمنح كييف 121 طائرة مسيرة من طراز “فينيكس غوست” المعروفة باسم “العنقاء“، وهي طائرات انتحارية قادرة على تدمير الأهداف متوسطة التحصين، ويمكن استخدامها في عمليات الاستطلاع لكونها مزودة بكاميرات دقيقة، وتعمل بالتوجيه عبر الأشعة تحت الحمراء.

وعلّق الخبير العسكري عبد الباسط الطويل لـTRT عربي بأن "تزويد كييف بصواريخ هيمارس وطائرات مسيَّرة، بالإضافة إلى منظومات دفاع جوي، شكّل نقطة تحول في الدعم الغربي الممنوح لأوكرانيا، لأنه أتاح لكييف الانتقال من مرحلة الدفاع واستيعاب الصدمة، إلى بناء أفكار هجومية ضد القوات الروسية".

تعزيز القدرات الهجومية للجيش الإلكتروني

في أكتوبر/تشرين الأول 2022 منحت الولايات المتحدة الأمريكية الجيش الأوكراني منظومات دفاع جوي من طراز “هوك“ و “أفينجر“، تساعد على استهداف الطائرات التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة. وكان لذلك أثر سلبي تجاه قدرة روسيا على استخدام الطائرات المسيرة، بخاصة مع وصول منظومة “ميسترال أطلس آر سي” الفرنسية إلى أوكرانيا، وزادت قدرات كييف في مواجهة سلاح الجو الروسي.

واستفاد الجيش الأوكراني من الدعم النوعي المقدَّم له خلال هجومه المعاكس على خيرسون، إذ تَمكَّن من استعادة السيطرة على عاصمة المقاطعة المطلة على البحر الأسود في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

في هذا الصدد يقول العميد والخبير العسكري فاتح حسون لـTRT عربي، إن تزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة المضادة للدروع مثّل اختباراً لمدى استعداد الجندي الأوكراني للقتال، قبل الانتقال إلى مستوى أعلى من التسليح.

وأضاف حسون: "إظهار الأوكرانيين قدرات دفاعية واستعداد التضحية، زاد ثقة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بهم، ودفعهم إلى التزوُّد بشحنات أسلحة نوعية إضافية، بلغت حد إمداد كييف بمنظومات دفاع جوي كبحت جماح الطائرات الروسية".

ويرى حسون أن نهج أمريكا والغرب في تسليح أوكرانيا وتقديم المساعدات لها، راعى عدم دفع بوتين إلى استخدام السلاح النووي، إذ كانوا يمتصون غضبه في بعض المراحل، ثم تُضَخّ جرعة دعم جديدة لإعطاء الجيش الأوكراني دفعة.

وأشار الطويل في حديثه مع TRT عربي إلى التحولات في التعاطي الغربي والأمريكي خصوصاً مع مجريات المعارك، إذ عُمل على تعزيز قدرات كييف الهجومية لاسترداد مواقع خسرتها في بداية الحرب. وأضاف أن خطط الدعم آنذاك كانت متناسبة مع معطيات الواقع، فقد أدركت واشنطن عدم قدرة سلاح الجو الأوكراني على تقديم إسناد للعمليات البرية الهجومية، فلجأت إلى تزويد كييف بمنظومات دفاع جوي لتحييد سلاح الطيران الروسي.

واستكمل الخبير العسكري المتابع لمجريات الحرب الروسية-الأوكرانية: "الصواريخ والمدفعية الموجهة من طراز (هيمارس) و(زوني 127) عوّضَت إلى حد لا بأس به نقص قدرات سلاح الطيران لأوكرانيا، بخاصة أن الصواريخ الممنوحة لها من دول حلف شمال الأطلسي وعلى رأسها أمريكا، تمتاز بقدرة تدمير للهدف لا مجرد التأثير فيه، على اعتبار أنها موجهة بدقة".

ورجّح الطويل أن يشهد صيف عام 2023 مزيداً من المبادرة للجيش الأوكراني، بعد أن تلقّت وحداته تدريبات مكثفة على الأسلحة والوسائط الغربية ذات الخصائص الهجومية، بخاصة إذا ما نفّذَت أمريكا والدول الغربية وعودها بمنح أوكرانيا مدرعات ودبابات تساعدهم في شنّ هجمات.

وكانت الولايات المتحدة زودت أوكرانيا بمنظومة باتريوت للدفاع الجوي في نهايات عام 2022، في خطوة أضافت مزيداً من الصعوبات أمام استخدام روسيا سلاح الطيران في الحرب، مما دفع موسكو إلى زيادة الاعتماد على “الحرب الهجينة” واستخدام تشكيلات غير نظامية في العمليات القتالية كمجموعات فاغنر.

مع دخول عام 2023، أعلن المتحدث باسم البنتاغون بيت رايدر، تخصيص بلاده حُزمة دعم عسكري جديدة لأوكرانيا بقيمة 2.85 مليار دولار، من ضمنها عربات “برادلي إم 2” المزودة بأنظمة معلومات وتحكُّم قتالي، والتي تتيح تلقّي معلومات استخباراتية من الأقمار الصناعية، مع تبادل البيانات بين المجموعات القتالية، بالإضافة إلى نظام حماية من الصواريخ المضادة للدبابات. ومن شأن هذه العربات أن تزيد قدرة القوات الأوكرانية على الحركة وشنّ الهجمات السريعة، إذ تعزّز خاصية إجراء المناورات في مختلف الظروف الجوية وكل التضاريس الجغرافية الوعرة.

كذلك تتجه الولايات المتحدة الأمريكية لتزويد أوكرانيا بعربات سترايكر، وهي عربات قتالية مخصصة لنقل المشاة بسرعة وأمن نسبيَّين إلى مناطق العمليات، على اعتبار أنها متوسطة التدريع.

وبإقرار حُزمة الدعم العسكري الأمريكية الأخيرة، ارتفعت قيمة المساعدات العسكرية والأمنية التي خصصتها واشنطن لأوكرانيا إلى 24.2 مليار دولار أمريكي، مع تأكيد كل من واشنطن ولندن التزامات طويلة الأمد نحو تدريب ودعم الجيش الأوكراني.


TRT عربي